لو بقينا كعرب، باستثناء الذين باتوا تابعين طائفياً ومذهبياً للولي الفقيه، نتحدث عن سوريا ليلاً ونهاراً لا يمكن أن نوفيها حقها، فهي قلب العروبة النابض منذ المرحلة الأموية العظيمة وقبل ذلك وحتى الآن، وحيث إن هذا الزمن الذي يوصف بأنه رديء قد «جرفها» وحولها إلى ما هي عليه الآن وعلى غرار ما هو واقع الحال بالنسبة لمعظم الدول الناطقة بـ«الضاد» ومن الخليج الذي قد استقر ولم يعد ثائراً إلى المحيط الذي لم يعد هادراً… ولا هم يحزنون!!
ثم إن السؤال الذي يردده معظم أبناء الشعب السوري الآن، وهذا إن ليس كلهم، ومعهم عرب العروبة الصادقة هو: «سوريا إلى أين»؟ طالما أن الجيش التركي، جيش الرئيس رجب طيب إردوغان، ومعه بعض الفصائل السورية الموالية لهذا الجيش الذي يصفه بعض أصحابه بأنه «الجيش العثماني»، بات يسيطر سيطرةً احتلاليةً قاسيةً على أكثر من عشرة في المائة من هذا البلد الذي بدونه ستبقى ناقصةً وغير ممكنة الوحدة العربية!!
والمعروف، إلا لمن يخفي رأسه بأي شيء حتى لا يرى الحقائق كما هي، أن لواء الإسكندرون لا يزال يعتبر المحافظة الخامسة عشرة في سوريا التي وللأسف أن غالبية محافظاتها لم تعد جزءاً منها وأنه قد تقاسمها الأتراك والإسرائيليون، وأنه حتى «الأشقاء» الأكراد قد أخذوا حصتهم منها تحت عنوان: دولة سوريا الديمقراطية، وحيث إن هذا اللواء الذي اختطفه الأتراك اختطافاً عسكرياً كان قد وصفه المؤرخ الكبير ستيفن لونفريج بأنه «الألزاس واللورين» السورية، والمعروف أن هذه المؤامرة كانت مؤامرة فرنسية في ذلك الوقت المبكر في عام 1939، حيث قد انسحبت فرنسا من هذا «اللواء» لتدخله قوات تركيا الغازية وتضمه إلى الجمهورية التركية تحت اسم «هاتاي» وكل هذا مع أن سكان هذا الجزء من «القُطر العربي السوري» كانوا بمعظمهم عرباً وبينهم السنة والعلويون والمسيحيون وبعض «الأرمن»، وكانت نسبة التركمان لا تتجاوز التسعة والثلاثين في المائة.
إن مساحة هذا اللواء، أي الإسكندرون، تشكل ضعف مساحة لبنان، ومع التقدير لهذا اللبنان ولشعبه اللبناني الشقيق، وأن المعروف على صعيد آخر أن روسيا كانت قد منعت سوريا «المهشمة» من شن عملية عسكرية لاستعادة منطقة إدلب الشرقية التي كانت قد نهبت نهباً من «القُطر العربي السوري»، وهذا كان قد تم بتفاهمات «تآمرية» بين «الرفيق سابقاً» فلاديمير بوتين وبين الرئيس رجب طيب إردوغان الذي كان ولا يزال يحلم باستعادة أمجاد «الإمبراطورية العثمانية» عندما كانت ولا تزال في ذروة تألقها.
وهنا وبما أن الشيء بالشيء يذكر فإن المعروف أن الرئيس إردوغان الذي لا يوجد أكثر منه في اعتبار أن لواء الإسكندرون هو «هاتاي» التركية، قد اعتبر أن شرق البحر الأبيض هو ولاية «عثمانية» وأنه قد تمدد أيضاً في اتجاه الغرب… واعتبر ولا يزال أن جزءاً من ليبيا، لا بل إنه يقول إن ليبيا كلها ولاية عثمانية… وحقيقةً أن هذه مسألة لا تزال عالقة وأن الادعاءات التركية هذه التي يتبناها «الإخوان المسلمون» هي التي تحول لا بل إنها تعوق إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في هذا البلد الذي كل ذرة تراب فيه عربية، وهو لن يكون إلا عربياً وكما كان دائماً وأبداً في كل حقب التاريخ البعيدة والقريبة.
والمؤكد هنا أن إلحاق لواء الإسكندرون «اغتصاباً» بتركيا في عام 1939 قد جعل سوريا مستهدفةً وعلى هذا النحو بعد انتقال الحكم والنظام وكل شيء من الوالد إلى الابن أي من الرئيس حافظ الأسد إلى ابنه بشار، وحيث إنه، أي الأسد الأب، من المعروف أنه كان قد قام بانقلابه العسكري في عام 1970 ضد كبار وأهم رفاقه البعثيين الذين كان من بينهم الرئيس نور الدين الأتاسي والجنرال صلاح جديد والديري، نسبة إلى دير الزور، محمد عيد عشاوي، وحيث إنه قد تم التحاق اثنين من كبار القادة البعثيين الأردنيين هما ضافي الجمعاني وحاكم الفايز بهؤلاء الذين كانوا قد أقاموا في سجن المزة لسنوات طويلة.
وعليه وعوداً على بدء، كما يقال، فإن المعروف أنه قد أصبح هناك عدد من الدول الطائفية والمذهبية وأيضاً ذات الأبعاد القومية غير العربية داخل الدولة السورية التاريخية وأن هضبة الجولان التي كانت تعتبر درة التاج السوري قبل وبعد حكم حزب البعث… في مراحله الثلاث؛ «المرحلة القومية» ومرحلة صلاح جديد ومرحلة حافظ الأسد التي كان قد أورثها إلى ابنه بشار، قد قامت إسرائيل بضمها إليها «وعلى عينك يا تاجر» كما يقال… ومن ضواحي دمشق وحتى بحيرة طبرية… والمشكلة في هذا المجال أن هناك صمتاً مريباً على اقتطاع دولة العدو الصهيوني لهذا الجزء الاستراتيجي من سوريا الذي هو يشكل في حقيقة الأمر مجالاً «استراتيجياً» بالنسبة للأردن… وهناك من يقول وللعراق وللأمة العربية كلها.
والمشكلة في هذا المجال وعلى هذا الصعيد أن داء التشرذم هذا الذي قد حل بسوريا: «القُطر العربي السوري»، وفقاً للمصطلحات البعثية، في عهد بشار الأسد الذي قد وصلت إليه مسؤولية الحكم بينما لم يكن يتوقعها قبل وفاة أو مقتل شقيقه باسل الأسد قد جعل هذا البلد وكما هو العراق أيضاً دولاً متعددة داخل الدولة السورية وجعل هناك أكثر من لواء «إسكندرون»… وإذ إن لـ«حزب الله» دولته وللإيرانيين دولتهم وللشيعة دولتهم إلى جانب الدولة التي يعتبرونها «علوية» وحقيقة أن هذه الأخيرة مسألة غير مؤكدة وربما تكون غير صحيحة.
وهكذا وفي النهاية فإنه وما دام أن هذا هو واقع الحال في سوريا فإنه ليس مستبعداً أن يصبح هناك في «القُطر العربي السوري» أكثر من لواء إسكندرون جديد الذي أعطي اسماً تركياً جديداً هو: «هاتاي» والذي قال ولا يزال يقول رجب طيب إردوغان إنه لم يُحتل من قبل الأتراك احتلالاً وإنه تم ضمه إلى «الوطن الأم» مما قد أضفى قوة على الوحدة والتكاتف الوطني التركي… وحيث إننا بتنا نسير نحو المستقبل بنفس الحزم والتصميم… وكما كنا في الماضي!!
صالح القلاب – كاتب ووزير أردني سابق – الشرق الأوسط
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة