دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

شرق الفرات.. مستعمرة دولية ومركز صراع عالمي جديد

أوغاريت بوست (مركز الأخبار)-تحولت منطقة “شرق الفرات” أو ما تسميها الإدارة الذاتية رسمياً “شمال وشرق سوريا، تحولت إلى مركز صراع عالمي تتنافس فيها قوى محلية وإقليمية ودولية، وبينما كان النفوذ في تلك المنطقة محصورة بولايات المتحدة وحلفاؤها في محاربة تنظيم “داعش” وفي مقدمتهم قوات سوريا الديمقراطية، خلق الانسحاب الأمريكي المفاجئ خريطة نفوذ جديدة فيها، عقب الهجوم التركي، وانتشار القوات الحكومية السورية والقوات الروسية في بعض المدن والبلدات، فضلاَ عن بقاء جزء صغير من قوات التحالف الدولي في بعض أجزائها، مما جعلت من منطقة “شرق الفرات” مركز جديداً لصراع الأطراف ومفتوحة على كل الاحتمالات.

مع بدء الانسحاب الأمريكي شنت تركيا عملية عسكرية على شرق الفرات

وكما كان متوقعاً وفقاً لتوصيات وتحذيرات القادة العسكريين الأمريكيين، وأيضاً قوات سوريا الديمقراطية، بأن الانسحاب الأمريكي المبكر من “شرق الفرات” سيفتح الباب أمام حروب جديدة، لاسيما تركيا التي تترصد هذا الانسحاب، فضلاً عن تدخلات من مختلف الأطراف الضالعة في الأزمة السورية لتوسيع نفوذها، وأيضاً مخاطر عودة “داعش” لتنظيم صفوفه من جديد، وهذا ما حدث بالفعل. فمع بدء الانسحاب الأمريكي، شنت تركيا وفصائل المعارضة السورية ضمن “الجيش الوطني” عملية عسكرية تحت مسمى “نبع السلام” وتمكنت من السيطرة على مدينتي تل أبيض ورأس العين والمنطقة الممتدة بينهما إلى الطريق الدولي بعمق ما يقارب 30 كم. مادفع بقوات سوريا الديمقراطية للتوجه إلى دمشق والمطالبة بدعمها وحماية الحدود السورية الشمالية.

روسيا المترصدة.. سارعت لإبرام مذكرة تفاهم مع أنقرة ودعت “قسد” للحوار مع دمشق

روسيا التي كانت تنتظر هذه اللحظة لم تتردد بإعلان دعمها للتقارب الجديد بين قسد والحكومة السورية، وراعت مذكرة تفاهم عسكرية بينهما تنتشر بموجبها القوات الحكومية على الشريط الحدودي الشمالي الشرقي لسوريا، فيما أرجأت مستقبل الإدارة الذاتية المعلنة في تلك المنطقة إلى وقت لاحق، حسب ما جاء في تصريحات قادة قسد ومسؤولي الإدارة الذاتية. وذهبت موسكو إلى أبعد من ذلك بإبرام مذكرة تفاهم مع أنقرة في سوتشي، تحدد بموجبها جغرافية السيطرة على كامل الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا “شرق الفرات” والتي بموجبها ستنسحب قوات سوريا الديمقراطية إلى مسافة 30 كم جنوباً من كامل الشريط الحدودي، بينما تسير روسيا وتركيا دوريات مشتركة إلى عمق 10 كيلومترات، فيما لم تتوضح في مذكرة سوتشي، الجهة التي ستدير الشؤون الإدارية والأمنية في تلك المنطقة، والتي تديرها الآن الإدارة الذاتية.

واشنطن أدركت خطأ الانسحاب وأبقت جزء من قواتها لحماية حقول النفط

التطورات المتسارعة في المنطقة والتوجه الجديد لقسد أربك على مايبدو الدول الغربية والإدارة الأمريكية والتي أدركت؛ تحت ضغوط الكونغرس، أن تحذيرات قادتها العسكريين كان يجب أن تؤخذ على محمل الجد، بالأخص فيما يتعلق بـ عودة ظهور داعش، فضلاً عن تمدد نفوذ القوات الحكومية وروسيا وبالتالي إيران في تلك المنطقة الغنية بالنفط والغاز، أضف إلى ذلك عدم التزام تركيا باتفاق الآلية الأمنية بين أنقرة وواشنطن، ما دفع بالأخيرة إلى التباطئ بالانسحاب من المناطق الحقول النفطية للمحافظة على نفوذها، والتأكيد على استمرار العمل مع قوات سوريا الديمقراطية، كما جاء على لسان الرئيس دونالد ترامب.

أوروبا وفي مقدمتها ألمانيا تقترح “منطقة آمنة” دولية وسط ترحيب أمريكي ورفض روسي

الدول الأوروبية من جهتها وبعد انحسار دورها في الملف السوري، عادت إلى الواجهة من جديد لكن هذه المرة مع التلويح بالتدخل المباشر، حيث أقترحت ألمانيا إقامة “منطقة آمنة” شمال سوريا بإشراف الأمم المتحدة، كما جاء على لسان وزيرة الدفاع الألمانية، أنيغريت كرامب ـ كارنبارو، فيما دعمت الدول الأوروبية الأخرى هذا المقترح، كما رحبت الولايات المتحدة بالمقترح الألماني إلا أنها أعلنت أن واشنطت لن تشارك بقوات برية وستكتفي بالتغطية الجوية لـ “المنطقة الآمنة” المقترحة، تاركة الأمر برمته للأوربيين. أما حلف الشمال الأطلسي الناتو أعلن عن دعمه لإقامة هذه المنطقة كما جاء على لسان الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ إلا أنه شدد على أن الحل يتعين أن يشمل الأطراف الفاعلة على الأرض. وكما هو متوقع فإن روسيا رفضت على لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، المقترح الألماني، معتبرة أن اتفاق سوتشي مع تركيا يضمن الاستقرار في شمال سوريا ويحمي كل الأطراف على حد قوله.

القوات الحكومية والشرطة العسكرية الروسية بدأت بالانتشار في “شرق الفرات”

وبينما تشهد عواصم الدول حركة دبلوماسية كثيفة فإن الواقع الميداني يبدو مفتوحاً على كل الاحتمالات، حيث بدأت أرتال القوات الحكومية تنتشر في عدة مناطق بشمال وشرق سوريا، بدأً من مدينة منبج غرب الفرات تلتها عين العرب (كوباني) ومناطق عدة في محافظة الحسكة السورية. كما أن اتفاق وقف إطلاق النار تشهد خروقات يومية مع استمرار فصائل المعارضة الموالية لتركيا ضمن “الجيش الوطني السوري” بمحاولات السيطرة على الطريق الدولي إم 4 الذي يربط قامشلي بمدينة حلب، بينما بدأت طلائع الشرطة العسكرية الروسية بالانتشار على مواقع حدودية وتسير دوريات محدودة.

وأمام هذا الواقع الجديد وتحت ضغوط الكونغرس الأمريكي، فإن الإدارة الأمريكية عادت وأكدت أنها ستحتفظ بقواتها في مناطق حقول النفط، وتستمر في دعم قوات سوريا الديمقراطية، في محاولة للمحافظة على دورها في تلك المنطقة بعد توجيه انتقادات لاذعة للرئيس دونالد ترامب، بتسرعه في سحب القوات الأمريكية من قواعدها الحدودية.

مراقبون: التصعيد الأخير في “شرق الفرات” متفاهم عليه في قمة أنقرة الأخيرة بين ثلاثي آستانا للضغط على واشنطن

من غير الواضح؛ مع تتداخل النفوذ الميداني للقوى المتصارعة في شمال وشرق سوريا، ما ستؤول إليه مستقبل تلك المنطقة، إلا أن المعطيات الميدانية تشير إلى أن هذه المنطقة أصبحت مركزاً للصراع العالمي والإقليمي والمحلي، وما سيتمخض عنه ستحدد الخارطة المستقبلية لسوريا، وربما للمنطقة عموماً.

إلا أن مراقبون يرون أن ما يجري في “شمال شرق سوريا” متفق عليه أصلاً بين القوى الضالعة في الأزمة السورية، وفي مقدمتهم ثلاثي آستانا روسيا، تركيا وإيران، حيث كان ملف “شرق الفرات” حاضراً بقوة في اجتماعهم الأخير بأنقرة في 16 سبتمبر 2019، وتداخلت فيه ملفي إدلب وشرق الفرات مع بدء عمل اللجنة الدستورية السورية، كما أن التصعيد الأخير من قبل تركيا في هذه المنطقة تأتي ضمن تفاهمات قمة أنقرة للضغط على واشنطن ومحاولة إخراجها من ملف الأزمة السورية التي اقتربت من طي عامها التاسع.

إعداد: سمير الحمصي