دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – سوريا من خلال ثلاثة كتب

النظام بات يعاني من ارتداد أزماته عليه في ضوء بروز الصراع الضيّق، القائم حاليا بين بشّار الأسد وزوجته أسماء وشقيقه ماهر من جهة وآل مخلوف من جهة أخرى.
كلّ ما يمكن استخلاصه من الصراع ذي الطابع العائلي الذي مسرحه سوريا هذه الأيّام، أن النظام لم يعد لديه مكان يصدّر إليه أزماته. بات النظام يعاني من ارتداد أزماته عليه في ضوء بروز الصراع الضيّق، بكلّ المقاييس والأبعاد، القائم حاليا بين بشّار الأسد وزوجته أسماء وشقيقه ماهر من جهة وآل مخلوف ممثلين برامي محمّد مخلوف من جهة أخرى.
ما تعيشه سوريا حاليا هو صراع بين عائلتين في عائلة واحدة لم يعد فيها مكان لآل مخلوف الذين شكلوا طوال سنوات الذراع المالية للسلطة التي تشكّلت في 16 تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1970 عندما احتكر حافظ الأسد الحكم وصار في شباط – فبراير 1971 أولّ علوي يتولّى الرئاسة في الجمهورية العربية السورية.
متى عرضنا لتاريخ سوريا المستقلّة منذ العام 1946، يظهر علنا كيف أن صراعا على بلد ودوره في المنطقة، تحوّل إلى صراع ذي طابع مالي وتجاري ببعد عائلي محوره شركات تجارية.
من خلال الشريطين اللذين ظهر فيهما رامي مخلوف أخيرا وتحدّث فيهما عن دوره في دعم النظام والظلم الذي تتعرّض له شركة “سيريتل”، التي يمتلك أكثرية أسهمها، يرتسم إطار لنهاية مأساوية لبلد كان مرشّحا لأن يكون أحد أكثر البلدان ازدهارا في الشرق الأوسط، فإذا به في السنة 2020 تحت خمسة احتلالات (إيراني، روسي، تركي، إسرائيلي، أميركي).
هناك الاحتلالان التركي والإسرائيلي المرشحان لأن يكونا دائمين، فيما كل الأسئلة مطروحة في شأن مستقبل إيران وحليفها الصيني، الذي ليس لديه وجود بعد في الأرض السورية، ومتى تبدأ مرحلة انتقالية استنادا إلى القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن تنفيذا لتفاهم أميركي – روسي بدأت ملامحه تتبلور قبل فترة ليست بالقصيرة.
انتهى تاريخ سوريا، المستقلة منذ 74عاما، بصراع عائلي ضيّق هدفه تجميع كلّ السلطات وكلّ الثروات بيد آل الأسد، خصوصا أن النجل الأكبر لبشّار الأسد (حافظ) كبر وهو في طريقه إلى تولي موقع ما في تركيبة السلطة.
ليست الرغبة في جعل النظام الجمهوري في سوريا ملكا لعائلة جديدة. سبق للعراق أن مرّ بهذه التجربة. فعندما كبر عديّ صدام حسين وشقيقه قصيّ، بدأ التفكير في كيفية تهميش الإخوة غير الأشقاء لصدّام، أي سبعاوي وبرزان ووطبان، عن مواقع في السلطة. حصل ذلك عن طريق إيجاد توازن مختلف داخل عائلة صدّام حسين المجيد لغير مصلحة إخوته من أمّه. هذا ما يفسّر الزواج الذي تمّ بين حسين كامل المجيد وشقيقه من بنتي صدّام.. وإبعاد برزان عن موقع مدير المخابرات. يعتقد برزان شخصيا أنّ زوجة صدّام ساجدة لعبت دورا أساسيا في الدفع إلى زواج البنتين من حسين كامل وشقيقه. معروف تماما ما حصل بعد ذلك عندما انقلب حسين كامل على صدّام في 1995 وصولا إلى الانهيار النهائي للنظام نتيجة الاجتياح الأميركي في 2003.
في سوريا، ترافق صعود باسل الأسد، الذي كان مفترضا أن يخلف والده لو لم يقتل في حادث سير مطلع العام 1994، إلى الواجهة مع إبعاد عمّه رفعت الأسد في 1984. يترافق الآن صعود حافظ بشّار الأسد مع إبعاد رامي محمّد مخلوف وذلك في ظل بروز نجم أسماء الأخرس الأسد التي تعتقد أن شيئا لم يحدث في سوريا وأن من الطبيعي أن يخلف ابنها البكر والده في يوم من الأيّام.
في ستينات القرن الماضي، وضع الصحافي البريطاني باتريك سيل كتابا بعنوان “الصراع على سوريا”. وفي النصف الثاني من السبعينات، صدر كتاب الديبلوماسي الهولندي نيكولاس فان دام بعنوان “الصراع على السلطة في سوريا”. يشرح هذا الكتاب بالتفاصيل التحولات التي شهدها الجيش السوري من استبعاد للضباط السنّة أبناء المدن الكبرى.. إلى إنهاء دور الضباط الدروز والإسماعيليين، وصولا إلى السيطرة العلوية على الجيش بطريقة ممنهجة.
في عهد حافظ الأسد الذي استمر ثلاثين عاما، كان هناك دور كبير لسوريا على الصعيد الإقليمي، خصوصا بعد دخولها إلى لبنان وسعيها إلى الإمساك بالورقة الفلسطينية والحلف مع إيران الذي ظهر بوضوح من خلال وقوفها ضد العراق في حرب السنوات الثماني. ترافق ذلك مع نوع من المحافظة على المظاهر وذلك عبر وضع سنّة من الريف، مثل مصطفى طلاس وعبدالحليم خدّام وحكمت الشهابي وغيرهم، في الواجهة. أمّا السلطة الحقيقية والفعلية فكانت في يد الضباط العلويين من رؤساء الأجهزة مع هيمنة غير ظاهرة لمحمّد مخلوف (والد رامي وشقيق زوجة حافظ الأسد) على الجانب الاقتصادي. كان الدور الأساسي لمحمّد مخلوف يتمثّل في استرضاء العلويين بما يملكه من وسائل إقناع، يأتي المال في طليعتها.
كانت خلافة بشّار الأسد، بدل باسل الأسد، لوالده بداية تحوّل على صعيد انتقال الحكم من الطائفة إلى العائلة الواحدة في ظلّ توسّع للدور الإيراني. وصف أحد الزعماء العرب سوريا في عهد بشّار الأسد وفي ظلّ والدته أنيسة وخاله محمّد (أبو رامي) بأنّها تحولت إلى ما يشبه شركة مساهمة عائلية يديرها مجلس إدارة. ما نشهده الآن هو انفراط الشركة في ظل غياب الأم (أنيسة) ومرض الخال (محمد مخلوف) والتخلّص قبل ذلك، في 2012، من آصف شوكت الذي كان دخيلا على العائلة على الرغم من زواجه من بشرى الأسد، الشقيقة الكبرى لبشّار.
بغض النظر عمّا إذا كان تحالف بشّار – أسماء – ماهر سيتمكن من التخلّص من رامي وانتزاع شركاته منه، يظلّ ما يجري في دمشق أقرب إلى مهزلة. الحدث الكبير صار خارج البيت الرئاسي في دمشق في وقت ليس معروفا مدى الدعم الروسي لآل مخلوف من جهة وما الذي ستفعله إيران من جهة أخرى. يحصل ذلك كلّه في وقت صار الوجود التركي في شمال سوريا أقرب إلى الوجود التركي في شمال قبرص، القائم منذ العام 1974.
لم تعد سوريا لاعبا إقليميا بمقدار ما أن المطروح العودة إلى عنواني كتابي باتريك سيل ونيكولاس فان دام، أي إلى “الصراع على سوريا” و”الصراع على السلطة في سوريا”. العنوان الأوّل يضع الأزمة السورية الدائمة في إطارها الإقليمي.. والثاني يضع أزمة سوريا في الإطار الداخلي، أي في إطار طائفي ومذهبي صار الآن عائليا في المفهوم الضيّق، بل الأضيق، للكلمة. هذا ما تحدّث عنه كتاب ثالث لسام داغر صدر العام الماضي تحت عنوان “الأسد أو نحرق البلد”. هذا الكتاب يعرض على نحو مستفيض مقدّمات المرحلة الراهنة حيث لم يعد مكان سوى لعائلة واحدة بدل عائلتين في عائلة واحدة في ظروف تدعو إلى الاعتقاد أن توريث حافظ الصغير لوالده أقرب إلى توريث صدّام لأحد ابنيه عديّ أو قصيّ!
خيرالله خيرالله – إعلامي لبناني – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة