في القصة التي يرويها عمر بن أسامة بن لادن في مذكراته يكشف جانباً من شخصية الظواهري البغيضة. فقد أمر بتصفية مراهق بعد أحاديث كيدية عن ممارساته الجنسية. لم تنفع محاولات الاستعطاف، وقرر الظواهري حتى يعطي درساً مرعباً للمراهقين الآخرين أن يطلق الرصاص على رأس الصغير المسكين.
هذه المحاكمة المثيرة للاشمئزاز التي جرت في السودان، الملجأ الذي سبق أفغانستان، لا تكشف فقط عن الوحشية التي عُرفت عن التنظيم، ولكن عن أسلوب إدارة الظواهري. فعلى الرغم أن الجميع كانوا إرهابيين، فإن قيادة الظواهري للتنظيم بعد مقتل قائده أسامة بن لادن خلقت انقسامات وتصدعات غير قابلة للإصلاح.
وفي حديث لي مع مؤلف كتاب «البروج المشيدة» لورانس رايت، قال إن مقتل بن لادن كان حدثاً مهماً، حيث أضعف الرابط الآيديولوجي بين عناصر التنظيم، وكانت شخصية خليفته الظواهري الاستقطابية العدائية غير صالحة للقيادة؛ خصوصاً أن التنظيم تعرض وقتها للملاحقة، وكان بحاجة لقيادة تلم شتاته وترمم صورته وترتب صفوفه. كان الظواهري الزعيم بلا كاريزما، الرجل الخطأ في الزمان الخطأ.
ربما من حسن الحظ أن الظواهري هو من خلف بن لادن في إدارة التنظيم الإرهابي؛ حيث تسبب بإضعافه وتحطيم مكانته؛ خصوصاً مع بزوغ جماعات أخرى منافسة مثل «داعش». وتقول الباحثة هدى الصالح، مقدمة بودكاست «جماعات»، في ملاحظة لافتة، إن «مقتل أيمن الظواهري زعيم (القاعدة) لا قيمة ولا تأثير له على تنظيم (القاعدة)، فشخصية الظواهري لم تكن محط إعجاب من دائرة القيادات في الصف الأول، ولم تكن إصداراته تأخذ صدى وحيزاً في صفوف (القاعدة). ربما قتله يفتح الباب لقيادة جديدة ذات كاريزما».
خروج الظواهري سيفتح الباب على أسماء أخرى، ربما أكثر جاذبية، ولكن تنظيم (القاعدة) يعتاش في حقيقة الأمر على المخزون الفكري المتطرف السام الذي يمده بالعناصر الجديدة والدعم المادي. قبل أحداث 11 سبتمبر (أيلول) كانت الثقافة المتطرفة سائدة، ولا تتعرض للنقد ولا المساءلة، لهذا حظي التنظيم بالشريان الذي يمده بالحياة، حتى بعد هذا التاريخ مرّ العالم بأسوأ أحداث إرهابية، وصلت إلى أن يقوم أحد الإرهابيين، المشحون رأسه بالأفكار المتطرفة وقلبه بالكراهية، ويستقل شاحنة، بدهس المارة، وبينهم الأطفال في الشوارع، وكأنهم حشرات لاعتقاده الديني العميق أنه يرسلهم للجحيم، ويحجز له مكاناً مضموناً في الجنة. أفكار مجنونة وخطيرة، ولكنها منتشرة علنية وغير مجرمة.
الخلاص من هذه التنظيمات لن يحدث فقط بقتل قياداتها، على الرغم من أهميته، وهذا الدور المهم الذي تلعبه الولايات المتحدة في قيادتها للعالم. أسوأ 4 إرهابيين في العقود الأخيرة، أسامة بن لادن والبغدادي وسليماني، ومؤخراً الظواهري، قتلوا بضربات أميركية، وليست أوروبية أو صينية أو روسية. ولكن مع موت زعيم يخرج زعيم آخر، ولهذا فإن القضاء على فكر الجماعات المتطرفة مثل جماعة «الإخوان المسلمين» المروّج الأكبر لثقافة الكراهية والاضطهاد والمظلومية (الظواهري نشأ في بداياته في كنف «الإخوان») هو في الواقع الذي سيمنع خروج زعامات جديدة ترتكب فظائع قبل أن تصفى لاحقاً.
ومع أن هذه هي النقطة المحورية في عملية الحرب على الإرهاب الطويلة كلها، فإن مروجي الكراهية انتقلوا للعيش في العواصم الأوروبية والمدن الأميركية، في الوقت الذي يختفي حضورهم وتأثيرهم في الدول العربية المعتدلة التي ضيّقت الخناق عليهم شيئاً فشيئاً. كم هو خبر سعيد أن يُقتل الظواهري صاحب السجل الإجرامي الطويل، وستكون لحظة عادلة متأخرة لذلك المراهق المظلوم، لكنه لن يكون آخر الإرهابيين، إذا ظل من يرددون أفكاراً مشابهة لأفكاره، ويحملون ثقافة ليست غريبة عن ثقافته ليسوا بعيدين، ويا للمفارقة، عن البيت الأبيض المكان الذي ألقى فيه الرئيس بايدن خطاب النصر.
ممدوح المهيني – المدير العام لقناتي العربية والحدث – الشرق الأوسط
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة