لا يوجد مغزى من التظاهر بإمكانية إجبار النظام على قبول دستور جديد أو أن يشعر بالقلق من الإدانة الخارجية فلن يكون هناك انتقال من نظام الأسد ولن يكون هناك دستور جديد.
خيبة أمل كبيرة
لم يكن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا بحاجة إلى الوقوف أمام الصحافيين مؤخرا ليصف الجولة الأخيرة من المفاوضات حول دستور سوري جديد بأنها “خيبة أمل كبيرة” بعد خمسة أشهر فقط من فوز بشار الأسد في الانتخابات.
أصبحت العملية مجرد مزايدات استمرت لسنوات اجتمع فيها ممثلون عن النظام والمعارضة والمجتمع المدني بشكل متقطع ودون جدوى. وقال مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسون يوم الجمعة الماضي “نفتقر إلى الفهم المناسب لكيفية دفع هذه العملية إلى الأمام”.
لكن ما تقدم هو خطط النظام السوري لكسب الحرب الأهلية. حان الآن الوقت للاعتراف بأن المحادثات الدستورية لم تنجح ويجب إلغاؤها مع سيطرة النظام على الدولة بأكملها تقريبا ودون إمكانية حقيقية لتغيير النظام أو حتى الإصلاح. لقد حان وقت الخطة (ب).
وبينما تواصلت عملية جنيف ومندوبوها بشكل متقطع، حارب الأسد المدعوم من روسيا بلا هوادة. وكان الغرض الأساسي من إعادة كتابة الدستور (وفقا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 الذي يشكل أساس المحادثات) هو تمهيد الطريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة بموجب الدستور. وكان ذلك منطقيا في 2015 عند تمرير القرار لأن الأسد كان قد فاز للتو في انتخابات العام السابق وبدا أنه قد يوافق على تعديل الدستور في المستقبل لإنهاء القتال.
لكن الكثير قد تغير منذ ذلك الحين، لاسيما تدخل روسيا. وبعد أن فاز الأسد في انتخابات أخرى وسيطر على البلاد، لا يوجد احتمال أن يقبل النظام أي تعديلات دستورية. فهل تنوي الأمم المتحدة الاستمرار في الحديث حتى الانتخابات القادمة في عام 2028؟ إن كل ما تفعله المحادثات الآن هو توفير غطاء للنظام ليدعي أنه يشارك بجدية في المفاوضات، لذلك يجب تجريده من هذا.
كما ينبغي منح نفس الوفود صلاحيات محددة بشكل أكثر إحكاما لإجراء للمفاوضات، مع التركيز بشكل خاص على السجناء السياسيين، والحفاظ على الحقوق والحماية للاجئين العائدين وحول وضع إدلب (المحافظة الوحيدة الخارجة عن سيطرة النظام).
ويمكن أن تحدث هذه المجالات السياسية الثلاثة، إن كان النظام على استعداد لقبول إصلاح محدود، فرقا كبيرا للسوريين داخل البلاد من خلال تقديم معلومات حول مكان احتجاز أفراد أسرهم، ومساعدة هؤلاء اللاجئين الذين يبحثون عن طريق العودة إلى الوطن لكنهم يخشون اعتقالات النظام التعسفية.
وسيقول المنتقدون إن إلغاء المحادثات الدستورية يعني في الواقع قبول انتصار النظام ويخفف الضغط من أجل تغييره. لكن هذا الضغط تلاشى، وليس بسبب مكاسب جيوش الأسد فقط. فربما يكون النهج الأقصى للمفاوضات قد نجح عندما بدا كما لو أن الولايات المتحدة قد تظل منخرطة في العملية.
لكن منذ أبريل أشارت إدارة بايدن إلى أنها ستتعامل مع سلاحها القانوني الرئيسي، قانون قيصر، بشكل مختلف تماما عن عهد ترامب. ويسمح قانون 2019 لواشنطن بفرض عقوبات شديدة على أولئك الذين يعملون مع نظام الأسد. واستخدمت إدارة ترامب قانون قيصر عدة مرات، لكنه لم يعتمد منذ تولي إدارة بايدن الحكم.
وسمح هذا للحلفاء العرب بالبدء في صياغة سياستهم الخاصة بشأن سوريا، مع الفهم الضمني بأن الولايات المتحدة ستغض الطرف.
أطلق على المكالمة الهاتفية في بداية أكتوبر بين العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس بشار الأسد (الأولى منذ 10 سنوات) بداية عودة الأسد إلى الساحة العربية.
لكن في الواقع كانت إعادة فتح الحدود بين البلدين في أبريل بمثابة اختبار تجريبي لمعرفة ما إذا كانت الشركات الأردنية ستخاطر بالعقوبات الأميركية بسبب تعاملها مع سوريا. وفي سبتمبر، قبل أيام من المكالمة الهاتفية بين الملك عبدالله الثاني وبشار الأسد، أعيد فتح الحدود بالكامل. وجاء ذلك إثر تجربة أخرى من حليف عربي آخر للولايات المتحدة، حيث وافقت مصر على تصدير الغاز الطبيعي إلى لبنان عبر سوريا.
ومن الواضح أن جو بايدن اتخذ نهج “لا أرى شرا” في سوريا، مما سمح للحلفاء العرب بالسير في طريق إعادة العلاقات. وهذه هي النتيجة الحتمية لتركيز بايدن على القضايا المحلية أو ما يسمى بسياسة “إعادة البناء” التي تعطي الأولوية للقضايا الاقتصادية على النزاعات السياسية البعيدة.
كما اختارت الأمم المتحدة والحكومات الغربية دفن رؤوسها في الرمال ومواصلة المفاوضات غير الهادفة والوقوف مكتوفة الأيدي بينما يتغير العالم من حولها.
ولا يوجد مغزى من التظاهر بإمكانية إجبار النظام على قبول دستور جديد أو أن يشعر بالقلق من الإدانة الخارجية لانتخاباته غير الحرة وغير النزيهة. فلن يكون هناك انتقال من نظام الأسد ولن يكون هناك دستور جديد. ربما كانت تلك نتيجة معقولة عام 2015، وإن كانت صعبة. لكن هذا مجرد خيال في عام 2021.
لكن نجاحات سياسية حقيقية يمكن تحقيقها، وهي تلك التي يمكن أن تعيد مئات الآلاف (وربما أكثر) من السوريين من مخيمات اللاجئين إلى منازلهم، حيث يمكن أن تقدم أنواع التنازلات غير الكاملة التي يصعب تبريرها مساهمات حقيقية في حياة الملايين. ومن شأن الخطة (ب) أن تأخذ كل الدعم المؤسسي للأمم المتحدة وتعيد توجيهه نحو سياسة ربما لديها فرصة للتغيير.
فيصل اليافعي – كاتب ومحلل سياسي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة