بعد 17 عاماً من المطاردة، تمّ الإعلان فجر يوم الاثنين الماضي عن وفاة نائب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، الذي تم إعدامه في 30 ديسمبر (كانون الأول) عام 2006، عزت إبراهيم الدوري، حيث يقول البعض إنه توفي بإقليم كردستان العراقي الذي كان أمضى فترة اختفائه هذه فيه لدى الطائفة الإسلامية «النقشبندية» نسبة إلى «أبي العباس النقشبندي»، ويقول البعض الآخر، وهذا غير وارد على الإطلاق، إنه ربما توفي في السودان، حيث إن تنظيم حزب البعث «السوداني»، الذي يبدو أنه لا يزال متماسكاً حتى الآن، هو الذي أعلن وفاته، وأعلن أنه يتقبل التعازي في هذه الوفاة.
وبالطبع، رغم أنّ «بقايا» البعثيين، في العراق وفي الأردن وفي لبنان وفي السودان وبعض الدول العربية الأخرى، يقولون إن حزب البعث العربي «الاشتراكي» بخير، وإنه سينهض من هذه الكبوة كما نهض من كبوات كثيرة منذ تأسيسه في دمشق في 7 أبريل (نيسان) 1947 حتى الآن، والمعروف أنّ المؤسسين الأوائل لهذا الحزب الذي حكم في العراق وسوريا وكان يشكل قوة رئيسية في بعض الدول العربية، هم ميشيل عفلق وصلاح البيطار و«اللوائي» نسبة إلى لواء الإسكندرون، زكي الأرسوزي، ومعهم بعض العراقيين، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحزب الاشتراكي الذي كان أسسه أكرم الحوراني قد اندمج بهذا الحزب منذ البدايات، أي في 1949، وأنه خرج في فترة متأخرة ليكون له مساره الخاص وتحالفاته السياسية الخاصة في المعارضة السورية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ فرع «حزب البعث» في العراق جاء بعد تأسيس النواة البعثية الأولى بدمشق، لكنه كان الأسبق بتنفيذ الانقلاب العسكري البعثي الأول في 8 فبراير (شباط) 1963، وحيث إنه بعد انتكاسة تجربته الأولى قد قام بانقلابه الثاني في 17 يوليو (تموز) عام 1968 وكان من رجالاته ورموزه الأوائل عبد الخالق السامرائي وأحمد حسن البكر وبالطبع صدام حسين وسعدون شاكر وعلي صالح السعدي وطالب شبيب وحازم جواد وغيرهم، والمؤكد أن بعث العراق مع أنه لم يشارك في الاجتماع والمؤتمر التأسيسي الأول في 7 أبريل 1947 كحزب، وأنه قد فشل بانقلابه الأول الآنف الذكر، إلا أنه ما لبث أن أصبح القوة الرئيسية التي استقطبت البعثيين بالعالم العربي كله، وبخاصة بعدما تعرّض «البعث السوري» لتصدعات داخلية كانت تجسّدت بسلسلة انقلابات عسكرية داخلية، أشهرها بل أسوأها، حسب البعثيين، انقلاب 23 فبراير عام 1966، الذي أطلق عليه أصحابه اسم «الحركة التصحيحية»!!
كان أحد شروط الرئيس جمال عبد الناصر على البعثيين للقبول بالوحدة المصرية – السورية (الجمهورية العربية المتحدة)، التي كانت قد أبرمت في 22 فبراير عام 1958، أن يحل حزب البعث نفسه في سوريا، وهكذا فقد أقدم على هذه الخطوة مرغماً نظراً للضغوط الوحدوية التي مارسها الشعب السوري وتياراته القومية عليه، ما أدى إلى أنّ كبار الضباط البعثيين بالجيش السوري قد شكلوا لجنة عسكرية سرية من كل من محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد وعبد الكريم الجندي وأحمد المير، وأن هذه اللجنة هي التي قامت بانقلاب 8 مارس (آذار) عام 1963 على النظام الانفصالي بقيادة عبد الكريم النحلاوي، والمعروف أن صراعات هذه اللجنة بعد الانقلاب البعثي الآنف الذكر هي ما أوصلت «القطر العربي السوري» إلى كل هذه الأوضاع المأساوية.
بعد انقلاب، أو ثورة 8 مارس 1963 مباشرة ما لبث أن احتدم الصراع داخل حزب البعث نفسه بين «اليمينيين» و«اليساريين»، أي بين من كانوا يسمون جماعة أمين الحافظ، ومن يسمون جماعة صلاح جديد، وهكذا فقد قام اليساريون بانقلاب فبراير عام 1968 على اليمينيين الذين كان من رموزهم كل من مؤسسي حزب البعث، ميشيل عفلق وصلاح البيطار وزكي الأرسوزي… وأيضاً منيف الرزاز من الأردن وبعض العرب الآخرين، ومن بينهم بعض اللبنانيين، ما جعل «بعث العراق» ينحاز إلى «القيادة القومية» المطاح بها، فأصبح هناك البعث العراقي والبعث السوري اللذان أصبحت المواجهات والحروب بينهما كـ«حرب داحس والغبراء» المعروفة في التاريخ العربي الجاهلي!!
ثم حصل في العراق كما حصل بسوريا حيث أطاح حافظ الأسد بانقلابه المعروف عام 1970 برفاقه «اليساريين»!! وعلى رأسهم صلاح جديد، ومعه عدد من السوريين مثل يوسف زعين ومحمد عيد عشاوي ونور الدين الأتاسي، ومعه عدد من العرب من أعضاء القيادة القومية، مثل ضافي الجمعاني وحاكم الفايز وبعض اللبنانيين والعراقيين، ما عزز القناعة لدى البعثيين وأيضاً لدى الشعب السوري، إنْ لم يكن كله، فمعظمه، بأن حزب البعث العربي الاشتراكي (السوري) قد انتهى، وأن سوريا التي تلاحقت فيها الانقلابات العسكرية منذ أول انقلاب عام 1949 حتى انقلاب حافظ الأسد الآنف الذكر قد انتهى إلى كل هذه التمزقات والمآسي التي لا تزال تعيشها حتى الآن، وبخاصة بعد رحيل الأسد الكبير ومجيء الأسد الصغير الذي بات نظامه الفعلي يقتصر على العاصمة دمشق وعلى بقع متناثرة من «القطر العربي السوري».
إنّ هذا هو ما أصاب سوريا، التي أصبحت ممزقة «شرّ ممزّق»، وأصبحت تركيا رجب طيب إردوغان تسيطر على أجزاء كبيرة منها، بينما أصبح الإيرانيون يحتلون دمشق بحجة حماية «مرقد السيدة زينب»، وأصبح الروس عملياً هم الذين يديرون هذا النظام، وأصبحت مياه البحر الأبيض المتوسط السورية مياههم، حتى أصبح طباخ فلاديمير بوتين هو الآمر الناهي في عاصمة الأمويين، وأصبح معظم السوريين من «السنة» إما تحت تراب المقابر الواسعة الجديدة أو في بلدان الشتات وعلى الطرقات الشائكة المؤدية إلى الغرب الأوروبي، وفعلياً إلى كل مكان!!
أما بالنسبة لبغداد هارون الرشيد، وبغداد العباسيين الذين تآمر عليهم الوزير ابن العلقمي مع هولاكو المغولي، وقضى على «خلافتهم» العباسية، فقد أصبح «العلاقمة» الجدد من أتباع دولة «الولي الفقيه» يسيطرون عليها وعلى العراق العظيم كله، وأصبح أبناء الشعب العراقي مشردين في دنيا الله الواسعة، وأصبحت «القطعان» الطائفية تذبح وتقتل كما تشاء، وأصبحت وحدات جيش «العثمانية الجديدة» تسيطر على بعض أجزاء إقليم كردستان (العراقي)، وبالطول والعرض، وأصبح هذا البلد العربي مستباحاً من قبل كل من هب ودب!!
فهل نواصل يا ترى هذا الحدث المغمس بالأوجاع ونفتح صفحة كل هذا الذي يحدث في ليبيا (الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى)، وأيضاً هذا الذي باتت تعاني منه تونس الخضراء، والذي يعاني منه اليمن، وأيضاً ولماذا بات «إخواننا» الأحباش (الإثيوبيون) الذين لهم في قلوب العرب والمسلمين الأوائل ألف تحية واحترام يحاولون قطع مياه النيل عن إخوانهم السودانيين، وإخوتهم المصريين، إنه لا شك أن هناك جهات تحاول التلاعب بأمن الشعب المصري والشعب السوداني… وأن هناك من العرب «العاربة» من يموّل كل هذا التلاعب بالأمن العربي وبأمن هذين القطرين العربيين الشقيقين!!
وأيضاً فماذا نقول بعد؟ هل يعجب أبناء هذه الأمة، التي كانت ذات يوم «أمة واحدة ذات رسالة خالدة» كما يقول حزب البعث، كل هذا الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني المشرد داخل وطنه والمشتت في دنيا الله الواسعة؟ ماذا نقول عن كل هذا الذي تفعله «حماس» الإخوانية بمصير الفلسطينيين… الذي أصبح يتلاعب فيه الإيرانيون والأتراك و«الإخوان المسلمون» الذين يصفهم بعض المتضررين منهم بأنهم «لا إخوان ولا مسلمين»… والعياذ بالله؟!
صالح القلاب – كاتب اردني وزير سابق
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة