أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – يحمل التصعيد الأخير بين القوات الحكومية المدعومة روسياً من جهة وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي من جهة ثانية في دير الزور، بعد التظاهرات الشعبية التي طالبت بخروج القوات الحكومية من بعض القرى التي تسيطر عليها شرق الفرات، أبعاداً اقليمية ودولية تتداخل فيها رغبة الأطراف المتصارعة في سوريا لتثبيت نفوذها، لاسيما أن “الانتفاضة” الأخيرة للقوات الحكومية ومحورها الحليف ضد قسد، تزامن مع انعقاد القمة الثلاثية بين ضامني أستانا (روسيا، تركيا وإيران) التي تلتقي مصالحها للضغط على واشنطن؛ حليفة قسد في شرق الفرات.
القوات الحكومية وقسد تحشد تعزيزات عسكرية في مناطق الاحتكاك بدير الزور
يثير التعزيزات العسكرية التي استقدمتها القوات الحكومية السورية وحلفائها إلى دير الزور من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية من جهة ثانية، تساؤلات حول مستقبل هذه المنطقة واحتمال مواجهة عسكرية مفتوحة بينهما، مع إشارات متكررة من القوات الحكومية عبر ميليشيات محلية موالية بالهجوم عليها.
التصعيد الأخير فجره تظاهرات قام بها أهالي بعض القرى؛ على خط الاحتكاك مع القوات الحكومية في الجزء الخاضع لسيطرة قسد في دير الزور، مطالبين بخروج قوات تابعة لإيران والحكومة السورية من قراهم التي تسيطر عليها، شرق الفرات، ليتمكنوا من العودة إليها. كما رفعوا شعارات تطالب قسد والتحالف الدولي بالسيطرة على قراهم، وإيقاف “التمدد الإيراني” ومضايقات المجموعات المسلحة المتعاونة معها.
سبق التصعيد الأخير في دير الزور إطلاق تهديدات من القوات الحكومية باقتحامها
وسبق ذلك بأيام، تهديدات أطلقه أحد قادة “لواء الباقر” المدعومة إيرانياً، بعد اجتماع مع ضابط روسي، حيث طالب القيادي في اللواء، فادي العفيس، في تسجيل مصور من إحدى قرى ريف دير الزور الغربي برفقة عناصر من القوات الحكومية، باقتحام دير الزور، قائلاً للضابط الروسي “نحن مجموعة قتالية جاهزة ونطالب باقتحام خط الجزيرة الذي يسيطر عليه قسد”.
مناوشات بين قسد والحكومة
المناوشات والمواجهات العسكرية تتكرر بين القوات الحكومية وحلفائها المحليين مع قوات سوريا الديمقراطية بين الحين والآخر، في مناطق الاحتكاك بريف دير الزور، منذ انتزاع قسد السيطرة على تلك المنطقة من تنظيم داعش الارهابي.
ولا يخلو هذا الصراع على النفوذ في تلك المنطقة الغنية بالنفط والغاز، من مشاركة غير معلنة رسمياً من قبل الولايات المتحدة وروسيا، تُرجمت على الأرض بقصف طائرات أمريكية لميليشيات متعاقدة مع شركات روسية، منتصف نيسان/أبريل 2018، عندما حاولت الاقتراب من حقل العمر النفطي بريف دير الزور.
في حين لا تخفي الحكومة السورية تأكيدها باستمرار باستعادة السيطرة على مناطق شرق الفرات الخاضعة لسيطرة قسد، سواء بالمصالحة أو بالعمل العسكري، وأعلنت عن ذلك مراراً.
الصراع يحمل أبعاداً اقتصادية وأمنية ونفوذ تتنافس فيها قوى محلية وإقليمية ودولية
ويرى مدير المرصد السوري لحقوق الانسان، رامي عبد الرحمن، المتابع للشأن السوري، أن ما جرى في دير الزور مؤخراً يندرج في إطار الحرب على إيران وكبح جماحها وإيقاف تقدمهم في المنطقة الواقعة بين مدينتي الميادين والبوكمال الحدودية مع العراق، وهي منطقة تابعة لهم بشكل كامل وتواجد القوات الحكومية هناك هو شكلي فقط، حيث أن “لواء الباقر” هو عشائري سوري ولكن تسليحه إيراني بعد أن كان تسليحه روسي سابقاً، وهو انذار مواجهة للنفوذ الإيراني من قبل التحالف الدولي في المناطق الواقعة شرق وشمال دير الزور، بسبب تواجد مسلحين عشائريين موالين لإيران مدعومين عسكرياً منها، أي أن ما حدث قبل أيام قد يكون شرارة البدء لإنهاء الوجود الإيراني على طريق طهران – بيروت الدولي، بحسب عبد الرحمن.
وتحمل صراع النفوذ في منطقة شرق الفرات أبعادً اقتصادية وأمنية، فرغم أنها خاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، إلا أنها تشهد عمليات تهريب متواصلة لمختلف المواد من مناطق نفوذ قسد إلى المناطق الحكومية؛ في ظل العقوبات الدولية المفروضة على المناطق الحكومية. لا سيما تهريب النفط الخام عن طريق معابر التهريب المائية على نهر الفرات، وقبل مدة تم تفجير 6 عبارات معدة للتهريب بلدة الشحيل شمال دير الزور، من قبل قوات سوريا الديمقراطية التي تحاول عرقلة ومنع هذه العمليات.
أمني في داعش .. قيادي في “لواء الباقر”
وتقول بعض الأوساط محلية في دير الزور، أن القيادي في “لواء الباقر”، فادي العفيس، كان أحد القادة الأمنيين ضمن صفوف تنظيم داعش الارهابي بين عامي 2012 ـ 2017، ولكنه نجح بتسوية وضعه مع القوات الحكومية قبيل القضاء على تنظيم داعش، بوساطات خاصة من الشيخ العشائري المدعوم إيرانياً “نواف البشير” ومن طارق ياسين المعيوف القيادي في حزب الله اللبناني.
محللون: لا يمكن الفصل بين التصعيد الأخير في دير الزور وتهديدات تركيا باجتياح شرق الفرات عقب قمة أنقرة
ويذهب بعض المحللين بعيداً في تفسيراتهم عن الأهداف الحقيقية التي تقف وراء التصعيد الأخير، ويربطونه بالضغوطات المتبادلة والصراع على النفوذ بين كل من روسيا والولايات المتحدة، حيث سبق انعقاد القمة الثلاثية التي جمعت رؤساء ضامني أستانا (بوتين، أردوغان وروحاني) في أنقرة في 16 من الشهر الجاري، تصعيدٌ غير مسبوق من قبل خارجية الحكومة السورية ضد قوات سوريا الديمقراطية، وشكوى قدمتها الخارجية للمجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة ضد قسد، مطالبة بإعادة المناطق الخاضعة لسيطرتها لسيطرة القوات الحكومية؛ الأمر الذي اعتبره بعض المراقبين غزلاً سياسياً لتركيا (خصم قسد الرئيسي) قبيل انعقاد القمة بتوجيهات روسية، لتقديم تنازلات في ملف إدلب، والضغط على واشنطن في قضية “المنطقة الآمنة” وملف شرق الفرات عموماً، وهو ما يصب في مصلحة روسيا التي تنافس الولايات المتحدة في سوريا، وعموم المنطقة.
ويبرهن أصحاب هذه الرؤية مقولتهم، بتزامن التصعيد الأخير مع تجديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تهديداته بشن عمل عسكري شرق الفرات، وذلك رغم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وأنقرة بشأن “المنطقة الآمنة” والتي بدأت الأطراف المشاركة في الاتفاق بتنفيذه على الأرض.
ويبدو أن هذا الشد والجذب بين القوات الحكومية من جهة وقوات سوريا الديمقراطية من جهة ثانية، مرهون بالتفاهمات الإقليمية والدولية حول مناطق النفوذ في سوريا، لاسيما روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن تتضح الخارطة السياسية لسوريا المستقبل.
إعداد: سمير الحمصي