أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – شهدت سوريا خلال العام 2022، مجموعة من الأحداث السياسية والاقتصادية المهمة، كما تأثرت بتطورات ومتغيرات إقليمية ودولية عديدة، فالأزمة مازالت مستمرة بل وازدادت صعوبة خاصة فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية التي يبدو أنها ذاهبة نحو انهيار تاريخي وغير مسبوق يشابه إلى حد كبير ما يحدث على الصعيدين السياسي والعسكري أيضاً.
وتتباين التقديرات حول مدى الخسائر التي دفعتها البلاد مع اقتراب الأزمة السورية من إنهاء عامها الـ11، مخلفة تأثيرات سياسية واقتصادية واجتماعية وتداعيات وانعكاسات كبيرة على مستقبل السوريين.
وخلال حوار خاص مع عضو الهيئة التنفيذية لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD، سيهانوك ديبو، طرحت شبكة “أوغاريت بوست” العديد من الأسئلة حول قراءة الأزمة السورية في ضوء التطورات والأحداث التي شهدها عام 2022، ومستقبل مناطق شمال وشرق سوريا بالإضافة إلى العديد من التساؤلات والطروحات.
وفيما يلي النص الكامل للحوار الذي أجرته “أوغاريت بوست” مع الأستاذ سيهانوك ديبو:
– كيف يمكن قراءة الأزمة في سوريا في ضوء التطورات والأحداث التي شهدها عام 2022؟
الأزمة السورية ازدادت تعقيداً في العام 2022. وتدل المؤشرات الحالية بأنها آخذة في طريق التعقيد أكثر. هذا التعقيد مردّه موضوعي وذاتي. أما الموضوعي أو الخارجي فيعود لطبيعة الأزمات أو المصاعب التي تعاني منها كل دولة متدخلة على حدا، وأجندات كل دولة حتّم عليها المضي في طريق هذا التعقيد، يبدو من الصعوبة عليها التراجع لأن ذلك سيكون بكلفة كبيرة. أما الذاتي فسببه الأساسي بأن أغلب الأطراف السورية ما تزال ترتهن للقوى المتدخلة دون التوقف عند معادلة الحل السوري التي طرفيها باتتا محددتان من طرف التغيير الجذري الذي يلزم وفق القرار الدولي 2254 ومن آخر انهاء للتنظيمات الإرهابية وتجفيف مصادرها. هذه المعادلة تحققت إلى درجة كبيرة في شمال وشرق سوريا أي مناطق الإدارة الذاتية كجزء مهم من الجغرافية السورية. مقتنعين مثل نسبة كبيرة من شعب سوريا بأن الإدارة الذاتية تعد ترجمة فعلية مهمة للقرار الدولي؛ يلزم تطوير هذا النموذج. ما يثير التناقض بأن أطراف سوريّة بدل من العمل في تعميم هذا المشروع وأن ينال حظه وبعده الوطني نجد بأن لديهم مقاربات عكسية تؤسس في ترسيخ تقسيم سوريا بدلا من استعادتها بالشكل الذي يناسب تاريخ ومستقبل شعب سوريا المتنوع.
وفق المعطيات الحالية فإنه يمكن القول بأن سنة 2023 لن تحمل الجديد الإيجابي؛ كي نستطيع القول من خلالها بأن سنة 2022 وجميع سنوات الأزمة صارت خلفاً أو جزء من الذاكرة السورية. هذه الأزمة مع الأسف تبدو أنها مستمرة على الرغم من أنها ستأخذ أشكالاً جديدة تختفي فيها بشكل واضح أغلب المحسوبة على المعارضة.
– أين سوريا من المعادلة الدولية مع الحديث عن تغير التوازنات والتحالفات والظروف الدولية بحكم الأحداث التي يشهدها العالم ؟
ليس بالواقعي القول بأن الأزمة الأوكرانية طغت على كل الملفات؛ أو أبقت الملفات الأخرى على الرف. يمكن القول بأن سوريا وبحكم موقعها الجيوبولوتيكي فإنها تعد ساحة تعكس التغييرات العالمية فيما يتعلق بالحديث عن نظام جديد للعالم وفي الوقت نفسه التغييرات العالمية إحدى خطوط تشكلها تمر من سوريا. كما يمكن القول بأن سلسلة من الملفات باتت اليوم تشكل حقيقة ما سترسو عليه نظام العلاقات الدولية وفق القطبية/ ات المهيمنة التي ستتضح تباعاً. فالنصف الثاني من العام الجديد يحظى بأهمية كبيرة إلى درجة الاعتقاد بأن البداية ستتشكل حينها؛ رغم عدم مستطاع أي جهة التخمين عن نهاية هذه البداية.
رغم الحديث عن تغيير التحالفات والتوازنات سوى أنه بات أشبه باليقين بأنها تعد بحد ذاتها فرصة مهمة أمام القوى الديمقراطية الوطنية لتعلن عن اجتماعها ووحدة مواقفها تجاه القضايا المصيرية والحاسمة ومنع سوريا من الانزلاق أكثر إلى مستنقع التقسيم.
– الاقتصاد السوري انهار بشكل كبير في سنة 2022 وبات المواطن يعيش في حالة صعبة بظروف قاسية جداً .. ما أسباب ذلك وهل تعتقد أنه هناك حلول لإنقاذ الاقتصاد؟
أسباب الانهيار الكبير في مختلف الصعد السورية منها الصعيد الاقتصادي يمكن تلخيصها بعدة أسباب أهمها: بالأساس يمكن القول بأن نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي نموذجٌ كرّس الفساد ونجم عنه بالأساس، ويعد بمثابة سبب موضوعي أدى إلى الانفجار أو الأزمة السورية في الشكل المقلق الحالي. كما يجب عدم اغفال بأن نموذج الاستبداد المركزي يحتمل مداخل ومخارج معينة تعد بالأسوأ من ناحية الاقتصاد المجتمعي والنهب والسطو من قبل زمر الاستبداد واللصوصية المنظمة التي لم تعد غافلة عن شعب سوريا.
الحل متدرج رغم تعقيد الأوضاع الحالية. خطوة الحل الأولى تطبيق كامل للقرار الدولي 2254. كما أن المجتمع الدولي بحد ذاته يتحمل المسؤولية إلى درجة كبيرة وبشكل معين حين النظر إلى جعل الأزمة السورية مرئية من الجانب الإنساني والمساعدات الإنسانية فقط.
– بالتزامن مع الحديث عن الحل السوري .. حدث في موسكو لقاء بين وزراء دفاع ورؤساء استخبارات دمشق وتركيا .. كيف تقرؤون هذا التطور .. وهل يمكن أن يساهم في حل الأزمة ؟
هذه الخطوة إذا ما كتب لها النجاح ستعد بمثابة فخ لشعب سوريا ومحاولة قصيّة لمحاصرة القرار الدولي 2254 أو إفقاده من روحيته المتمثلة بالتغيير والتحول الجذري الديمقراطي الشامل، كما أنها ستعد أيضاً بمثابة ارجاع الأزمة إلى المربع الأول. هذه الخطوة تحمل وتعزز الأجندة التركية والروسية باسم القضية السورية. إنها لصالح أردوغان وجعله ممسكاً بالسلطة أكثر، والتنظيمات المتطرفة وجماعات الارتزاق ستكون بمأمن أكثر في حال فاز أردوغان مرة أخرى. رغم أن الوقائع تشير إلى صعوبات عدة سيعمد إليها النظام التركي كي لا يتم عقد الانتخابات التركية بالأساس. كما أن ما تسمى باتفاقية أضنة 1998 هي غير قانونية وغير شرعية بالأساس فإن الحديث عن احياء هذه الاتفاقية أو انتاج نسخة جديدة عنها يعد بمثابة طعن شعب سوريا بخنجر التقسيم.
حتى لو اعتبر البعض بأنها خطوة جيدة أو بناءة كما سمّاها أصحاب الأجندة الضيقة فإن الخطوة الأهم من ذلك أن يحدث تقارب وحوار بناء بين الإدارة الذاتية والسلطة في دمشق كخطوة انطلاق حقيقية نحو حل سوري مستدام.
– ماذا يعني سيطرة هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة على مناطق واسعة كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة؟
يعني الكثير. الكثير من الأمور تعنيها هذه السيطرة؛ لكن الأخطر بأن تركيا لن تنسحب طوعاً عن أي شبر من المناطق السورية التي قامت باحتلالها تحت حجج وذرائع باطلة منذ البداية الأولى للأزمة السورية وحتى اللحظة.
كما أنه يجب على المعارضة المعتدلة السورية من كامل الجغرافية السورية أن تعيد حساباتها، وألا تعد بأن تركيا بالذات ليس من مصلحتها حل الأزمة السورية وفق تطلعات شعب سوريا، هي تأمل بحل يناسب مقاساتها هي فقط.
– هل يمكن أن نشهد مرة أخرى ظهور تنظيم داعش الارهابي في سوريا مع الحديث عن ازدياد نشاطه في الشمال والشرق والبادية؟
داعش لم ينتهي لحظة. رغم أن قوات سوريا الديمقراطية وجهّت له ضربات قوية بدعم من التحالف الدولي وبشكل خاص في تحرير الرقة العاصمة المزعومة لدولة الخرافة داعش عام 2017. كما الأخطر في موضوع داعش هو جزئية الهول واحتجاز نحو 74 ألف من أسر وعوائل داعش بينها نحو 12 ألف من مقاتلي داعش من 64 جنسية إقليمية ودولية. يجب التفكير بمسؤولية على أن تتم محاكمة هؤلاء الإرهابيين في محكمة إرهاب يتم تأسيسها في مناطق الإدارة الذاتية وبدعم دولي.
– كيف تقرأ مستقبل مناطق شمال وشرق سوريا خلال عام 2023؟
بدأنا العام 2022 بأحداث سجن الصناعة في الحسكة. وشهدنا في نهاية العام عملية عسكرية جوية تركية استهدفت البنية التحتية في مناطق الإدارة الذاتية وسعت إلى تحريض أو انعاش داعش من جديد. في الحقيقة أثبتت التجربتين – رغم قساوة الموقف- بأن الشعب حسم خياره وهو إلى جانب قسد. في حادثة سجن الحسكة كان هذه الموقف مشرف ومتوقع من شعب الإدارة الذاتية بمختلف تكويناته. أما في العملية العسكرية التركية العدوانية فإن الشعب تحلى بالصمود والتمسك بالمكتسبات المتحققة والحفاظ عليها؛ فلم يتم رؤية أي نزوح؛ وهذا موقف يليق بشعب قدم أكثر من 35 ألف شهيد وجريح حتى اللحظة.
نعتقد بأن الأخطار مستمرة ولن تنتهي هذه السنة أيضاً على الأقل حتى منتصف العام الجديد. رغم ذلك فإن الإدارة الذاتية تتحول اللحظة من بقعة ضوء إلى أمل لكل السوريين وبشكل خاص المتعلق بحق هذا الشعب من إدارة أموره بنفسه. وبالطبع نكون إلى كل من يقول بأن هذه الإدارة تحتاج إلى المزيد من التطوير ومن عمليات متماسكة لإنهاء العقوبات والنواقص التي تعتري هذا المشروع المهم.
حاوره: يعقوب سليمان