أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – منذ أيام قليلة مرت السنة الخامسة على سيطرة القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة في “الجيش الوطني” على منطقة عفرين وريفها، بينما تعيش المنطقة تحت رحمة الفصائل التي تسيطر كل منها على منطقة؛ تسرح وتمرح كما تشاء وتقوم بأعمال تخريب الطبيعة والاستيلاء على ممتلكات المدنيين بالقوة وبيعها لآخرين، دون أي تحرك من السلطات المحلية أو القوات التركية.
5 سنوات على سيطرة القوات التركية على عفرين
وفي الـ 18 من آذار/مارس 2018، أعلن الجيش التركي سيطرته على مدينة عفرين بعد عملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية، التي كانت حينها منهمكة بالحرب ضد داعش، حيث حملت العملية اسم “غصن الزيتون” وبدأت في الـ20 من كانون الثاني/يناير من العام ذاته، ومنذ ذاك الحين لايكاد يمر يوم دون ورود أخبار تتحدث عن انتهاك هنا أو اعتقال هناك أو اعتداء وتهجير للسكان الأصليين الذين كان الكرد يشكلون الغالبية العظمى منهم.
عفرين قبل وبعد سيطرة تركيا وفصائل “الجيش الوطني”
العشرات من التقارير الإعلامية سلطت الضوء على ما تقوم به فصائل المعارضة المسلحة في عفرين، بعضها دولية وأممية، اتهمت الفصائل بالعنصرية وممارسة شتى أنواع الانتهاكات لدفع السكان الأصليين من الأكراد للهجرة من المنطقة، ولفتت هذه التقارير إلى أن عشرات الآلاف من السكان الكرد فروا من عفرين خوفاً من عمليات انتقامية بحقهم لأسبابٍ قومية، بينما تحدثت “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” عن “تهجير” أكثر من 350 ألف مدني من عفرين حين الحرب وتضاعف هذا الرقم خلال السنوات الماضية.
وتعاني منطقة عفرين التي كانت تعتبر سابقاً من أكثر المناطق أمناً في سوريا وكانت مقصداً لعشرات الآلاف السوريين الفارين من هول الحروب، من أحوال معيشية صعبة للغاية بسبب ممارسات فصائل المعارضة سواءً ضد الأهالي وضد بعضهم البعض، حيث تندلع بين الحين والآخر اشتباكات فصائلية تكون لأسباب تقاسم السيطرات العسكرية أو ممتلكات المدنيين (يعتبرونها غنائم)، أو عبر اللجوء إلى تفجيرات واغتيالات بين بعضهم البعض وإلصاق التهمة بقوات سوريا الديمقراطية والقوات الحكومية.
أين القوات التركية والسلطات المحلية ؟
ليس ذلك فحسب، بل أن الفصائل تقوم بعمليات تخريب الطبيعة على مرأى من القوات التركية والسلطات المحلية التي لاتحرك ساكناً، من حيث قطع آلاف الأشجار المثمرة، لبيعها كحطب، دون أي اعتبارات للغطاء النباتي الذي فقد نسبته بشكل كبير بعد السيطرة التركية على المنطقة.
إضافة إلى منع من تبقى من السكان الأصليين من الاحتفال بأعيادهم القومية والقيام بشعائرهم الدينية، التي اعتادوا أن يفعلوها خلال العقود الماضية، سواءً عندما كانت عفرين تحت سلطة الدولة السورية أو تحت حكم الإدارة الذاتية.
“أحرار الشرقية” يقتل مدنيين لأنهم يحتفلون بعيد النوروز
ومع حلول عيد النوروز الذي يحتفل به المكون الكردي في سوريا منذ القدم، قام بعض الشبان الكرد بإشعال نار نوروز أمام منزلهم في ناحية جنديرس، لكنهم تفاجئوا برصاصات الفصائل المعارضة تخترق أجسادهم، ما تسبب بفقدان 4 منهم لحياته وإصابة 7 آخرين كلهم من عائلة واحدة.
بعد ذلك خرج أبناء ناحية جنديرس في مظاهرة تهتف “بآزادي” والتي تعني بالعربية “الحرية” ومطالبين بإخراج فصيل “أحرار الشرقية” من الناحية. بحسب ما كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وشهدت المنطقة استنفاراً أمنياً “للشرطة العسكرية” ومسلحي المدعو “حسن الضبع” التابعة لفصيل “أحرار الشرقية” بريف جنديرس بعد إطلاق النار على المدنيين الكرد أثناء احتفالهم بعيد النوروز وإشعال النار.
وأغلقت القوات العسكرية الطرقات في ريف الناحية الغربي، بعد الهجوم بالرصاص على المواطنين الكرد.
تخريب الطبيعة والاستيلاء على ممتلكات المدنيين وبيعها
أما فيما يخص عمليات قطع الأشجار، قامت فصائل “فيلق الشام” و “الحمزة” بقطع 75 شجرة زيتون في قرية باصوفان بناحية شيراوا و قرية معراته، بهدف بيعها كحطب للتدفئة.
سبق ذلك آلاف عمليات قطع الأشجار من قبل الفصائل، والتي أثرت بشكل كبير على الغطاء النباتي، وتعهدت السلطات السابقة المتمثلة “بالحكومة السورية المؤقتة” بمحاسبة من يقطع الأشجار إلا أن قراراتها بقيت حبر على ورق ولم تنفذها الفصائل التي تعتبر أن هذه “الحكومة” لا ولاية لها عليهم أصلاً.
ليس قطع الأشجار وحده ما يجري في هذه المنطقة البعيدة عن الإعلام، بل قيام فصائل المعارضة بالاستيلاء على ممتلكات المدنيين المهجرين قسراً، من منازل و محلات وأراضي ومعامل وبيعها أيضاً بأسعار متدنية، وقد تصل أحياناً إلى حد التهديد بالقتل لمن لديه وكالة من قريب له تخوله الحفاظ على هذه الممتلكات.
اعتقالات وفديات مالية و “تطهير عرقي”
إضافة إلى عمليات الاعتقال التي تجري بتهم مختلفة منها “موالاة الإدارة الذاتية السابقة” أو العمل معها، تطال المواطنين الأكراد حصراً، وغالباً ما تكون هذه عمليات الاعتقال أشبه بـ “الاختطاف” ويكون الهدف منها “طلب فديات مالية” لقاء الإفراج عن المواطنين أو تأكيد التهم ضدهم وسجنهم لسنوات.
سياسيون أكراد أكدوا في أكثر من مناسبة أن هناك عمليات “تغيير ديمغرافية” تجري في عفرين و “بشكل ممنهج”، حيث تم تغيير معالم المدينة وتبديل أسماء مناطقها من الكردية للعربية أو التركية، إضافة إلى أن بعض المناطق أجري فيها “تطهير عرقي” شامل، حيث لم تعد تحوي ولا على مواطن واحد من سكانها الأصليين، وأصبحت فيما بعد مواقع لبناء القرى السكنية التي يصفونها “بالمستوطنات” لإسكان المهجرين من الداخل السوري وعوائل الفصائل التي تقاتل مع تركيا الذي يسمونهم “بالمستوطنين”، وذلك بأموال منظمات عربية وخليجية موالية للإخوان المسلمين.
يشار إلى أنه في آخر التقارير التي تحدثت عن عدد القرى أو ما يسمونها سكان المنطقة الأصليين “بالمستوطنات” في عفرين وصل إلى 100، جميعها بنيت بعد قطع وحرق آلاف الأشجار وجرف منازل السكان الأصليين بعد تهجيرهم قسراً على يد الفصائل أو بفعل العمليات العسكرية.
يذكر أن تركيا قامت بالسيطرة على عفرين بعد سماح روسيا لها خلال “مسار آستانا” وذلك مقابل سيطرة قوات الحكومة السورية على منطقة الغوطة بريف دمشق التي كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة حينها، وما تلاها من عمليات تهجير للسكان الأصليين فيها ونقلهم إلى الشمال السوري، وإسكانهم في عفرين بدلاً من سكانها الأصليين.
إعداد: ربى نجار