إيران لم تعد قادرة على تحمل تكلفة وجودها العسكري غير المباشر في سوريا. وإذا ما كان تأمين طريق طهران – بيروت قد شكل سببا رئيسا لذلك الوجود، فإنه في المرحلة المقبلة لن يكون ضروريا.
لن يطلب أحد من إيران الخروج من سوريا فهي لا تملك جيشا رسميا هناك. هناك وجهان للمسألة.
الوجه الأول يتمثل في حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية، وهو ما يقع تحت نظر القوات الروسية وتتكفل إسرائيل بمعالجته من خلال ضربات جوية بين حين وآخر.
أما الوجه الثاني فإنه يتمثل بالاستيطان الإيراني في ضواحي دمشق وبالأخص في ضاحية “السيدة زينب”. وهو ما يقع ضمن اختصاص النظام الذي ورط سوريا بإيواء أعداد كبيرة من الإيرانيين الذين سيكون وجودهم في المرحلة المقبلة مصدر إزعاج للسوريين.
من المؤكد أن إيران لم تعد قادرة على تحمل تكلفة وجودها العسكري غير المباشر في سوريا. وإذا ما كان تأمين طريق طهران – بيروت قد شكل سببا رئيسا لذلك الوجود، فإنه في المرحلة المقبلة لن يكون ضروريا. ذلك لأن إيران لن تكون قادرة على تقديم الدعم إلى حزب الله وتمويله.
وسيكون من الصعب على حزب الله والميليشيات العراقية الاستمرار في البقاء على الأراضي السورية في ظل غياب العامل الإيراني. فبقاء النظام السوري لم يكن هدفا لذاته من وراء الحرب التي خاضتها تلك الميليشيات بل كان الهدف الرئيس يكمن في إبقاء طرق التمويل مفتوحة عبر سوريا.
لن تنتظر الميليشيات الإيرانية وضمنها حزب الله طلبا من الحكومة السورية لكي تغادر الأراضي السورية. لقد صار واضحا أن هناك اتفاقا روسيا – إسرائيليا على ضرورة أن تغادر تلك الميليشيات في أسرع وقت.
وبغض النظر عن الضربات الإسرائيلية، فإن تكلفة الاستمرار في البقاء على الأراضي السورية صارت باهظة، وهو ما لا يستطيع حزب الله أو الميليشيات الأخرى تحمّله في ظل ضائقة مالية صار لبنان والعراق يعانيان منها. ناهيك عن الأفق صار مسدودا في وجه إيران.
سيكون بشار الأسد محظوظا في تخلصه من العبء الإيراني.
ولكن حظه لن يكون سعيدا مع الروس تماما. ذلك لأنهم عقدوا اتفاقات من غير الحاجة إلى استشارته مع أطراف عديدة لها علاقة بالمسألة السورية، بعد أن تشعبت دروبها وتعددت القوى التي وجدت أن لها مصلحة فيها. هناك بشكل أساس تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل.
أطراف لا يملك بشار الأسد القدرة على الاتصال المباشر بها من أجل فهم ما تريد فيما تملك روسيا خطوط اتصال ساخنة مع كل واحد منها.
كان طرد إيران من الأراضي السورية شرطا. ذلك الشرط تحقق من غير الحاجة إلى ضغوط. غير أن هناك اختلافا على صورة سوريا التي سترعاها روسيا في المستقبل.
كل واحد من تلك الأطراف يملك وجهة نظر مختلفة وله أيضا مصلحة مختلفة.
تتمسك تركيا بحجة حماية حدودها الجنوبية من هجمات الأكراد من أجل الإبقاء على منطقة آمنة شمال سوريا هي منطقة نفوذ عسكري بعيد المدى، فيما تتخذ الولايات المتحدة من عقوباتها المفروضة على إيران مسوغا لاستمرار وجودها على الأراضي السورية من أجل قطع طريق الإمداد ذهابا وإيابا بين طهران وبيروت.
تبقى إسرائيل فهي صاحبة المصلحة المزدوجة الكبرى. سوريا الموحدة بنظام سياسي ضعيف. ذلك ما يشكل ميزان المعادلة التي تسعى إسرائيل إلى فرضها على الأرض من غير تدخل مباشر. فتلك المعادلة قد لا تخرج بعيدا عن نطاق ما يفكر فيه الروس وهم يسعون إلى الحفاظ على نتائج تدخلهم في سوريا من غير أن يصطدموا بالشركاء الآخرين الذين يمكن إزاحة اثنين منهم على الأقل بهدوء، الولايات المتحدة وتركيا، والإبقاء على إسرائيل باعتبارها شريكا ليس فاعلا على الأرض.
نهاية من ذلك النوع قد لا تغضب الأسد إذا ما كانت تشكل قاعدة لبقاء نظامه. ولكن سوريا الموحدة ستكون جسدا مريضا وهو ما سيضع الروس في مواجهة مسؤولية قد لا يكونون قادرين على النهوض بأعبائها.
فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية