السذاجة تكمن في النظر إلى عودة سوريا إلى محيطها العربي باعتبارها انتصارا للنظام. كان للرئيس الأسد دور في الإيحاء بذلك وهو ما لا ينبغي التركيز عليه في هذه المرحلة الحساسة.
سوريا ليست كرسيها في الجامعة العربية
من السذاجة اختصار مشكلات سوريا بمسألة علاقتها بجامعة الدول العربية. صحيح أن عودتها إلى تلك المؤسسة تضفي شيئا من الانفراج على الأزمة السورية. ولكنه ذلك الشيء الذي لا يُرى إلا بعد أن يُلمس.
ولكن تحسن العلاقات الثنائية يمكن أن يلقي بظلاله على طريقة تعامل النظام السوري مع محيطه. وهو ما يهبه آمالا في الخروج من حالة الحصار التي يعيشها بسبب العقوبات التي أثبتت السنوات الماضية أنها أضرت بالشعب من غير أن يكون لها دور مؤثر في الأحداث.
السذاجة تكمن في النظر إلى عودة سوريا إلى محيطها العربي باعتبارها انتصارا للنظام. كان للرئيس الأسد دور في الإيحاء بذلك. وهو ما لا ينبغي التركيز عليه في هذه المرحلة الحساسة. فالخيط لا يزال رفيعا بين تحرر النظام السياسي الحاكم في دمشق من بعض سياساته أو أن تكون تلك العودة مجرد كرسي يحتله ممثل الدولة السورية بعد أن ظل لسنوات فارغا. لا تزال المسافة قائمة بين سوريا الحيوية في محيطها العربي وسوريا التي سقطت في فخ عزلتها.
لا بد أن يكون هناك تفاهم قائم على أساس رؤية عربية مشتركة يكون الهدف منها وضع نهاية لحالة الضياع التي تعيشها سوريا. وليس الهدف في كل الأحوال مسايرة النظام في سياساته التي انتهت بسوريا إلى خراب ما بعده خراب. تفاهم يمكن النظر إليه باعتباره الحل الذي تأخر.
أما الموقف الأميركي المعترض على الاتفاق العربي فإنه يكشف عن أن القرار يعبر عن استقلالية في الموقف وهو ما كان العرب في حاجة إليه في ظل عبثية ومجانية دولية تورطت فيها أطراف عربية لم تفصل بين موقفها من سوريا وموقفها من النظام. وهو ما ألحق ضررا عظيما بدولة كان لها دائما ثقل في تأكيد الهوية القومية.
◙ لقد دمرت الحرب سوريا وشردت الملايين من أهلها وليس بقاء النظام السياسي علامة انتصار لها. فما فُقد لا يمكن استعادته وليس في الإمكان الآن الطلب من اللاجئين السوريين أن يستعيدوا مواطنتهم بيسر
أخطأ العرب حين تبنوا الموقف الأميركي والأوروبي من سوريا متخلين عن موقفهم الخاص. كان عليهم أن يتذكروا أن سوريا التي تعنيهم هي غير سوريا التي يفكر فيها الأميركان أو الأوروبيون. ذلك التخلي كان عنوان مرحلة عربية سيئة. مرحلة عرف العرب فيها أن وضعهم لن يكون أفضل بغياب سوريا. وما حدث لسوريا في جزء كبير منه إنما تقع مسؤوليته على العرب الذين لم يدركوا إلا متأخرا أن سوريا هي ليست نظامها السياسي. كان من المؤلم أن يضع بعض العرب إمكانياتهم في خدمة مشروع تدمير سوريا في محاولة منهم للتعبير عن عدائهم للنظام.
الآن عادت سوريا إلى الجامعة العربية فهل ذلك يعني أنها عادت إلى محيطها العربي؟ ردود الفعل الأوروبية تكشف عن مخاوف غير مبررة من إمكانية استعادة سوريا لوجودها داخل محيطها العربي. فالأوروبيون يعرفون جيدا أن سوريا لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الحرب. وهم يدركون أن سوريا المدمرة ستكون أقل فائدة مما كانت عليه قبل أن يلحق بها الدمار الذي لن تخرج منه إلا بعد عشرات السنين إن حل فيها السلام.
عودة سوريا إلى الجامعة العربية خطوة قد يعتبرها البعض جريئة، ولكنها ليست كذلك بكل المعايير. تلك خطوة يحتاجها العرب مثلما تحتاجها سوريا. في سياقها يمكن العودة إلى قواعد العمل العربي المشترك التي تم نسفها حين اتخذ العرب بتهور قرارهم بطرد سوريا. فليس المطلوب أن ينصح العرب النظام السياسي السوري بقدر ما عليهم أن يعينوه على الخروج بسوريا من أزمتها، وليس المطلوب من النظام السوري أن ينتظر مساعدات من إخوته العرب بقدر ما يقوم بمبادرات سلمية حقيقية تضع مساعداتهم في مكانها الصحيح.
لقد دمرت الحرب سوريا وشردت الملايين من أهلها وليس بقاء النظام السياسي علامة انتصار لها. فما فُقد لا يمكن استعادته وليس في الإمكان الآن الطلب من اللاجئين السوريين أن يستعيدوا مواطنتهم بيسر. ومن المؤكد أن النظام السياسي (المنتصر) لن يقوى على إعادة إعمار سوريا لكي تستقبل مواطنيها. هناك الكثير من الشروط الإنسانية المفقودة. كما أن غياب الثقة بين المواطنين والنظام سيعمل على إنتاج حواجز نفسية غير متوقعة سيكون من شأنها أن تضيف معالم عذاب صار جزءا من الحياة اليومية.
سوريا ليست كرسيها في الجامعة العربية، ولكنها الأرض التي حرثتها الحروب ومرت عليها الدبابات وغزتها اللغات الغريبة وعبث بأعصابها إرهابيو العصور كلها. ما يهم اليوم “ما الذي ستقوله سوريا للعرب وما الذي سيقوله العرب لسوريا بعد سنوات من القطيعة؟”.
فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة