مع تحرك الغرب ببطء ومحاولة إيران خلق إسفين بين الحكومات على جانبي المحيط الأطلسي، فإن دول الخليج تعيد ترتيب أولوياتها وتعيد وضع نفسها على أساس رؤية واضحة للمصالح الأكبر للمنطقة.
يبدو أن دول الخليج العربية لم تعد تعتمد على ما يسمى بشركائها الاستراتيجيين، فبدلاً من الانتظار والمراقبة – حيث كان سابقا يتم اتخاذ القرارات من قبل بعض القوى العالمية، وأحيانًا دون التشاور معها على الرغم من أنها قد تتأثر بنتائجها – فإن هذه الدول بدأت تتخذ مصيرها بأيديها.
دخل مصير المفاوضات النووية في فيينا، بين إيران والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (بالإضافة إلى ألمانيا)، في أكثر مراحلها حساسية. بغض النظر عن ذلك، فإن دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بدأت تنفذ رؤية جريئة ولكن عملية في وقت تحتاج فيه الى المرونة والتكيف.
وتتناسب جولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الخليج الأسبوع الماضي مع هذا السياق، وكذلك البيانات المشتركة الصادرة عن مختلف دول مجلس التعاون الخليجي. وقد تم رسم خرائط طريق واضحة للعلاقات الثنائية فيما تم توضيح مواقفهم من الأزمات الإقليمية الجارية في العراق ولبنان وسوريا واليمن. تشير الزيارات التي قام بها مسؤولون إماراتيون رفيعو المستوى إلى تركيا وإيران إلى أن الواقعية السياسية أدت إلى تحول في العلاقات بين الدول العربية الرئيسية وجيرانها من غير العرب. وتأتي هذه الجهود في أعقاب نقلة نوعية في العلاقات بين بعض دول الخليج وإسرائيل، بعد توقيع اتفاقية إبراهيم العام الماضي.
المسارات المتشعبة التي اتخذتها إيران وجيرانها العرب
خلال منتدى الإمارات الأمني هذا الأسبوع في واشنطن، تحدث الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الشيخ خليفة، عن الحاجة إلى “تجنب الفراغ والتصعيد” مع الخصوم والقوى المتنافسة. وطالب بإعطاء الزخم للنمو الاقتصادي والازدهار بقدر ما يُعطى للأمن والاستقرار. كانت وجهة نظره واضحة: سيكون هناك نهج مختلف للتنمية والتقدم، وكذلك في علاقات دول الخليج مع دول مثل الولايات المتحدة والصين والهند.
وأشار الدكتور قرقاش خلال محاضرته إلى الطبيعة المتطورة للعلاقات الخليجية الأمريكية على مدى العقود الأربعة الماضية. في عام 1980، على سبيل المثال، تبنت واشنطن مبدأ كارتر الذي سمح للولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها في منطقة الخليج العربي، ردًا على غزو الاتحاد السوفيتي السابق لأفغانستان في عام 1979. في ذلك الوقت، اعتبر الرئيس الأمريكي جيمي كارتر حينها بأن حرية الملاحة لإمدادات النفط من الشرق الأوسط معرضة لخطر شديد.
وقال الدكتور قرقاش، يجب تجنب الصراعات الكبرى التي تورط الولايات المتحدة في المنطقة. وقال إن تورط أمريكا في صراع مثل الصراع في العراق لن يكون لمصلحة أحد.
وشدد على أن الولايات المتحدة لا تزال الحليف الاستراتيجي الأول للإمارات، وأكد أن تجنب تصعيد التوترات أو فراغ السلطة في المنطقة، مثل ذلك الذي استغله تنظيم داعش في العراق قبل بضع سنوات.
وفقًا للدكتور قرقاش، نحن ندخل حقبة إدارة الأزمات وحل النزاعات، والتي تحقق أولاً من خلال بدء وقف إطلاق النار قبل البحث عن حلول سياسية والتوصل إلى سياسات جريئة. ومن الأمثلة على ذلك اتفاقيات إبراهيم، والتعامل الخليجي مع تركيا، وزيارات كبار المسؤولين الإماراتيين إلى سوريا وإيران، وإعادة التأكيد على إعلان العلا بين دول مجلس التعاون الخليجي.
لا ترغب دول الخليج في فشل محادثات فيينا – الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 – لكنهم قلقون من أن التوترات بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى سيكون لها تداعيات على أمنهم، لا سيما في حال التصعيد والمواجهة. وهذا ما يفسر ارتباطهم بإيران. في الواقع، تسعى دول الخليج إلى التقارب في المنطقة، سواء كان ذلك بين السعودية وإيران، أو الإمارات مع تركيا، أو في العلاقات المصرية التركية. وتشير الحركات الدبلوماسية إلى الإصرار على الابتعاد عن تصعيد التوترات واحتواء الأزمات، واستبدال المواجهة بالتعاون.
ومع ذلك، فيما يتعلق بالمحادثات النووية، لا يبدو المستقبل مشرقًا على هذا النحو.
تتضمن إحدى مناورات إيران الترويج لفكرة إعادة اعتماد الاتفاقية النووية لعام 2015 كما هي – دون أي تعديلات أو ترقيات – إلى جانب بيان غير ملزم لا يفعل أكثر من التعبير عن الرغبات الأمريكية أو الأوروبية لبنود أخرى. بعبارة أخرى، سيتناول البيان غير الملزم وحده قضايا مثل آليات مراقبة البرنامج النووي الإيراني، وبرنامج الصواريخ الباليستية، وربما يعبر عن الرغبة في رؤية دور أكثر إيجابية في المنطقة. ومع ذلك، فإن أساسه هو اعتماد الاتفاق النووي بصيغته الأصلية دون أي تعديلات.
كما أن النظام يتبنى أسلوب التخويف. صرحت طهران بأنها ليست في عجلة من أمرها لعقد اتفاق نووي بأي شروط، وأنه في حالة عدم التوصل إلى اتفاق قبل عطلة عيد الميلاد، فقد يستغرق الأمر وقتًا للعودة إلى مزيد من المفاوضات. حتى أنها تبدو مستعدة لإصدار بيان رسمي تقول فيه إنها تستطيع العيش بدون اتفاق نووي.
وأحد الشروط المسبقة التي قدمتها إيران للولايات المتحدة والأوروبيين هو رفع جميع العقوبات الاقتصادية دفعة واحدة. لن تقبله إدارة بايدن ولن تكون مستعدة لإصدار أي بيان غير ملزم حيال ذلك.
ولكن إذا كان هذا سيؤدي إلى انهيار محادثات فيينا، فهل يمكن أن يحدث انشقاقات بين الحكومات الغربية؟ إنه أمر ممكن. ومع ذلك، فإن إدارة بايدن تدرك أيضًا أنها بحاجة إلى العمل مع الأوروبيين بشأن القضية النووية الإيرانية مقابل السعي لتعاون بروكسل بشأن الأزمة التي تختمر في أوكرانيا، والتي هي على حافة الهاوية وسط حديث عن صراع محتمل مع روسيا المجاورة.
المصدر: صحيفة ذا ناشيونال الاماراتية
ترجمة: أوغاريت بوست