التدخل التركي في الحرب الليبية أمر غير مشروع دوليا. أما استعمال اللاجئين السوريين باعتبارهم مرتزقة مأجورين فإنه جريمة يُحاسب عليها القانون الدولي.
كما لو أن العالم لم يغادر الزمن الذي كانت فيه فرق المرتزقة تقوم بتغيير أنظمة الحكم في دول أفريقية عن طريق انقلابات مدفوعة الثمن.
تحارب تركيا في ليبيا بجيش من المرتزقة السوريين دفاعا عن حكومة طرابلس التي لم تستطع الميليشيات الإخوانية حمايتها بحيث كانت في طريقها إلى السقوط أمام هجمات الجيش الليبي.
وإذا ما كانت فرق المرتزقة في الماضي تختبئ وراء واجهات محلية لكي لا تعلن عن وقوفها غير الشرعي وراء التحولات السياسية، فإن تركيا لا تجد مانعا من الإعلان عن مشاركتها في الحرب من خلال جيش من المرتزقة، بل إنها تفاخر بذلك.
لتركيا ممثلة برجب طيب أردوغان وحزبه أسبابها العقائدية في التدخل في الحرب الليبية، ناهيك عن المصلحة الاقتصادية. ذلك مفهوم. غير أن ما تفعله في ذلك المجال يُعدُّ خرقا لقرار سبق أن صدر عن مجلس الأمن، اعتبرت بموجبه عمليات جلب المرتزقة إلى ليبيا جريمة دولية.
تركيا لم تلتزم بالقرار الدولي. في المقابل هنالك صمت دولي إزاء استمرار تدخلها بتلك الطريقة السافرة. فهل يشي ذلك الصمت بنوع من الريبة التي يمكن أن تكشف عن رغبة الدول العظمى في استمرار الصراع في ليبيا لأسباب لم يتم التصريح بها بعد؟ أم أن ذلك الصمت ستار يخفي رغبة مبيتة في توريط تركيا في مغامرة حمقاء، تقف من خلالها في مواجهة المجتمع الدولي؟
وهنا ينبغي ألا يخدعنا أردوغان وهو يبدو مطمئنا إلى أن تدخله في ليبيا بتلك الطريقة لن يجلب المتاعب إلى تركيا. فالرجل يتاجر بلاجئين سوريين، يستغلهم دفاعا عن قضية لا علاقة لهم بها. إنهم مجرد مرتزقة مأجورين عرضت تركيا عليهم التجنيس مقابل المشاركة في الحرب. وبذلك يكون الرئيس التركي قد تحول إلى متعهد شركة أمنية، وهي وظيفة سيكون من الصعب الدفاع عنها.
الاتجار باللاجئين السوريين يمكن أن يكون في حد ذاته قضية، ليس من الصعب وضعها على الطاولة باعتبارها خرقا للإعلان الدولي لحقوق الإنسان.
ولكنه مجرد تكهن ليس إلا. ويبقى سؤال من نوع “لم تحارب تركيا في ليبيا أصلا؟” قائما.
ليبيا ليست جارة لتركيا وليست هناك علاقات متينة بين البلدين. ما من مصالح اقتصادية مشتركة. هل علينا أن نصدق أن المجتمع الدولي سيغض الطرف عن التدخل التركي تعاطفا مع الدوافع العقائدية وهي دوافع تتصل بالإرهاب بأكثر من وجه وسبب؟
سيكون علينا حينها أن نحكم على المجتمع العالمي بالجنون أو الانهيار الأخلاقي.
ربما يحلم أردوغان بذلك. وهو ما لا يمكن أن يكون حقيقيا.
فالتدخل التركي في الحرب الليبية أمر غير مشروع دوليا. أما استعمال اللاجئين السوريين باعتبارهم مرتزقة مأجورين فإنه جريمة يُحاسب عليها القانون الدولي.
لذلك لن يدافع أحد عن أردوغان الذي غلّبَ مصلحته في ليبيا على مصلحته في تركيا. وذلك ما تنتظر نتائجه أطراف غربية عديدة وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي صار التخلص من أردوغان يمثل لها حلا مثاليا.
اليوم لا يحظى أردوغان في الداخل التركي بتلك الشعبية التي كان يحظى بها قبل سنوات. وفي ذلك يمكن القول إن سعر صرف الليرة المتدهور هو ما يلعب دور الحكم الفصل، وليست مغامرات أردوغان الخارجية التي تُظهره باعتباره بطلا إخوانيا.
تلك صفة لن تمكنه من استعادة شيء من شعبيته الداخلية. أما سمعته على مستوى خرقه حقوق الإنسان من خلال اتجاره بالسوريين فإنها ستضيق الخناق على تركيا دوليا، وستكون سببا مضافا لكي تمتنع الكثير من الدول عن التعامل مع الشركات التركية، من القطاع العام أو القطاع الخاص على حد سواء.
فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة