دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

هل أعادت زيارة بلينكن للسعودية العلاقات بين واشنطن والرياض، وماذا يعني ذلك؟

قد تعترف إدارة بايدن مرة أخرى بالدور الذي لا غنى عنه للمملكة العربية السعودية في الاستقرار الإقليمي.

أدركت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أخيرًا الدور المركزي للقيادة السعودية في الشرق الأوسط والعالم، كما يتضح من زيارة وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن الأخيرة إلى جدة. كما خصص بلينكن ثلاثة أيام لاجتماعات مهمة في الرياض، شارك فيها عشرات الوزراء. بالإضافة إلى ذلك، شارك في مناقشات مطولة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في جدة.

كانت الزيارة تطوراً مهماً، تمثل تحولاً عميقاً في عقلية كل من الإدارة والحزب الديمقراطي، الذي حمل في الآونة الأخيرة ما بدا أنه عداء للسعودية.

وأكدت زيارة بلينكن تبني الإدارة لنهج براغماتي، والابتعاد عن المواعظ المعتادة التي غالباً ما تقدمها الولايات المتحدة إلى المملكة. يبدو أن الاتجاه الجديد لا يشمل فقط المناقشات حول أسعار الطاقة والأمن، بل يشمل أيضًا إجماعًا أكبر على مكافحة التطرف العنيف العالمي، والذي يتجاوز التركيز التقليدي على مكافحة الإرهاب.

في مؤتمر صحفي مشترك مع بلينكن، تحدث وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بجرأة، قائلاً إنه من المؤسف أن تستمر الدول المتقدمة في رفض استرداد مواطنيها من مناطق الصراع، وبدلاً من ذلك تترك هذا العبء على عاتق البلدان الأكثر تضرراً من الإرهاب. وشدد في وقت لاحق، عقب اجتماع وزاري في الرياض للتحالف الدولي ضد داعش، على أهمية مواجهة التنظيمات الإرهابية في أفغانستان، البلد الذي انسحبت منه القوات الأمريكية مؤخرًا.

وقد أكدت زيارة بلينكن على تبني الإدارة لمقاربة براغماتية.

وكرر بيان صدر عقب اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي مع بلينكن أهمية مواجهة التطرف العنيف والإرهاب “في جميع أنحاء العالم”، مما يعكس حرص دول مجلس التعاون الخليجي على رفض فكرة أن الإرهاب مشكلة تتعلق فقط بهذه المنطقة.

كان بلينكين حريصًا على أن ينقل خلال فترة وجوده في الخليج التزام الولايات المتحدة بأمن المنطقة وشراكتها الأمنية الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي. وأكد اعتراف واشنطن بالدور الحاسم الذي تلعبه دول الخليج وخاصة السعودية في الاقتصاد العالمي وفي معالجة الأزمات الدولية.

لا يخفى على أحد أن الطاقة أمر بالغ الأهمية، وإدارة بايدن حريصة على منع ارتفاع أسعار النفط خلال الدورة الانتخابية. ومع ذلك، فإن هذه المسألة معقدة، حيث لا تلتزم المملكة العربية السعودية بالامتثال تلقائيًا لمطالب إدارة بايدن عندما يتعلق الأمر بإنتاج النفط. أولويتها هي استقرار الأسعار.

لكن الخلافات بشأن النفط منفصلة إلى حد كبير عن المصالح الاستراتيجية والأمنية الأخرى التي يشترك فيها البلدان. تتفق الرياض وواشنطن على أن علاقتهما الأمنية لا ينبغي تقويضها أو خضوعها للمساومة من الدول الأخرى. بالنسبة للولايات المتحدة، قد يعني هذا بشكل أكثر حدة القلق بشأن العلاقة المحتملة مع الصين.

إن انخراط الصين المباشر في إعادة العلاقات السعودية الإيرانية وتولي دور الضامن لتفاهماتهما قد نبه إدارة بايدن إلى جمودها السياسي في المنطقة، لا سيما بعد أن استثنت دول الخليج من المفاوضات النووية مع إيران.

يجب أن تعلم إدارة بايدن أن عدم تصحيح أخطاء الماضي والاعتراف بأن الشراكة مع الرياض أمر لا غنى عنه قد يترك واشنطن في وضع غير مؤات.

لا يزال هناك تفاوت كبير بين وجهات النظر الأمريكية والسعودية في مجال واحد مهم، وهو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. تهدف إدارة بايدن إلى تحقيق اتفاق سلام سعودي – إسرائيلي يمكن أن تشترطه على أنه تجاوز حتى إنجازات إدارة ترامب اتفاقات أبراهام، والتي سهلت الاتفاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب. في حين أن المملكة العربية السعودية لا تعترض على توقيع اتفاق سلام إقليمي مع إسرائيل، إلا أنه سيكون بموجب شروط حل الدولتين وحل وضع القدس.

لكن كانت هناك أصوات في واشنطن سعت إلى رفض مفهوم حل الدولتين والتقليل من أهمية مبادرة السلام العربية، وهي اقتراح مضى عليه عقدين من الزمن لإنهاء الصراع، كأساس لأي اتفاق سلام.

في هذا السياق، برز البيان المشترك بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وبلينكن لتأكيده على حل الدولتين. وجدد الطرفان التزامهما بتحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط، على أساس حل الدولتين وحدود عام 1967، مع تبادل الأراضي وفقًا للمعايير المعترف بها دوليًا ومبادرة السلام العربية.

اللافت أن البيان المشترك أيد رسمياً الجهود العربية لحل الأزمة السورية، الأمر الذي أوضح رؤية الخليج للعلاقات مع سوريا. وشدد البيان بقوة على الحل السياسي “بما يتوافق مع القانون الإنساني الدولي، على النحو المبين في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 لعام 2015”. والجدير بالذكر أن البيان رحب بالمنهج العربي التدريجي لحل الأزمة تماشياً مع القرار 2254، وأعرب عن دعمه لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة التي تعمل على هزيمة داعش في سوريا.

كما كان لإيران حضور في المناقشات، كما ورد صراحة في البيان. وسلط الضوء على الالتزام المشترك للولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي بمواجهة أي أعمال عدوانية أو غير شرعية تشكل تهديدا للطرق البحرية والتجارة الدولية والمنشآت النفطية الخليجية، مع إشارة خاصة إلى إيران. كما قوبل استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بالموافقة.

تمثل الأجواء التي أحاطت بزيارة بلينكن إلى جدة والاجتماعات اللاحقة في الرياض خروجًا كبيرًا عن اللهجة التي اتسمت بها العلاقات الأمريكية السعودية في السنوات الأخيرة. أقرت إدارة بايدن بأن المملكة العربية السعودية برزت كلاعب إقليمي ودولي مؤثر، مما يتطلب إعادة تقييم وإعادة ضبط الخطاب السياسي بين البلدين. لا بديل عن دور السعودية الذي لا غنى عنه في حل كل من التحديات الإقليمية والدولية، ورفض المواقف السعودية ليس خيارًا.

المصدر: صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية

ترجمة: أوغاريت بوست