أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – عاشت سوريا خلال عشرات السنوات الماضية حالة من انعدام الهوية الوطنية لكافة فئات الشعب على اختلاف مكوناتهم الدينية والقومية، بما فيهم النخب السياسية القومية أو الإسلامية أو اليسارية حيث لم يستطيع هؤلاء تأكيد الهوية الوطنية السورية على الرغم من الشعارات الرنانة التي تتحدث عن تعزيز وحدة سوريا أرضاً وشعباً ككيان سياسي واحد، ولكن واقع الأمر يختلف بشكل كبير فاذا تحدثت مع الأشخاص القوميين أو الأحزاب القومية عن ازالة العنصر القومي عن اسم سوريا أو تقترب بالسوء من أحد قادتهم تجده منزعجاً جداً وهو ما ينطبق أيضاً على الإسلاميين فعندما تقول لهم انه يجب فصل الدين عن الدولة وأنه لايمكن إقامة خلافة في سوريا تجده يتهمك بطمس الهوية الإسلامية لسوريا، وكذلك اليساريين أيضاً لذلك تجد ان جميع هؤلاء يضعون انفسهم في خندق ضيق على حساب بلدهم التي عاشوا فيها مئات السنوات.
تعزيز الهوية الوطنية السورية
ومن هنا يمكن القول انه يجب على النخب السياسية السورية التعلم من الماضي وفتح صفحة جديدة توضع فيها كافة الأفكار والإيديولوجيات على اختلافها بعيداً عن المصلحة الوطنية، وأن يعملوا جاهدين لتعزيز الهوية الوطنية السورية والبدء ببنائها منذ هذه اللحظة فالأمر سيستغرق ربما عشرات السنين لاكتمال بناء هذه الهوية الضرورية للعيش تحت عنصر مشترك واحد بين كافة مكونات البلد، والخروج من الهويّات المتناحرة والعيش المشترك دون نفي الآخر والتخلّي عن الهويات الفرعية.
علي الأمين السويد: السوريون يعانون من غياب الهوية الوطنية التي تجمعهم
بدوره، قال الكاتب والسياسي السوري المعارض، علي الأمين السويد، انه منذ انفصال سوريا عن مصر حتى اللحظة عمل “النظام الاسدي” على إذكاء نار الفرقة بين مختلف شرائح السوريين تحت الطاولة، وعلى خلق هوية يتفق عليها الجميع فوق الطاولة عنوانها “سوريا الأسد” فسوريا الأسد هي الهوية السورية. فلا اعتبار ولا قيمة لا لتاريخ، ولا لقوميات، ولا لاثنيات، ولا لأديان، ولا لفن، ولا لأدب ولا لإبداع، ولعلوم، ولا لصناعة ولا لتجارة، ولا لاقتصاد متطور. فالاعتبار فقط لمقولة “سوريا الأسد.”
باختصار شديد يعاني سكان سوريا والسوريون في مختلف أنحاء العالم من غياب الهوية السورية التي تجمعهم، فكلٌ يرى نفسه سورياً بالطريقة التي تعجبه هو والتي ليس من الضروري أن يتفق معه عليها جيرانه السوريين أو ربما افراد عائلته، ومنهم لا يرى نفسه سورياً على الاطلاق ولا يجبره على الاعتراف بأنه سوري سوى الأوراق الثبوتية السورية التي لا يستطيع الاستغناء عنها. وهذا يقودنا الى القول بأن الهوية الوطنية السورية لم تتشكل منذ رحيل الاحتلال العثماني عن الأراضي السورية حتى اللحظة، فأزمة الهوية ليست وليدة اليوم وانما عمرها قرن من الزمن.
الهوية ستجعل من سوريا وطناً نهائياً لأبنائها
وتحدث اللقاء التشاوري للقوى والشخصيات الديمقراطية السورية الذي اختتمت أعماله منذ عدة أيام في العاصمة السويدية ستوكهولم، بشكل مفصل عن الهوية الوطنية السورية، مؤكدا أن هذه الهوية تبنى على تثبيت الاعتراف بكامل حقوق الهويات المحلية، كما انه ليس هنالك من هوية مهما علت منزلتها إلّا الهوية السورية التي تستطيع جمع السوريين وتنهي فرقتهم، وتحوّل نقمة تنوّعهم إلى نعمة وتحبط أطماع الآخرين فيهم، مشيرا ان هذه الهوية ستجعل من سوريا بالفعل وطناً نهائياً لأبنائها، ضمن حدودها المعترف بها دولياً منذ استقلالها، موحّدة الشعب والأرض والسيادة، حيث تشكل المواطنة الحرة المتساوية جوهر هذه الهويّة، مع حقوق المكونات التي أقرّتها الشرائع الدولية والقانون الدولي ولوائح حقوق الإنسان وسيادة الشعب.
دولة جديدة ودستور جديد
يجب أن تكون الهوية الوطنية ضمن الانتماء لسوريا بمكوناتها المختلفة، لذلك يستلزم أن تقود الدولة الجديدة، عبر دستورها الجديد، أمر توفير اليقين بالانتماء الوطني لدى كل المكونات السورية، ولدى كافة الأفراد السوريين، وهذا يتطلب توفير قواعد دستورية حقيقية، تحترمها السلطة التي ستقود الدولة، أيًا كانت هذه السلطة القادمة بالانتخابات، ومن أي تيار سياسي مع توفير أسس المساواة بالحقوق والواجبات الوطنية بين الجميع، دون تمييز بأي حق أو واجب أو تكافؤ للفرص في شتى الأمور ما يزيل التجاهل والإقصاء ويزيد من الانتماء المتمثل بوحدة وتوافق المكونات، هذا التوافق يتم بالمشتركات بعيدا عن العناصر المفرقة.
وأخيراً ان التأكيد على المسؤولية الوطنية والتاريخية أمر في غاية الأهمية لذلك من الضروري إنجاز مفهوم للهوية الوطنية الجامعة ووضع مفهوماً شفافًا وصريحًا للانتماء الوطني عبر العمق الفكري والتاريخي المشترك بين كافة المكونات السورية.
إعداد: يعقوب سليمان