ليس هناك شخص مثل الدبيبة يمكن أن يخدم مصالح الولايات المتحدة في ليبيا خاصة في المنطقة الغربية لاسيما أنه يعرف المقابل الذي يحتاج إليه وهو الاستمرار في الحكم إلى ما لانهاية.
خيار الولايات المتحدة.. من وراء الستار
لم يجانب رئيس الاستخبارات العسكرية التركي السابق إسماعيل حقي بكين الصواب عندما أكد أن المصالح الأميركية والتركية تتلاقى في ليبيا. هبوط طائرات أميركية خلال الأيام الماضية في قاعدة “الوطية” الجوية المتاخمة للحدود المشتركة مع تونس، والتي أنشئت عام 1942 عقب الوصاية الدولية الثلاثية بين بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة على ليبيا إبان الاستعمار الإيطالي، يثبت أن هناك تكاملا في الأدوار بين واشنطن وأنقرة اللتين اشتركتا بقوة في ضرب قوات الجيش الليبي داخل القاعدة، ما أدى إلى بسط ميليشيات حكومة الوفاق عليها في 18 مايو 2020 لتوضع لاحقا تحت تصرف سلاح الطيران التركي.
يمكننا التوصل ببساطة إلى جملة من الاستنتاجات المهمة، من بينها أن ما جرى ويجرى في المناطق الحدودية مع تونس، وخاصة في معبر رأس جدير، كان بتنسيق مباشر مع الطرف الأميركي الذي بدأ في تكريس حضوره في غرب ليبيا كقوة أقرب ما تكون للوصاية إلى جانب القوات التركية، طبعا إلى جانب الجماعات المسلحة بمختلف تشكيلاتها، والتي سيتم دمجها في مؤسسات الدولة بعد تدريبها وإعادة هيكلتها من قبل شركة “أمنتوم”، وهي مقاول خدمات لدعم برامج البنتاغون ووزارة الخارجية الأميركية، تتولى كذلك أنشطة التدريب الصفي لموظفي تنفيذ القانون الليبيين.
لم يعد خافيا أن الولايات المتحدة دخلت بقوة إلى غرب ليبيا، وهي حاليا تتحرك على نطاق واسع.. تكريسا لدورها السياسي والعسكري والاقتصادي، وانطلاقا من صراع النفوذ القائم بينها وبين روسيا
تقارير استخباراتية فرنسية كشفت أنه تم خلال الفترة الماضية رصد أكثر من 5 رحلات جوية عسكرية بين قواعد أميركية في المنطقة وقاعدة الوطية الجوية، فيما يقوم مدربو “أمنتوم” منذ الشهر الماضي بتدريب الجماعات المسلحة في منطقة طرابلس وتشمل ثلاثة ألوية من الميليشيات هي: 444 بقيادة محمود حمزة، و111 بقيادة عبد السلام الزوبي، و166 بقيادة محمد الحصان، وتم دمج الثلاثة في الجهاز الأمني التابع لحكومة تصريف الأعمال التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة.
في مطلع مايو القادم، سيؤدي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة هي الأولى إلى الولايات المتحدة منذ أن كان دونالد ترامب رئيسا. سيكون برنامجها ثريا، وسيكون من بين أهم الملفات المطروحة على طاولة النقاش مع الرئيس جون بايدن في البيت الأبيض الملف الليبي الذي كانت واشنطن إلى وقت قريب تتعامل معه من الساحة الخلفية، إلى أن أدركت أنها كانت على خطأ لاسيما في ظل التمدد الروسي، وتراجع نفوذ الحلفاء الأوروبيين وعلى رأسهم فرنسا في منطقة الساحل والصحراء، وصولا إلى قرار المجلس العسكري في النيجر إلغاء الاتفاق العسكري معها، بما يهدد قواتها الموجودة في هذا البلد بالإجلاء خلال الأسابيع القادمة.
يعتبر رئيس المخابرات التركي السابق أن بلاده قوة توازن تعتمد عليها الولايات المتحدة، في إطار صراعها مع روسيا للسيطرة على مصادر الطاقة. وهذا الأمر ليس جديدا، كان الطيران المسيّر التركي وراء طرد قوات الجنرال خليفة حفتر من المنطقة الغربية بعد أن كادت تصل إلى وسط العاصمة طرابلس، وفرضت عليها التراجع إلى ما أطلق عليه اسم الخط الأحمر سرت – الجفرة. ففي نوفمبر 2019 وقع أردوغان مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق مذكرتي تفاهم فسحتا المجال أمام الأتراك لنقل قوات عسكرية نظامية وآلاف المرتزقة من الميليشيات السورية القريبة من أنقرة في اتجاه مدن الساحل الغربي الليبي، وتزامن ذلك مع سياقات متعددة من بينها القطيعة بين تركيا الداعمة لتيار الإسلام السياسي ودول الاعتدال العربي وعلى رأسها مصر.
رئيس المخابرات التركي السابق يعتبر أن بلاده قوة توازن تعتمد عليها الولايات المتحدة، في إطار صراعها مع روسيا للسيطرة على مصادر الطاقة
ما زاد من أهمية الدور التركي الحملة التي اتسعت رقعتها حول دور شركة “فاغنر” الروسية في دعم قوات الجنرال حفتر المعروف بعلاقاته الوثيقة مع الروس، وهي علاقات مرتبطة بمسارات تحالفات قديمة بين التيارات القومية والقادة العسكريين من ذوي المرجعيات العروبية مع موسكو. كما أنها تأكدت نتيجة ما أظهرته الإدارة الأميركية وخاصة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما من مساندة لجماعات الإسلام السياسي ومن رغبة واضحة في الدفع بها إلى منصات الحكم على إثر ما سمّي بثورات الربيع العربي.
لفت القيادي المخابراتي التركي إلى أن الولايات المتحدة تحاول مع المبعوث الأممي عبدالله باتيلي تشكيل حكومة جديدة، وتابع أن واشنطن تطالب بضرورة أن يتخلى الدبيبة عن منصبه لتشكيل الحكومة الجديدة التي ينادي بها مجلس النواب، ويجعل منها شرطا للسير نحو الانتخابات، لكنها ومن وراء الستار، تدعو الدبيبة إلى البقاء في منصبه. وإلى حد الآن ليس هناك شخص مثله يمكن أن يخدم مصالحها في ليبيا، وخاصة في المنطقة الغربية، لاسيما أنه يعرف المقابل الذي يحتاج إلى الحصول عليه، وهو الاستمرار في الحكم إلى ما لانهاية، فالدبيبة الذي وصل إلى الحكم عن طريق انتخابات داخلية نظمها ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف في الخامس من فبراير 2021 يرى أنه الأجدر بحكم البلاد، وهو الذي يمثل حاليا مراكز نفوذ مالي واقتصادي ويتحالف مع رموز التطرف الديني، ويحمي شبكات الفساد ويخدم شراكات إقليمية ودولية للاستثمار في مجال الطاقة ببلاده، وفوق كل ذلك يلعب على حبال التناقضات الداخلية والخارجية.
لم يعد خافيا أن الولايات المتحدة دخلت بقوة إلى غرب ليبيا، وهي حاليا تتحرك على نطاق واسع من معبر رأس جدير إلى الحمادة الحمراء ومن الوطية إلى طرابلس، مرورا بالخمس ومصراتة، تكريسا لدورها السياسي والعسكري والاقتصادي، وانطلاقا من صراع النفوذ القائم بينها وبين روسيا والذي قد يتحول في أيّ لحظة إلى اشتباك مباشر، عن طريق الوكلاء الميدانيين طبعا.
الحبيب الأسود – كاتب تونسي – العرب اللندنية
المقالة تعرب عن رأي الكاتب والصحيفة