إن المفاوضات تتطور على مختلف الجبهات، والمحادثات اللبنانية الإسرائيلية هي الأكثر وعداً على الإطلاق
تجعل الضغوط الانتخابية من الصعب على الرئيس الأميركي جو بايدن تحمل المزيد من الضربات من الحوثيين في البحر الأحمر وقوات الحشد الشعبي في العراق.
ومع ذلك، فإن إدارته حريصة على أن تنقل إلى إيران أن التصعيد العسكري ضد وكلائها لا يعني تحولاً نحو حرب شاملة ضد طهران. وتحرص واشنطن على منع العملية الإسرائيلية الجارية داخل غزة من التصعيد إلى حرب إقليمية.
بل وكانت هناك محادثات خلفية بين الولايات المتحدة وإيران في هذا الصدد. ولكن قبل الخوض في الجهود الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط الأسبوع الماضي، والتي شملت التعامل مع لبنان، من المهم تحليل التطورات في البحر الأحمر.
تحمل الضربات الأمريكية البريطانية آثارًا اقتصادية وجيوسياسية كبيرة. ومنذ تشرين الثاني، كثف الحوثيون، بحجة التضامن مع غزة، هجماتهم على السفن والناقلات في البحر الأحمر، مما يعرض سلامة الملاحة البحرية للخطر.
وذكر بيان صادر عن القيادة المركزية الأمريكية في أعقاب الضربات أنها كانت تهدف إلى تقويض قدرات الحوثيين على مواصلة مثل هذه الهجمات. والأهم من ذلك، أن البيان قال إن الضربات لا علاقة لها بعملية حارس الازدهار، التي تضم أكثر من 20 دولة تعمل في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن.
وأعربت معظم الدول عن تفهمها للضربات، باستثناء روسيا، التي دعت إلى عقد جلسة لمجلس الأمن الدولي. فالأغلبية العالمية تشعر بالقلق إزاء تأثير هجمات الحوثيين على الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، هناك أيضًا مخاوف بشأن مواجهة محتملة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مع إيران، المتهمة بتزويد الحوثيين بالصواريخ والطائرات بدون طيار.
والسؤال المحوري الذي يجب طرحه هو ما إذا كانت إيران، كدولة، أو الكيانات التي تدعمها طهران هي التي تغذي عدوان الحوثيين على الشحن الدولي. وبدلاً من ذلك، قد يكون الحوثيون، مثل حماس في غزة، قد اختاروا الانحراف عن الرقابة الإيرانية، والتصرف بشكل مستقل.
وعلى الرغم من تحذير النظام الإيراني من أن هذه الضربات يمكن أن تغذي عدم الاستقرار في المنطقة، فإنه لن يصل إلى حد إغراق نفسه في مواجهة عسكرية في البحر الأحمر. ومع ذلك، ستستمر المخاطر في هذه المياه وعلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية حتى تقرر طهران احتواء الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان.
ومن ناحية أخرى فإن المرحلة الحالية من الجهود الدولية الرامية إلى احتواء العملية التي تشنها حكومة نتنياهو داخل غزة تشتمل على “ضمانات مزدوجة” غربية عربية لإسرائيل في مقابل الالتزام بحل الدولتين. ويمتد هدفهم إلى ما هو أبعد من مجرد تأمين وقف مؤقت لإطلاق النار والسعي إلى تسوية طويلة الأمد للصراع العربي الإسرائيلي، وخاصة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ويكمن جوهر الاقتراح في فكرة مفادها أنه في مقابل ضمان الولايات المتحدة وأوروبا لإسرائيل قبول حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية، فإن الضمانات العربية لفلسطين كدولة سلمية ستكون قاطعة لا لبس فيها.
وقد تكمن إحدى العقبات في العلاقات الفلسطينية الداخلية، نظراً للخلافات التاريخية بين مختلف الفصائل والحركات. وتكمن معضلة كبرى أخرى في رفض المؤسسة السياسية الإسرائيلية لقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
وهذا يشكل تحديا للولايات المتحدة. وتهدف إدارة بايدن في مقترحاتها إلى التأكيد على أن مكافأة السلام الدائم لإسرائيل هي أكثر قيمة بكثير من تكاليف الحروب وعقلية الحصار. وهناك استعداد لدى الدول العربية والإسلامية تدعمه ضمانات لا لبس فيها بأن السلام المستدام سيؤدي إلى الرخاء في الشرق الأوسط.
ولكن إذا استمر عناد إسرائيل ضد حل الدولتين، وإذا أصرت إسرائيل على إشراك الولايات المتحدة في حرب مع إيران أو غيرها من الصراعات، فإن الشعب الأميركي لن يوافق على ذلك، بغض النظر عما إذا كانت الإدارة ديمقراطية أو جمهورية. هذه هي الرسالة الأساسية التي تتلقاها إسرائيل من الأميركيين.
بمعنى آخر، ما تسمعه إسرائيل من إدارة بايدن هو أن الضمانات الأمنية الموسعة والاستثنائية لإسرائيل ستضمن أمنها، بينما الضمانات العربية ستضمن ازدهارها، لكن كل هذا مرهون بقبولها حل الدولتين.
وفي الوقت الراهن، ومن الدمار الذي حل بغزة بسبب التصرفات الإسرائيلية، وتشريد أكثر من مليون فلسطيني، إلى أوهام ومعادلات النصر أو الهزيمة الفلسطينية، والعدوان الحوثي، فمن الواضح أن المنطقة تتأرجح على حافة الهاوية.
وفي مثل هذا السيناريو، تجدر الإشارة إلى أنه حتى مع بقاء لبنان في قلب العاصفة – مع استمرار التوترات بين إسرائيل وحزب الله – فإنه يبدو أنه يبتعد عنها.
بالنسبة لبيروت، الخيار هو بين الحرب مع إسرائيل والدبلوماسية، حيث يقود الجهود المبذولة بشأن الأخيرة المبعوث الأمريكي الخاص عاموس هوشستين. إن تفسير زيارة السيد هوشستين الأخيرة إلى لبنان، بناء على محادثاتي مع مصادر مطلعة، يقودني إلى عدة استنتاجات.
أولاً، قال إن لا أحد يرغب في الحرب. ثانياً، إن الاختيار بين الحرب والدبلوماسية ليس بلا نهاية، لكن الحكومة الإسرائيلية مستعدة لوقف عدوانها على الحدود إذا تم تنفيذ القرار 1701، الذي يهدف إلى إنهاء حرب لبنان عام 2006، وانسحب حزب الله إلى مسافة 10 كيلومترات أبعد ما يسمى بالخط الأزرق.
واليوم، لا يتمثل الاقتراح في تجميد الخيار الدبلوماسي بشكل كامل إلى ما بعد وقف كامل لإطلاق النار في غزة – كما يطالب حزب الله – ولكن الاستمرار في إحياء الآفاق الدبلوماسية وتنفيذ القرار 1701 بينما تعمل الأطراف المعنية على وقف إطلاق النار الإنساني في غزة والتفاوض على إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس.
ومن المتوقع أن تستغرق هذه المفاوضات فترة انتقالية مدتها ثلاثة أشهر، على افتراض طبعا أن الدبلوماسية تنتصر على الحرب في السباق المصيري بين هذين الخيارين.
المصدر: صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية
ترجمة: أوغاريت بوست