حرق آلاف الإيرانيات لحجابهن احتجاجا على موت مهسا أميني تحت تعذيب “شرطة الأخلاق” هو كسر لهيبة الإسلام السياسي وسطوته وجبروته ليس على صعيد إيران فحسب بل على صعيد المنطقة.
انتفاضة تفتح صفحة جديدة على عمر الإسلام السياسي في إيران
سواء أكان الحجاب جزءا من الشريعة الإسلامية أم غريبا عنها، أو سواء أكان الحجاب مقتصراً فقط على نساء النبي، المعزز بآيات قرآنية وأحاديث نبوية، أم أنه أحد أركان الشريعة ويطبق على النساء جميعهن، وبغض النظر عن المكان والزمان، فإن الحجاب الإسلامي، اليوم، هو جزء من هوية الإسلام السياسي.
إن استعباد المرأة ومعاملتها بشكل دوني، والنظر إليها كونها تمثل سلعة جنسية يجب الحفاظ على نضارتها ونقائها، هو الحلقة المركزية في المنظومة السياسية والاجتماعية للإسلام السياسي.
وتختلف درجة معاملة المرأة بشكل دوني من جماعة إسلامية إلى أخرى حسب التبعية لفقه معين، وحسب توازن القوى في المجتمع. فالمرأة في منظومة طالبان وداعش أقل حظا مما هي عليها في منظومة ولاية الفقيه أو المجموعات الإسلامية الشيعية، لكن الجميع يجمعون على أن المرأة هي سلعة جنسية وتثير غرائز الرجل ويجب تغليفها بالحجاب أو النقاب أو البرقع أو العباءة لمنع الشرور في المجتمع.
وعليه فإن أيّ جماعة إسلامية، بمجرد أن تسنح لها الفرصة، وبغض النظر عن نوع هذه الفرصة سواء فرضت سلطتها أو أتيحت لها بالتحدث علنا من على منابر الجوامع والمساجد والفضائيات مدفوعة الأجر، فإن أول شيء تروّج له هو التهجم على النساء، وإلقاء اللوم، بأنَّ سبب مصائب المجتمع من الفقر والعوز والجريمة المنظمة والتحرش الجنسي والاغتصاب، يعود إلى عدم فرض الحجاب على النساء وعدم التزامهن بقواعد الشريعة الإسلامية.
انتفاضة نساء إيران سواء انتصرت في إسقاط الجمهورية الإسلامية في إيران أو لم تنتصر، فإن الدرس البليغ الذي يجب التعلم منه هو الجسارة الثورية للمرأة في إيران بتحدي كل منظومة الإرهاب والقمع
هذه الضحالة الفكرية والسياسية والاجتماعية هي محتوى هوية الإسلام السياسي، فتخيل دون هذه الضحالة ماذا يبقى لديه للتحدث إلى المجتمع؟ ما يحدث اليوم في إيران من تنظيم تجمعات للاحتفاء بعمليات حرق الآلاف من النساء لحجابهن، احتجاجا على موت مهسا أميني تحت تعذيب “شرطة الأخلاق” بسبب مخالفتها لقواعد الحجاب، هو تحد سافر للجمهورية الإسلامية بكل جلاوزتها وأجهزتها القمعية وأعرافها وفقهها وكل منظومتها الأخلاقية المهترئة، ويعني أن نساء إيران بعد خمسة عقود من سلطة الإسلام السياسي يتجاسرن على تمزيق هوية الجمهورية الإسلامية، أو هوية الإسلام السياسي، ويعني أيضا كسر هيبة الإسلام السياسي وسطوته وجبروته ليس على صعيد إيران فحسب بل على صعيد المنطقة التي ابتليت بالإسلام السياسي.
إن تنظيم مراسيم ارتداء الحجاب للآلاف من الإناث اللواتي بلغن سن ما يسمى بـ”التكليف الشرعي” من قبل الجماعات الإسلامية، كما حدث قبل أشهر في محافظتي دهوك وحلبجة في كردستان العراق لأكثر من 5 آلاف طفلة بلغْن من العمر 9 سنوات، مستغلين أوضاع أسرهم الاقتصادية بتقديم المساعدات المادية لهم، يبين بشكل واضح على رمزية الحجاب وقداسته بالنسبة إلى هذه الجماعات.بعبارة أخرى إن ارتداء الحجاب من عدمه ليس مرتبطا بالحرية الشخصية، كما يحاول عدد ممن يصفون أنفسهم بالليبراليين والديمقراطيين التنظير له وهم لا يرون أكثر من وقع أقدامهم. فالحجاب بات عنوانا بارزا لفرض سطوة الإسلام السياسي على المجتمع، وإن هذه المسألة مرتبطة بالتعامل الدوني مع المرأة، ويدلل بشكل واضح على أن الإسلام السياسي ليس أكثر من منظومة ذكورية تلبّي رغبات الرجل في العالم الرأسمالي ولكن بشكله المنحط.
إن انتفاضة نساء إيران سواء انتصرت في إسقاط الجمهورية الإسلامية في إيران أو لم تنتصر، فإن الدرس البليغ الذي يجب التعلم منه هو الجسارة الثورية للمرأة في إيران بتحدي كل منظومة الإرهاب والقمع، وأنها تتقدم النضال لتهدم بالمعاول صرح كل الترهات التي أرسيت خلال خمسة عقود من الزمن والقائلة إن المجتمع الإيراني هو مجتمع إسلامي، وعلى وقع تلك الجسارة سيدفع الملالي ومنظومتهم السياسية ثمن اختطافهم للثورة الإيرانية.
وفي نفس الوقت تفتح الانتفاضة صفحة جديدة على عمر الإسلام السياسي في إيران والمنطقة، بأنَّه آفل لا محالة، وأنَّه قد آن الأوان لشد الرحال والعودة إلى كهوف العصر الحجري.
سمير عادل – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة