اللاجئون السوريون في لبنان هم في نظر المواطنين اللبنانيين منافسون على الفرص في سوق العمل وفي نظر الحكومة اللبنانية ورقة للمزيد من ابتزاز المجتمع الدولي للحصول على المساعدات.
ورقة ضغط وابتزاز
كلما واجهت المعضلات السياسية في لبنان جدراناً جديدة للاصطدام بها، لجأ بعض السياسيين اللبنانيين إلى التلويح بورقة اللاجئين السوريين في هذا البلد الذي صدّر لسوريا من قبل أضعاف أعداد المواطنين السوريين الذين فروا من بطش نظام الأسد وعمليات التمشيط الطائفية والتهجير الطائفي التي قام بها حليفه حزب الله انطلاقاً من المناطق المتاخمة للحدود السورية اللبنانية قبل أن ينتشر في عموم سوريا مشاركاً بشكل مباشر في النشاط الإيراني المبرمج للتغيير الديمغرافي.
قبل أيام فجّر الشيخ صبحي الطفيلي الأمين العام الأسبق لحزب الله اللبناني والذي تحوّل إلى معارض شرس لسياسات حسن نصرالله وإيران في المنطقة، قنبلة جديدة، حين تساءل: من الذين حاربناهم في لبنان؟ لم نحارب داعش بل حاربنا السنّة، حاربنا المدنيين السوريين.
ويمكن لمن يقرأ بتمعّن في تصريحات الطفيلي أن يجد رؤية واضحة تصف مسار حزب الله ومعه حركة أمل الشيعية بزعامة رئيس مجلس النواب نبيه بري، انطلاقاً من الفساد الداخلي الذي حمّلهما مسؤوليته ومسؤولية الوقوف خلف تفجير مرفأ بيروت، ووصولاً إلى التسبب المباشر في أزمة اللاجئين السوريين في لبنان الذين لولا تدخل ميليشيات حزب الله لكانوا الآن في ديارهم.
يعاني لبنان من موجة جوع، لا علاقة للسوريين بها، فلبنان يتسلّم من الأمم المتحدة وغيرها مبالغ طائلة لمساعدته على تحمّل تكاليف اللاجئين، ولا يدفع منها إلا القليل لهم، بعد أن تكون قد دخلت في عجلات الفساد الحكومي اللبناني. والجوع في لبنان مسألة ذاتية محليّة التصنيع نجمت عن فوضى الإدارة والمحاصصة وانعدام وجود الكفاءات في أماكنها المناسبة لصالح التقاسم الطائفي لأركان الدولة ومؤسساتها، علاوة على مشكلة البنوك التي تبتلع الأرصدة وتتسبب بهدر الأموال.
إذ لم تمض فترة طويلة على الفضيحة التي أثارتها وثيقة مسرّبة من وثائق الأمم المتحدة قالت إنه بحلول يوليو من العام 2020 ضاعت نسبة فظيعة تبلغ 50 في المئة من المساعدات من خلال تحويل العملات. وكان تحقيق لمؤسسة “تومسون رويترز” قد كشف أن 250 مليون دولار على الأقل من المساعدات الإنسانية التي تقدّمها الأمم المتحدة للاجئين والمجتمعات الفقيرة في لبنان ضاعت لصالح البنوك. وذكر مسؤولو المساعدات أنه خلال عام 2020 والأشهر الـ4 الأولى من عام 2021 استبدلت البنوك اللبنانية الدولارات لوكالات الأمم المتحدة بمعدّلات أقل بنسبة 40 في المئة في المتوسط عن سعر السوق، لتصبح خسائر برنامج مساعدات الأمم المتحدة للعام 2020 قرابة 400 مليون دولار، كانت ستوظف للتمويل الشهري للغذاء والتعليم والنقل والتدفئة لقرابة مليون ونصف مليون لاجئ سوري حسب تقديرات رسمية، أي ما يناهز ثلث سكان البلاد.
مشهد اللجوء السوري في لبنان لا ينفصل عن عبثية المخطط الإيراني في المنطقة العربية ككل، والذي لا يجد له أسساً حقيقية للاستمرار والنجاح
في الوقت ذاته يعاني لبنان من موجة بطالة مزمنة بسبب ارتفاع أجور اليد العاملة اللبنانية وعدم تكافؤ الفرص، فيما يشكّل السوريون في لبنان بديلاً مناسباً لسوق العمل بانخفاض أجورهم وتعدد مهاراتهم المهنية، وهي صورة موازية لأوضاعهم في تركيا، ويقف عجز الدولة عن خدمة مواطنيها الأصليين وتوفير أجور مناسبة لهم، مأزقاً لها، فلا يجد الطرفان؛ الحكومة والمواطنون، سوى اللاجئين ليصبّوا جام غضبهم عليهم، فهم في نظر المواطنين منافسون على الفرص في سوق العمل، وفي نظر الحكومة ورقة للمزيد من ابتزاز المجتمع الدولي للحصول على المساعدات.
وتأتي تصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الأخيرة التي هدّد فيها بإعادة اللاجئين السوريين “إذا لم يتعاون المجتمع الدولي مع بلاده في تأمين عودتهم إلى سوريا”، لتصبّ الزيت على النار.
قال ميقاتي خلال إطلاق “خطة لبنان للاستجابة للأزمة لعام 2022 – 2023” إنه “بعد 11 عاما على بدء الأزمة السورية، لم تعد لدى لبنان القدرة على تحمل كل هذا العبء، لاسيما في ظل الظروف الحالية“، وأضاف “أدعو المجتمع الدولي إلى التعاون مع لبنان لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، وإلا فسيكون للبنان موقف ليس مستحبّا على دول الغرب، وهو العمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم”.
ولكن ميقاتي لم يكشف عن الكيفية التي يمكن له أن يخرج فيها اللاجئين السوريين من لبنان بالقوة، وهذا الإجراء يتضارب كلياً مع مخطط حزب الله ومن خلفه إيران للتغيير الديمغرافي في سوريا، وهكذا سيجد السوريون الذين أخرجتهم ميليشيات حزب الله من بلادهم أن ضمانتهم الوحيدة للبقاء في هذا البلد، رغم الظروف الصعبة التي يعيشون فيها، هو حزب الله ذاته، ناهيك عن تضرّر الأسد شخصياً من إعادة من قام بإبعادهم للتخلص من عبئهم، من مناطق أعلنت معارضتها له.
مشهد اللجوء السوري في لبنان لا ينفصل عن عبثية المخطط الإيراني في المنطقة العربية ككل، والذي لا يجد له أسساً حقيقية للاستمرار والنجاح، فالتغيير الديمغرافي في سوريا قد يحقق لإيران أغراضها بالتخفيف عن الأسد، لكنه سيحدث تغييراً كبيراً في لبنان كما يجري الآن، ما يجعل من حزب الله محاصراً من جديد بضغط سكاني لن يبقى طيلة الوقت في صورة من يتلقى الضربات، وسرعان ما سينشأ صدام حتمي مع هؤلاء المدنيين العزل، وقد تتكرّر مشاهد صبرا وشاتيلا وتل الزعتر مجدداً بعد عقود، وحينها ترتطم رأسياً مصالح حزب الله والشيعة في لبنان مع المشروع الإيراني الأكبر، ولن يجد نصرالله من يمدّ له يد الولي الفقيه من طهران لإطفاء الحريق.
إبراهيم الجبين – كاتب سوري – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة