الثورة الجديدة ليست كسابقاتها تظاهراتً عابرةً مُطالبةً بالماء والكهرباء والغذاء والدواء، بل هي ثورة جميع القوميات والملل والطوائف والشرائح الإيرانية التي تحملت مظالم نظام الملالي وأحقاده الطائفية والعنصرية أربعين سنة.
سقوط هذا النظام مطلب الملايين من الشيعة
لم تُسئ قوة على الأرض معادية لمذهب التشيّع بقدر ما أساء إليه الخميني ووريثُه علي خامنئي وحرسه الثوري ومخابراته وأحزابه وميليشياته العراقية واللبنانية والسورية واليمنية بما جنوْه من جرائم القتل والغدر والفساد المالي والأخلاقي في إيران ودول الجوار والمنطقة والعالم، منذ أن هبطت طائرة الخميني على أرض طهران عام 1979 وحتى اليوم.
وهو ما جعل سقوط هذا النظام مطلب الملايين من الشيعة الإيرانيين والعراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين والسعوديين والبحرينيين والكويتيين والباكستانيين والأفغان، وأخيرا الأذريين الذين رفعوا علم إسرائيل نكايةً بشقيقتهم الغادرة الكبرى، إيران، بعد أن جعلهم نظام الملالي يكفرون به، وبالمذهب نفسه، علنا وعلى رؤوس الأشهاد.
كما أنه، بأفعاله الشريرة العدائية المخربة وأفكاره الظلامية المتخلفة، جعل شعوباً كثيرة في العالم تعتقد بأن كل مواطن شيعي، سواء كان من أتباع النظام الإيراني أو معارضا ساعيا لإسقاطه، نموذجا للتخلف والعنف والغدر والكذب والاحتيال.
إذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والهند والصين لا تريد سقوط هذا النظام المفكك الآيل للسقوط، فإن الذي لم يعد يحتمل بقاءه، وثار عليه، وأصر على رحيله، هو الشعب الإيراني نفسه
وباستشهاد مهسا أميني اشتعلت إيران كلها بثورة قد تكون هي القاضية. وحتى لو تمكن من وأدها، فإنها وضعته في مأزق حقيقي ليس له مَخرجٌ سوى الانهيار، في النهاية.
فهو قد أصبح أمام خيارين لا ثالث لهما، وكلاهما بداية سقوط حقيقي مؤكد.
فإن لجأ إلى القسوة، وهو ميّال إليها بطبعه الدكتاتوري المتعجرف المتطرف، واستطاع اغتيال أو اعتقال الآلاف من المتظاهرين، وأحرق مساكنهم، وأتلف مدارسهم ومستشفياتهم وأسواقهم، كما فعل سابقا، فهو إنما يكون قد صب مزيداً من الزيت على حطب الحريق، ووضع الحبل حول رقبته بإحكام.
أما إذا لجأ إلى المداهنة والنفاق وساير الجماهير بالرحمة (المفتعلة)، وأبدى استعدادا كاذبا للحوار، فسوف يُقنع الجماهير الثائرة بأنه فقَد جبروته، وكشف عورته، وبرهن على أنه حصان من خشب، وسيدفعها إلى رفع سقف مطالبها وتأمره بالرحيل.
وبسقوطه الآتي، غداً أو بعد غد، صار مؤكدا أن دولة إيرانية جديدةً مسالمة عاقلة متفرغة لإسعاد أهلها وجيرانها، ستخرج من دخان هذه المعركة.
وفي العراق ستختفي الفصائل المسلحة والحشد الشعبي والطرف الثالث المجهول. وسنرى كثيراً من قادة الإطار التنسيقي والتيار الصدري وراء القضبان، وسيقلُّ ظهور العمائم السود والبيض في دوائر الدولة ومؤسساتها بقيام دولة العدل والمساواة وسلطة القانون، وانتهاء زمن استخدام العمامة لتسهيل نهب المال العام، وستُغلق فضائياتٌ وإذاعات وصحف عديدة تابعة لنظام الملالي متخصصة بترويج الخرافة والكراهية، وستُشكل حكومة عراقية قوية مستقلة، في أيام، وسيُضطر معممون وقادة ميليشيات ورؤساء أحزاب إلى إخلاء القصور والمزارع والأراضي التي اغتصبوها من الدولة، وسينتهي تهريب العملة، وسرقة النفط، والمتاجرة بالمخدرات والمفخخات، وسيستعيد الشعب العراقي المليارات من الدولارات التي نهبها وهربها الفاسدون الشيعة والسنة والكرد، ثم تعود مواردُ النفط والمنافذ الحدودية والموانئ والمطارات، كاملةً، إلى خزينة الدولة، لتنفقها الحكومة على إعادة بناء الوطن والمواطن، من جديد.
باستشهاد مهسا أميني اشتعلت إيران كلها بثورة قد تكون هي القاضية. وحتى لو تمكن من وأدها، فإنها وضعته في مأزق حقيقي ليس له مَخرجٌ سوى الانهيار، في النهاية
وفي سوريا سيسقط بشار الأسد، فورا ودون تأخير، وسيدفع ثمن براميله المتفجرة التي أمر بإلقائها على منازل السوريين الأبرياء، وسيعود الأمن والاستقرار والازدهار إلى سوريا الآمنة الجميلة بعد غياب طويل.
وسيُعتقل في لبنان أو يقتل أو يهرب من وجه العدالة حسن نصرالله، وسيحاكم نبيه بري، وباقي شلل القتل والغدر والسرقة وتجارة المخدرات، وسيُنتخب نوابٌ وطنيون حقيقيون، ورئيس جمهورية شجاع، ورئيس حكومة مخلص وأمين، دون وصاية، وسيعود لبنان زهرة البحر الأبيض المتوسط، كما كان.
وستفقد حكومة حماس وكتائب الجهاد الإسلامي أكياس المال الإيراني وصناديق السلاح، لتبدأ بحثَها عن ممول جديد، ولن تجد.
وفي اليمن لن يصمد الحوثيون طويلا، وسيدركون أن طريقهم مسدودٌ، فيستسلمون، ويلقون سلاحهم، وتقوم في اليمن الجديد دولة الوحدة والحرية والكرامة والأمن والاستقرار.
وسيخسر زعماء القاعدة وداعش والإرهابيون الإسلاميون الآخرون ملاذهم الآمن في إيران، ويودع العالم كوابيس المتفجرات والصواريخ والمسيرات والاغتيالات والمخدرات.
بعبارة واضحة، إن المنطقة سوف تتغير تماما، ويصبح العيش فيها أجمل وأكثر أمنا وسلاما وازدهارا واحتراما لكرامة الإنسان.
وليس أدل على ذلك من تزايد أعداد الشباب الشيعة، في إيران وفي العراق ولبنان، الذين أصبحوا يجاهرون برفضهم الانقيادَ للمراجع، ويمتنعون عن دفع الخُمس، ويرفضون ممارسة الطقوس الطائفية الدخيلة على المذهب، ويرون فيها إهانة لكرامة الإنسان، وتكريسا للتخلف والتزمّت وإدامةً لسطوة المعممين.
والملاحظ أن هذا النظام، رغم أنه لم يتوقف يوما واحدا منذ قيامه في 1979 وحتى اليوم عن القيام باعتداء، أو التخطيط لاعتداء، أو التهديد باعتداء ضد دول الجوار ومصالح الدول الكبرى في الخليج والمنطقة، لم يعاقبه ما يسمى بالمجتمع الدولي، كما فعل مع نظام صدام حسين.
بأفعاله الشريرة العدائية المخربة وأفكاره الظلامية المتخلفة، جعل شعوباً كثيرة في العالم تعتقد بأن كل مواطن شيعي، سواء كان من أتباع النظام الإيراني أو معارضا ساعيا لإسقاطه، نموذجا للتخلف والعنف
بل إن دولاً عديدة ظلت تناصره وتدعمه وتزوّده بمصانع الصواريخ والمسيرات والمفخخات، بدوافع انتهازية اقتصادية أو سياسية، كروسيا والصين والهند وكوريا الشمالية وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، ودولا أخرى، ومنها الولايات المتحدة، صبرت عليه أربعين سنة، وهي تتجنب الصدام معه، وتحاول ترضيته سرا وعلانية.
وهنا تأتي النقطة الحساسة في هذا المقال. فإذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والهند والصين لا تريد سقوط هذا النظام المفكك الآيل للسقوط، فإن الذي لم يعد يحتمل بقاءه، وثار عليه، وأصر على رحيله، هو الشعب الإيراني نفسه، بقيادة المرأة الإيرانية الشجاعة المتحضرة، وشقيقها المواطن الإيراني المتنور، حتى لو وقفت معه حكومات الكرة الأرضية كلها.
فالثورة الجديدة ليست كسابقاتها، تظاهرات عابرةً مُطالبةً بالماء والكهرباء والغذاء والدواء، بل هي ثورة جميع القوميات والملل والطوائف والفئات والشرائح الإيرانية التي تحملت مظالمه وتعدياته وأحقاده الطائفية والعنصرية أربعين سنة. أسدٌ هصورٌ على شعبه، وجردٌ خائف ورعديد مع إسرائيل التي تُهينه كل يوم، ولا يرد.
ألم يقل الشاعر التونسي الخالد أبوالقاسم الشابي “لا بد أن يستجيب القدر”. إنه سوف يستجيب هذه المرة.
إبراهيم الزبيدي – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة