دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي: في المهام القذرة يستطيع أردوغان أن يثق بالدعم الروسي

لماذا يغامر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإغضاب واشنطن، ويمضي قدما بتجربة أنظمة الدفاع الصاروخية أس400- روسية الصنع، رغم تحذيرات واشنطن التي هددت تركيا بالعقوبات معتبرة أن أردوغان تجاوز بفعلته هذه الخط الأحمر؟
قدم الرئيس التركي، بإصراره على نشر وتشغيل النظام الدفاعي الجوي الروسي، مبررا إضافيا لمجلس الشيوخ الأميركي لمعاقبة تركيا حليف الناتو. وهو يعلم أنه بعمله هذا قد مهد الطريق أمام واشنطن للتخلي عن ترددها السابق الذي حال دون فرض عقوبات سابقة، تمت صياغتها في الشهر الماضي ردا على تدخل تركيا عسكريا في شمال سوريا.
اختيار أردوغان تجاهل تحذير أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ من عواقب تشغيل أنظمة الدفاع الروسية، ليس حماقة أو رغبة في اللعب بالنار، كما قد يخيّل للكثير، بل هو اختيار مدروس وواع.
من المحتمل أيضا أن يرى البعض في خطوة أردوغان ردا على نوايا واشنطن تطبيق تشريعات اتخذتها لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، يعاقب وفقها قادة تركيا وصناعة الطاقة التركية والنظام المالي المساند للنشاط العسكري التركي في الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا، والمُزْمع مباشرة العمل بها أوائل الشهر القادم، وفق رئيس اللجنة جيم ريش.
تحدي أنقرة وضعها آليًّا ضمن خصوم الولايات المتحدة المشمولين بقانون عقوبات أقر عام 2017، يسمح بتجميد الأصول التركية، ويقيد التأشيرات ويحد من الحصول على القروض الدولية.
ورغم النوايا الحسنة التي أبدتها واشنطن لإيقاف حملة العقوبات في حال وافقت أنقرة على إزالة نظام الدفاع الجوي الروسي، أصر أردوغان على المضي في سياسة التحدي ضاربا عرض الحائط بتحذيرات السيناتور الجمهوري ليندي غراهام من أن شراء النظام وتفعيله سيؤديان إلى إقرار مجلس الشيوخ لمشروع قانون العقوبات، وستكون هذه بداية نهاية العلاقة بين الولايات المتحدة و“تركيا أردوغان”.
وأكد غراهام أنه سيدعم القرار في مجلس الشيوخ، وهذا سيشكل مدخلا سريعا لإقراره في الكونغرس وتوقيعه من قبل الرئيس دونالد ترامب.
وكانت أنقرة قد حصلت على الدفعة الأولى من الأنظمة الروسية بداية الصيف الماضي، وتزامنت الخطوة مع تعليق المشاركة في برنامج المقاتلات أف35- مع حلف الناتو، الأمر الذي أثار مخاوف مسؤولين أميركيين من أن يؤدي عمل النظامين المتزامن إلى إلحاق أضرار بأنظمة التحكم الأمني في الطائرة الحربية أف35-. وهو ما أدى إلى وقف تسليم 100 طائرة من هذا النوع، كانت أنقرة قد اشترتها في وقت سابق. وستخسر تركيا أيضا ما قيمته 9 مليارات دولار من الطلبات المستقبلية على عقود إنتاج مكونات المقاتلة أف35-.
بعد الخطوة التي أقدمت عليها تركيا، أصبحت العقوبات الأميركية على تركيا “أمرا لا مرفر منه”، بحسب أوزغور أونوهيسارشيكلي، مدير صندوق مارشال الألماني في أنقرة، الذي اعتبر ما أقدم عليه أردوغان بمثابة “إخراج الجني من القمقم”، ولا أحد يعلم أين سيتوقف الكونغرس الأميركي بعد ذلك.
من بين العقوبات المطروحة على الطاولة للدراسة، فرض عقوبات على مسؤولين أتراك، وعلى البنوك وقطاع الطاقة في تركيا. وقد تلجأ وزارة الخزانة الأميركية إلى التحقيق في الثروة الشخصية لأردوغان وأفراد أسرته وتحديد مصادرها. وهناك اقتراحات لفرض عقوبات منفصلة على بنك خلق التركي المملوك للدولة بسبب تورطه في مساعدة إيران على تجنب العقوبات الأميركية المفروضة على طهران.
لن يكون بمقدور أردوغان، بعد أن سار في طريق التحدي إلى تلك المسافة، أن يناور أو يتراجع. وغالبا، لا نية لديه للتراجع الآن، أو حتى في المستقبل القريب أو البعيد.
أقدم أردوغان على خطوته سعيا للحصول على دعم الدب الروسي وحفاظا على سلطته في تركيا، وهذا معلوم تماما للجانبين الروسي والأميركي، حسب كريم هاس المحلل المختص بالعلاقات التركية الروسية.
اختار أردوغان أن يضع البيض في عدة سلال، من بينها سلة الصين وروسيا والدول الغربية. وإن وجد نفسه مضطرا إلى الاختيار من بين تلك السلال، سيضحي بسلة الدول الغربية. لقد علمته دروس الماضي أن الغرب لن يتساهل في حال خرجت احتجاجات ضد نظام حكمه إلى الشارع التركي، أو تعمقت أزمة بلاده الاقتصادية نتيجة تدخلها في شؤون دول مجاورة.
في المهام القذرة يستطيع أردوغان أن يثق بالدعم الروسي، الدعم الذي يصعب على الرؤساء في الغرب تقديمه عند الضرورة.

علي قاسم- عن صحيفة العرب