مكسب باكستاني قد لا يطول
تُعد سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان مكسبا استراتيجيا لباكستان، لكن إذا لم تُحسن باكستان تقييم الواقع الجيوسياسي الجديد فقد تواجه انتكاسة شديدة ذات عواقب وخيمة على استقرارها الداخلي.
أولاً، لم تعد حكومة أشرف غني الصديقة للهند على كرسي السلطة في كابول، وعليه حصلت باكستان على “عمق استراتيجي” في أفغانستان والذي يمكنها التباهي به، ويعني ذلك أن باكستان لن تضطر بعد الآن إلى تكريس جهد إضافي للتعامل مع التهديدات القادمة من جهتي الشرق والغرب، فقد انتقل العديد من جهادييها والذين ينتمون إلى الجماعات الإرهابية المصنفة دوليًا مثل جيش محمد (جي.أي.أم) وعسكر طيبة (الأي.تي) إلى جنوب أفغانستان، وهناك تقارير تتحدث عن رؤية أفراد من كلتا الجماعتين يتجولون في شوارع كابول.
والتداعيات الأخرى لانتصار طالبان هي كسب باكستان لحليف إسلامي يمكنه التحدث عن قضية كشمير، لكن إذا باشر الجهاديون المتمركزون في أفغانستان شق طريقهم نحو كشمير الهندية، سواء بتحريض من إسلام آباد أو بدونه، وشرعوا في شن هجوم داخل الأراضي الهندية، فقد يدفع ذلك بباكستان والهند المسلحتين نوويًا إلى حافة الحرب.
وبعد مضي وقت قصير من إبرام الولايات المتحدة وطالبان اتفاقا في العام الماضي، أشار تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية إلى نيته تحويل تركيزه من أفغانستان إلى شبه القارة الهندية، واحتفاءً بذكرى انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان في أواخر أغسطس أصدرت القاعدة بيانًا دعت فيه إلى استمرار الجهاد العالمي لتحرير الأراضي الإسلامية. وقد ذكر ذلك البيان كشمير، ولكنه غفل عن ذكر الشيشان وسنجان، لذلك تعتقد الهند أن ذلك قد تم بناء على طلب من باكستان، ويعد هذا علامة على أن باكستان لا تدور الآن في فلك روسيا والصين فحسب، بل إنها تحتفظ بنفوذ كبير على القاعدة، والتي بدورها بايعت طالبان.
وتتمثل الفائدة بالنسبة إلى باكستان في أنها تبرز الآن كلاعب هام في النظام الأمني والاقتصادي البديل الذي تقوده روسيا والصين والذي هو في طور التشكل في جميع أنحاء آسيا، وستسعد موسكو برؤية دول آسيا الوسطى تصل إلى موانئ باكستان على بحر العرب عبر أفغانستان، ولطالما اعتقدت روسيا أن ضعف النمو الاقتصادي وقلة الوظائف في آسيا الوسطى هو سبب رئيسي لتطرف شباب المنطقة، والذين انضم بعضهم إلى داعش في سوريا والعراق. والدور الذي ستلعبه باكستان في إرساء الاستقرار في أفغانستان وجعلها عنصرا هاما للتنمية الاقتصادية في آسيا الوسطى سيُقربها أكثر من موسكو.
يجب على باكستان إدارة الواقع الجيوسياسي الجديد بعناية فائقة، فإذا تعاملت معه بحكمة ستستفيد استفادة عظمى، أما إذا فشلت في ذلك فستكون العواقب وخيمة للغاية
ومما يثير استياء الهند والولايات المتحدة (وكلتاهما تعززان تحالفهما المشترك) هو احتمال ارتفاع مستوى التعاون الروسي – الباكستاني في المسائل الأمنية والاقتصادية، كما ستوفر أفغانستان المستقرة تحت الوصاية الباكستانية الأمن للاستثمارات الصينية الكبيرة المخطط لها في قطاع المعادن والطاقة والبنية التحتية في أفغانستان، كما يمكن أن يسمح للصين وإيران بتشغيل برنامج تعاونهما المبهم المفترض أن يستمر لمدة 25 عامًا، وسوف تبرز باكستان باعتبارها العمود الفقري لكل تلك الخطط والمشاريع.
ومع ذلك ليس من المؤكد سيطرة باكستان على الحكومة الناشئة في كابول، حيث عجزت الاستخبارات الباكستانية عن تنصيب أي شخص من شبكة حقاني كرئيس للحكومة الجديدة هذا الأسبوع، على الرغم من علاقاتها الوثيقة بتلك الجماعة، وهذا يشير إلى محدودية النفوذ الباكستاني على طالبان، وطالبان نفسها لا تُعد كيانا أو جسدا واحدا، ومن المرجح أن تهتم بمصالحها الاستراتيجية بمجرد استئثارها بالحكم.
ومن أبرز تلك المصالح الاستراتيجية لطالبان وقف هجرة المقاتلين نحو حركة طالبان الباكستانية (تي.تي.بي) ونحو دواعش خراسان، وفي حين أن طالبان تعارض بشدة دواعش خراسان، إلا إنها أظهرت توافقا ملحوظًا مع حركة طالبان الباكستانية. وهناك تقارير تفيد بأن مقاتلي حركة طالبان الباكستانية قاتلوا إلى جانب طالبان، وقد ردت الحركة الجميل بإطلاق سراح مقاتلي حركة طالبان الباكستانية من السجون الأفغانية، والذي بدوره أثار حفيظة باكستان التي تنظر إلى حركة طالبان الباكستانية على أنها تهديد، بل إن ذلك دفع قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا إلى القول إن طالبان وحركة طالبان الباكستانية هما “وجهان لعملة واحدة”. وستكون الفكرة بالنسبة إلى باكستان هي حمل كابول على تنفيذ ما تريده باكستان من دون أن يُنظر إلى إسلام آباد على أنها تدعم شبكة حقاني، خشية أن يؤدي هذا إلى زيادة الاقتتال الداخلي بين الفصائل داخل الحكومة الجديدة.
وستتبخر مكاسب باكستان التي جنتها من انتصار طالبان إذا واجهت نكسة جهادية عبر حدودها الشرقية، فقد دعا العديد من الأعضاء البارزين في التيار السياسي المتطرف في باكستان علنًا إلى نظام حكم على غرار حكم طالبان، وبدأ حزب حركة لبيك باكستان، وهو حزب إسلامي يميني متطرف تابع لمدرسة باريلفي الفكرية (على عكس انتماء طالبان الديوبندي) في المزايدة في التطرف بفضل انتصار طالبان. وفي يوليو الماضي قتل تسعة مواطنين صينيين يعملون في سد في شمال باكستان في هجوم إرهابي، ويعتقد الخبراء الصينيون أن حركة طالبان باكستان أو حركة تركستان الشرقية الإسلامية كانت مسؤولة عن ذلك. وفي حال تدهور الأمن داخل باكستان على المدى القريب، فقد يؤدي ذلك إلى تعريض استثمارات الصين المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق للخطر، مما يهدد التنمية الاقتصادية المستقبلية لباكستان، كما سيهدد دورها المحتمل كنقطة ارتكاز لتحقيق الاستقرار في الجغرافيا السياسية الإقليمية المتغيرة.
ويجب على باكستان إدارة الواقع الجيوسياسي الجديد بعناية فائقة، فإذا تعاملت معه بحكمة ستستفيد استفادة عظمى، أما إذا فشلت في ذلك فستكون العواقب وخيمة للغاية.
دانيش كامات – محلل سياسي مختص بشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا – العرب اللندنية