ومن خلال تجاهل المعاناة العميقة التي يعيشها العرب الفلسطينيون في سوريا ولبنان، يثبت الناشطون والجماعات الذين نصبوا أنفسهم “مؤيدين للفلسطينيين” مرة أخرى أن هدفهم ليس مساعدة العرب الفلسطينيين، بل تحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة فحسب.
وبينما يتركز اهتمام العالم على الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، بما في ذلك اتهامات جنوب أفريقيا بالإبادة الجماعية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، يشعر العرب الفلسطينيون في سوريا بالقلق إزاء القانون الحكومي الجديد الذي يعتبرهم “أجانب”.
ومن خلال تصنيف العرب الفلسطينيين على أنهم “أجانب”، تسعى الحكومة السورية إلى حرمانهم من القدرة على شراء العقارات. ومثل أغلبية السوريين، فإن معظم العرب الفلسطينيين هم عرب مسلمون.
وجاءت الخطوة الأخيرة بعد أن قدمت سوريا، في 20 كانون الأول 2023، قانون تملك الأجانب للعقارات، والذي يفرض قيودًا صارمة على المواطنين غير السوريين، مما يجعل من المستحيل عليهم شراء العقارات في سوريا. وتشمل القيود ضرورة الحصول على إذن مسبق من وزارة الداخلية السورية، والذي بدونه لا يستطيع المالك البيع. علاوة على ذلك، إذا أراد “الأجنبي” شراء شقة، فيجب ألا تزيد مساحتها عن 140 مترًا مربعًا، أي ما يقرب من 1500 قدم مربع.
سوريا ليست الدولة العربية الوحيدة التي تمارس التمييز ضد العرب الفلسطينيين في جميع مناحي الحياة تقريبًا، وتعاملهم على أنهم “أجانب”.
وفي لبنان، يعتبر العرب الفلسطينيون أيضًا أجانب لا يحملون وثائق من بلدانهم الأصلية.
يُمنع العرب الفلسطينيون في لبنان من العمل في 39 مهنة مثل الطب والقانون والهندسة، بحسب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
ولا يستفيد اللاجئون الفلسطينيون من سوريا، مثل اللاجئين السوريين، من أي تسهيل لقانون العمل، ونتيجة لذلك، يعمل 93% من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا في القطاع الخاص بشكل غير الرسمي، مما يجعلهم عرضة للإساءة.
ويفيد اللاجئون الفلسطينيون باستمرار أنهم يعانون من التمييز في ممارسات التوظيف وفرص العمل، اللاجئون الفلسطينيون من سوريا مهمشون اجتماعياً، ولديهم حقوق مدنية واجتماعية وسياسية واقتصادية محدودة للغاية، بما في ذلك تقييد الوصول إلى خدمات الصحة العامة والخدمات التعليمية والاجتماعية التي تقدمها الحكومة اللبنانية، ويواجهون قيوداً كبيرة على حقهم في العمل و حق التملك، فمنذ اعتماد القانون رقم 296/2001، يُمنع لاجئو فلسطين من حيازة ونقل الممتلكات غير المنقولة في لبنان بشكل قانوني.
وعلى النقيض من ذلك، يتمتع المواطنون العرب في إسرائيل بحقوق أكثر من العرب الفلسطينيين في سوريا ولبنان. يتمتع العرب الإسرائيليون بالجنسية الإسرائيلية، ويمكنهم امتلاك وشراء وبيع العقارات، ويمكنهم التصويت والترشح في الانتخابات الوطنية والمحلية، ويتمتعون بفرص متساوية للحصول على الرعاية الصحية العامة المجانية والتعليم وغيرها من الخدمات. ولا تمنح سوريا ولا لبنان الجنسية للعرب الفلسطينيين الذين يعيشون هناك، والعرب الفلسطينيون هناك محرومون من العديد من الحقوق الأساسية، بما في ذلك الوصول إلى الوظائف والتعليم والرعاية الصحية.
وفي إسرائيل، قام آلاف العرب الإسرائيليين بشراء منازل في الأحياء ذات الأغلبية اليهودية في جميع أنحاء البلاد. يخدم العديد من العرب الإسرائيليين في مناصب عليا في المستشفيات والجامعات والكليات والمحاكم والخدمة المدنية وحتى في الشرطة الإسرائيلية وجيش الدفاع الإسرائيلي. وكان هناك قاض في المحكمة العربية العليا.
وفي سوريا ولبنان والعديد من الدول العربية، لا يوجد أي عربي فلسطيني يشغل مناصب حكومية عليا.
علاوة على ذلك، في كانون الأول 2022، أعلنت إسرائيل أنها ستمول برنامجًا بقيمة 6.1 مليون دولار لتدريب ودمج أكثر من 2000 امرأة ورجل عربي إسرائيلي في صناعة التكنولوجيا الفائقة المحلية على مدى العامين المقبلين. وخلال العام نفسه، تم توظيف أكثر من 10.000 عامل من السكان العرب في صناعة التكنولوجيا.
وفي كانون الأول 2023، كشفت إسرائيل عن مبادرة جديدة تهدف إلى تعزيز اندماج الشباب العرب الإسرائيليين في سوق العمل. ويهدف البرنامج الذي تبلغ قيمته 28 مليون دولار إلى معالجة البطالة وتقليص الفوارق داخل المجتمع العربي.
وتهدف الخطة إلى تزويد الشباب من المجتمع العربي في إسرائيل بحزمة شاملة تغطي التوجيه الشخصي والتنموي والمهني، بالإضافة إلى الإعداد للملاحقات الأكاديمية. ستشمل الخطة، التي سيتم تنفيذها في 11 مدينة وبلدة، أربعة أشهر من الأنشطة العامة، وبعد ذلك سيختار كل مشارك مسارًا مهنيًا محددًا للتقدم المركّز.
وفي سوريا، دعا اتحاد الحقوقيين الفلسطينيين في سوريا على الفور رئيس الوزراء السوري إلى التراجع عن القانون الجديد، معتبراً أنه سيكون له انعكاسات سلبية على الأوضاع الاقتصادية والقانونية والإنسانية للعرب الفلسطينيين.
وقال كريم، وهو محامٍ وناشط في مجال حقوق الإنسان في دمشق فضل استخدام اسمه الأول فقط، إن القرار يعامل العرب الفلسطينيين في سوريا مثل الأجانب فيما يتعلق بحق ملكية العقارات، ويضع عليهم نفس القيود، مثل وشرط الحصول على موافقة وزارة الداخلية مسبقاً، وأن يكون له عائلة في سوريا.
وقال عروة، وهو محاسب عربي فلسطيني من دمشق يبلغ من العمر 26 عاماً:” بهذا القرار تبخر حلمي بشراء شقة. لقد ولدت وعشت طوال حياتي في سوريا. ولا ينبغي أن يكون هناك أي تمييز بيننا”.
كما استنكرت الهيئة العامة للاجئين العرب الفلسطينيين القرار السوري، القاضي بتعريف غير السوريين، بمن فيهم العرب الفلسطينيون، بـ”الأجانب”، وحرمانهم من حقوق الملكية.
وقالت الهيئة إن القرار أثار قلقاً كبيراً لدى العرب الفلسطينيين المقيمين في سوريا. وطالبت الحكومة السورية بمراجعة القانون لاستثناء العرب الفلسطينيين منه.
وكذلك منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، قُتل 4214 فلسطينياً عربياً يعيشون هناك وأصيب أكثر من 15 ألفاً، بحسب مجموعة العمل من أجل العرب الفلسطينيين في سوريا.
ويعيش أكثر من 90% من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا تحت خط الفقر وسط الأزمات الاقتصادية والمعيشية الطاحنة التي تشهدها سوريا، والوضع الأمني المتدهور، وتراجع كافة جوانب الحياة المالية والاجتماعية والتعليمية والطبية وغيرها، بحسب مجموعة العمل من أجل فلسطين.
وكشفت مجموعة العمل في تقريرها الأخير أن 3076 عربياً فلسطينياً معتقلون حالياً في سجون الأجهزة الأمنية السورية، فيما لا يزال 333 آخرين في عداد المفقودين. ومن بين المختفين أطفال ونساء وشيوخ وصحفيون وناشطون سياسيون ومدافعون عن حقوق الإنسان وعمال إغاثة وإنسانية وأطباء وممرضون.
وأشار التقرير إلى أن السلطات السورية مسؤولة عن نحو 90% من حالات “الاختفاء القسري”، فيما تقع البقية على يد فصائل المعارضة المسلحة.
وجددت مجموعة العمل مطالبتها السلطات السورية بالإفراج عن المعتقلين العرب الفلسطينيين والكشف عن أماكن تواجدهم، مؤكدة أن ما يحدث داخل المعتقلات السورية بحق العرب الفلسطينيين هو “جريمة حرب بكل المقاييس”.
وقال فايز أبو عيد، الناطق باسم مجموعة العمل، لموقع القدس العربي الإخباري، إن عناصر من الأجهزة الأمنية السورية، قتلوا 643 لاجئاً عربياً فلسطينياً تحت التعذيب في مراكز الاعتقال التابعة لها، بينهم نساء وأطفال وشيوخ.
وقال أبو عيد إنه يعتقد أن عدد المعتقلين وضحايا التعذيب أعلى بسبب غياب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن قوات الأمن السورية، فضلا عن خوف بعض العائلات من التحدث علناً خوفاً من الانتقام.
لشهادات وثقتها مجموعة العمل، فإن المعتقلين الفلسطينيين في السجون السورية تعرضوا لأشكال عديدة من التعذيب والإيذاء الجسدي والنفسي، فضلاً عن الاعتداء الجنسي.
المصدر: معهد غيتستون الأمريكي
ترجمة: أوغاريت بوست