دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – سوريا.. أفضل الحلول هو اللاحل

السوريون كشعب داخل وخارج الدولة هم فقط المتضررون من اللاحل أما النظام والمعارضة ومن خلفهما الدول المعنية بالأزمة يبقى هذا الخيار بالنسبة إليها هو الخيار المثالي إلى أجل غير مسمى.
تفشل اللجنة الدستورية السورية في عملها للجولة الخامسة على التوالي. يستجير المبعوث الأممي الخاص جير بيدرسون بمجلس الأمن فيخذله. لا أحد يريد أن يتقدم قيد أنملة في هذه الأزمة الممتدة على عقد بأكمله، والنتيجة التي تعلن عن نفسها اليوم دون تجميل أو تضليل، هي أن أفضل حلول للأزمة بالنسبة إلى الأطراف المعنية هو اللاحل.
“لا يمكن أن يستمر الوضع على هذا النحو” هذا ما قاله بيدرسون أمام مجلس الأمن، ولكن ما هي خياراته لتغيير الواقع الراهن، وهل هناك إرادة دولية لتغييره حقا؟ ثمة شيء واحد قد يحصل، وحدث سابقا، وهو استقالة المبعوث الأممي، وتعيين آخر مكانه. سوى ذلك لا يبدو أن أحدا مهتمّ بوضع الأزمة على سكة الحل بأي شكل كان.
الولايات المتحدة تتمسك فقط بمحاربة داعش في سوريا، لا يعنيها أيّ أمر آخر. حتى حقول النفط التي كانت تحميها لصالح حلفائها الكرد وشركاتها النفطية شرق الفرات، لم تعد ذات أهمية بالنسبة إليها. لا أحد ينكر الخطر القائم للدواعش في الدولة المتداعية، ولكن واشنطن تنكر العلاقة الوثيقة بين هذا الخطر واستمرار الأزمة في البلاد.
إدارة الرئيس جو بايدن “تكره” بشار الأسد ولكنها لا تخطط لرحيله، ولا تخطط أيضا لآلية تجبر حلفاءه على الرحيل أو على دفع عملية الانتقال السياسي في البلاد. هي ذاتها لا تستعجل هذه العملية. تكفيها العقوبات المفروضة على النظام، ولديها ما يشغلها أكثر من الملف السوري سواء في الشرق الأوسط أو حول العالم عموما.
ولأن الأزمة تتأخر على قائمة الأولويات الأميركية في المنطقة، تتمتع الأطراف الدولية والمحلية المعنية برفاهية المماطلة والتهرب في تنفيذ التزاماتها لتطبيق قرار مجلس الأمن 2245، ومع مرور الأشهر والسنوات تتبلور أكثر فأكثر نظرية (الواقع المعلق) كوصفة مثالية لإدارة الحالة السورية الممتدة على عقد كامل حتى اليوم.
المبعوث الخاص إلى سوريا يقول إن نجاح المحادثات السياسية يقتضي بالضرورة تغلب الأطراف المعنية على “انعدام الثقة بينها” و”الإرادة في تقديم التنازلات”. ولكن الحقيقة هو أن ما تحتاجه هذه الأطراف هو الرغبة في إنجاح المحادثات. فمن هنا تبدأ الثقة، ويبدأ تقديم التنازلات، ومن دون ذلك ستبقى مدينة جنيف مقصدا سياحيا للمتحدثين، يمضون إليها كلما استدعت الحاجة إلى التصريحات الإعلامية حول الأزمة السورية.
اللاحل هو ما بات يتمسك به الجميع اليوم. فهو يضمن مصالح كل الأطراف بأفضل شكل ممكن في ظل كل هذا التعقيد الذي يلف المشهد. السوريون كشعب داخل وخارج الدولة هم فقط المتضررون من اللاحل، أما النظام والمعارضة ومن خلفهما الدول المعنية بالأزمة، يبقى هذا الخيار بالنسبة إليها هو الخيار المثالي إلى أجل غير مسمى.
بالنسبة إلى نظام بشار الأسد تبقيه الأزمة المعلقة على قيد الحياة، وتسمح له بإجراء انتخابات وإصدار قوانين ومواصلة سرقة الدولة والتحكم بمقدراتها. أما هيئات المعارضة فهي تجني الأموال وتتمتع بسياحة المؤتمرات، كما أن بعضها يمارس السلطة والقيادة في مناطق نفوذه التي ترعاها وتحميها دولة من الدول الكثيرة المعنية بالأزمة.
بين الأطراف الخارجية، وقد باتت جميعها بمثابة دول احتلال مباشر لسوريا، لا يوجد أيضا من يستعجل حل الأزمة هناك. اللاحل هو الأفضل بالنسبة إليها للحفاظ على مكتسباتها المتراكمة في الدولة المتداعية خلال السنوات العشر الماضية من جهة، ومن أجل تنفيذ استراتيجيات طويلة الأجل لها في المنطقة ككل من جهة ثانية.
الروس يفضلون اللاحل على أي خيار يمكن أن يحجم نفوذهم على سواحل البحر المتوسط. لقد عملوا جاهدين من أجل هذا على مدار ست سنوات، وباتت سوريا بوابتهم لكامل الشرق الأوسط والمنطقة العربية. بالتالي أي حل يقترح استعادة الدولة السورية لسيادتها وخروج القوات الأجنبية منها، لن يكون موضع ترحيب من قبل موسكو.
الإيرانيون أيضا لديهم التحفظ ذاته على الحلول التي تطردهم من سوريا. خلال السنوات العشر الماضية تغلغلوا بقواتهم وميليشياتهم وأموالهم وعصاباتهم هناك لتحويل دمشق إلى ولاية خمينية، تصِل طهران مع بيروت مرورا ببغداد. فيكتمل الهلال الشيعي الذي يقدم نفسه كمحور “مقاومة ضد الصهيونية والإمبريالية الأميركية”.
ليس من المبالغة في شيء القول إن إيران هي الأكثر تضررا من حل الأزمة السورية، ولأنها كذلك تحرص أكثر من غيرها على اللاحل كخيار مفضل للأزمة. لن يكون هناك أفضل من هيمنتها على دولة متداعية مثل سوريا، لتكون حديقة خلفية تمارس فيها نزواتها العدائية، وتوسع تدخلاتها في شؤون الدول العربية المجاورة.
“العثمانيون الجدد” أيضا يريدون حصتهم من الكعكة السورية في الهيمنة والنفوذ والتمدد والمكاسب الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط. خيار اللاحل يضمن لهم أكبر قطعة ممكنة لأنه يتيح لهم تحويل المناطق التي يحتلونها الآن إلى ولايات تركية. وبالتالي أي حل يضمن استقلال سوريا ووحدتها سيذهب بأحلامهم أدراج الرياح.
ولاشك أن تجاور إسرائيل مع نصف دولة تستبيح سماءها وأرضها متى تشاء وكيفما تشاء، هو خيار جيد لتل أبيب. كما أن اللاحل للأزمة السورية يبعث المزيد من الطمأنينة في نفس تل أبيب بوجود القوات الأميركية والروسية للمساندة والحماية عندما تستدعي الحاجة، على الأقل بتوفير الدعم الاستخباراتي وخدمات الأقمار الصناعية.
نصف الدولة عموما لن تطالب بأجزائها المحتلة من قبل أحد، وخاصة عندما يكون على رأس السلطة فيها رئيس مثل بشار الأسد، لا يمانع في وهب البلاد لمن يضمن له فقط البقاء على كرسي الحكم. مثل هذا “الرئيس” يتمسك باللاحل لأزمة بلاده بقدر ما يستطيع إن كان ذلك هو خياره اليتيم ليبقى رئيسا، حتى من دون شعب أو أرض.
في نهاية المطاف مرّ على سوريا خلال السنوات العشر الماضية أربعة مبعوثين أمميين حاولوا حل أزمتها واصطدموا بحقيقة أن الأطراف الدولية والمحلية المعنية لا تستعجل الأمر. وعندما يدعو بيدرسون اليوم مجلس الأمن إلى المزيد من التعاون في إنجاح مهمته، فإنه حتما لا يقصد جميع أعضائه، وإنما يناشد تلك الدول التي تمتلك مفاتيح الحل وتخفيها، لأنها متفقة على أن اللاحل هو الخيار الأفضل للأزمة حتى الآن.

بهاء العوام – صحافي سوري – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة