الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يريان أن الجمود العسكري في سوريا يريحهما من تحمل أي مسؤوليات إنسانية تغنّيا بها في الماضي وتحميل العبء على الجانبين الروسي والإيراني اللذين انتصرا فوق كومة خراب.
نظام فاشل
تدخل سوريا يوماً بعد يوم مرحلة النسيان بعد أن وصلت إلى حالة لا تستقطب الصديق ولا تغري العدو بعكس ما يبديه نظام الأسد ومعارضوه تماماً، فالحقيقة تختلف عن أمنيات الطرفين.
يهيمن الجمود العسكري النسبي داخل الأراضي السورية والإهمال للعملية السياسية ضمن الإطار الدولي مما يؤشر على أن هذا البلد لا يحظى باهتمام أحد على الأقل في المدى المتوسط.
فروسيا وإيران من جهة، أقصى ما يمكنهما فعله هو ما تم عملياً على الصعيد العسكري وما يقابله من صفقات على ثروات سوريا ثمناً لإنقاذ نظام الأسد. وبشار الأسد لا يريد أكثر من ذلك منهما، فكلما قل تحرك هاتين الدولتين كلما شعر الرجل بالراحة من أيّ مفاجآت سياسية خارجية لا يرغبها.
الوهم الذي نشرته المعارضة عن السقوط السريع للنظام لا يختلف كثيرا عن الوهم الذي ينشره بشار عن الخروج من عنق الزجاجة
ومن جهة ثانية، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يريان أن الجمود العسكري في سوريا يريحهما من تحمل أيّ مسؤوليات إنسانية تغنّيا بها في الماضي، وبالمقابل تحميل كل العبء على الجانبين الروسي والإيراني اللذين انتصرا فوق كومة خراب يتزايد الفقر فيها بينما تتفسخ الدولة ويتفكك البلد. وما ورد في البيان الختامي لاجتماع زعماء دول الناتو الذي عقد في بروكسل يوم الاثنين على أن الأمن والاستقرار في سوريا لن يتحقق ما لم تجر عملية سياسية حقيقية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ما يعني استمرارا للجمود نتيجة الرفض الروسي والإصرار الغربي.
وكلما طال الجمود زاد التنافس الهادئ في صفوف حلفاء النظامين الإيراني والروسي على كعكة الأسد. فالطرف الإيراني بارع في تشكيل الميليشيات التي تتكاثر بشكل متزايد في سوريا مستغلا الفقر المتفاقم. وإيران بطبيعة الحال لا تدعم دولاً، بل ميليشيات انطلاقًا من أن تكلفة دعم الدول تستنزف الموارد المخصصة للمهام الخارجية.
دعم الدولة السورية لتقف على قدميها سيكلف كثيراً وسيعرقل قدرات إيران الخارجية في اليمن والعراق ولبنان وغيرها. لذلك تشكيل ميليشيات بالمال الإيراني في سوريا سيمكنها من البقاء في البلد لفترة طويلة حتى لو انهار النظام لأيّ سبب كان، لاسيما وأن تشكيل الميليشيات نابع من خبرات إيرانية متراكمة ويمكنها المساعدة في استنساخها في سوريا حتى في أوقات قد توصف بالسلم.
قد يتساءل البعض ولماذا هناك حاجة لمثل هذه الميليشيات في وقت لم تعد للحرب قيمة في ظل الجمود الحالي؟ الجواب بسيط، التشابه بين الوضع السوري واللبناني سيتزايد مع تآكل الدولة السورية، فكما لسلاح حزب الله في لبنان قيمة إيرانية، حتى بعد انتهاء أيّ عمل عسكري مع إسرائيل، وتحوّل هذا السلاح إلى أداة حارسة للنفوذ الإيراني في السياسة اللبنانية، سيكون الحال مشابها في سوريا.
وعود بشار ذهبت أدراج الرياح، فالتحسن المعيشي البسيط الذي قدمه خلال الانتخابات تبخّر بعدها، وكان مجرد رشوة لحث المؤيدين لانتخابه، رغم أنه باق حتى دون انتخابات
ميليشيات مسلحة عسكرياً وعقائدياً ولاؤها لإيران وليس للنظام السوري، سيكون لها دور يحدده الجانب الإيراني في الكيف والزمن الذي يناسبه.
بينما الطرف الروسي يحاول هيكلة الدولة السورية دون جدوى مصطدماً بمقاومة النظام لأيّ تطوير خشية أن تكون هذه الخطوة الأولى لتغيير داخلي لا يرغبه، وكذلك رفض إيراني للاستفراد الروسي بهذا البلد.
وهذا البطء في الحركة من روسيا وإيران داخل سوريا سواء أكان إيجابيا أم سلبيا سيدخل البلد مرحلة النسيان والترهل بينما يدفع المواطن السوري ثمن هذه التقاطعات الدولية من حلفاء النظام وأعدائه.
الجمود يخدم الدول الأوروبية لأنه يوقف موجات اللاجئين ويسحب هذا الأمر من يد تركيا التي لم تتوقف عن ابتزاز الأوروبيين بورقة اللاجئين. والجانب الأميركي يرى في هذه الحالة فرصة للاستنزاف الإيراني والروسي وتحويل سوريا إلى مستنقع يزداد عمقًا عسى أن يسمع صراخًا ممن غرق فيه.
لا أحد يرغب أو يستطيع التخلص من هذا الجمود، ولماذا على هذه الأطراف التحرك، كل طرف يرى في هذه الحالة مصلحة له وورطة للآخرين.
معادلة يخرج منها النظام والمعارضة جانباً، وتبقى سوريا وسط محيط من الأزمات يديرها لاعبون من الخارج لمكاسبهم الخاصة على حساب السوريين.
ولكن أين من يمثل السوريين؟
ألا يعي النظام أن بيده دولة يجب إنقاذها؟ فوضع سوريا نحو الأسوأ. ووعود بشار ذهبت أدراج الرياح، فالتحسن المعيشي البسيط الذي قدمه خلال الانتخابات تبخّر بعدها، وكان مجرد رشوة لحث المؤيدين لانتخابه، رغم أنه باق حتى دون انتخابات ولا حاجة إليها داخلياً، ولكنه أراد أن يظهر للعالم الخارجي أن هناك إقبالا شعبيا على هذه الانتخابات، وكأن الدول الكبرى جاهلة بسذاجة ألاعيب النظام.
وأين المعارضة السورية؟ لماذا لا نسمع صوتها ومقترحاتها للحل كما كانت تفعل عندما كاد الأسد يسقط لولا التدخل الروسي.
العجز في صفوف المعارضة هو المسيطر على المشهد العام، والجشع في صفوف النظام هو سيد الموقف الكئيب في سوريا الأسد.
يهيمن الجمود العسكري النسبي داخل الأراضي السورية والإهمال للعملية السياسية ضمن الإطار الدولي مما يؤشر على أن هذا البلد لا يحظى باهتمام أحد
الوهم الذي نشرته المعارضة عن السقوط السريع للنظام لا يختلف كثيرا عن الوهم الذي ينشره بشار عن الخروج من عنق الزجاجة. فقانون قيصر نسف خطط النظام، والتعنت الروسي فعل نفس الشيء لخطط المعارضة.
غياب الوعي عند النظام السوري لحاجة إنقاذ سوريا أكثر من إنقاذ عائلة الأسد وربط مصير البلد بمصير رجل واحد سيقود نحو استمرار تسليم سوريا للصديق والعدو، وكذلك المعارضة التي خسرت أغلب الوطنيين فيها وبقي في المشهد إما إسلامي متشدد أو سياسي بسيط ولاؤه لتركيا أو ما شابه.
أهلا بكم في سوريا المركونة على الرف!
غسان إبراهيم – إعلامي سوري – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة