أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – كشفت العديد من التقارير والأخبار الصادرة عن وسائل إعلامية ومنظمات حقوقية وإنسانية عن انخفاض كبير بأعداد المسيحيين القاطنين في محافظة إدلب وذلك مع بداية الحراك الشعبي ضد الحكومة السورية, ولكن النسبة الأكبر من الهجرة أو النزوح تمثلت مع سيطرة هيئة تحرير الشام / جبهة النصرة على المحافظة.
إحصائيات محلية غير رسمية، تحدثت عن ما يقارب الـ 10 آلاف مسيحي كانوا يقطنون في محافظة إدلب، إلا أن أعدادهم بدأت بالانخفاض في ريف إدلب نهاية العام 2012 ورحل معظم قاطني مدينة إدلب عام 2015 عقب سيطرة المعارضة المتمثلة ذلك الحين بجيش الفتح، الذي يضم عدة فصائل من أبرزها جبهة النصرة على المدينة، حتى باتت نسبتهم أقل من واحد في المئة وبقي منهم قرابة الـ 200 شخص في عموم المحافظة، معظمهم من كبار السن.
وخلال حديث خاص مع العضوة في اللجنة الدستورية السورية عن المجتمع المدني، الدكتورة سميرة المبيض، طرحت شبكة “أوغاريت بوست” تساؤلات عدة، حول السبب الرئيس جراء الانخفاض الحاد بأعداد المسيحيين في إدلب خلال السنوات الماضية، وهل يعتبر هذا الانخفاض تغيير ديمغرافي ممنهج، وماهو دور المجتمع الدولي في حماية الأقليات داخل سوريا.
وفيما يلي النص الكامل للحوار الذي أجرته “أوغاريت بوست” مع د. سميرة المبيض:
– ما السبب الرئيس جراء الانخفاض الحاد بأعداد المسيحيين في إدلب خلال السنوات الماضية ؟
أعتقد ان انخفاض أعداد السوريين المسيحيين في ادلب هو استمرار لتراجع وجودهم في عموم سوريا وهجرتهم وتهجيرهم منذ عقود سابقة، وهذا التهجير يدخل ضمن اطار تحويل المجتمع السوري من مجتمع متنوع غني بثقافاته والتي تعتبر مرتكزاً هاماً للانفتاح وللتقدم على كافة الصعد الاجتماعية والانسانية والاقتصادية إلى حالة نقيضة تتوائم مع القمع والشمولية والاستبداد.
وهذا تماماً ما يستمر عليه الحال في إدلب حيث يخضع السوريون في هذه المناطق لحكم ذو طابع عسكري ديني يعتبر احد أطر ومنتجات منظومة الحكم التي سادت في سوريا منذ عقود، حيث أن التنوع المجتمعي لا يوائم هذه المنظومة لأنه يخلق حالة توازن وانفتاح ويمنع نشوء التطرف وتقييد الفكر وتجهيله لذلك رأينا تهجيراً عبر ممارسات ترهيب مباشرة او غير مباشرة للسوريين المسيحيين في هذه المناطق وانخفاضاً كبيراً بأعدادهم وحتى من بقي لا يمتلك الامن والاستقرار اللازم لاستمراريته هناك.
– هل فشلت فصائل المعارضة السورية من حماية الأقليات وفي مقدمتهم المسيحيين ؟
لم يكن لفصائل المعارضة المسلحة هدف لضمان استمرارية التنوع السوري او لضمان حقوق المواطنة للسوريين، فهي تنطلق من مبدأ السيطرة بالسلاح ونشر الايديولوجية وبالتالي تنطلق من استبعاد واقصاء كل من لا يخضع لهذا التوجه من أصحاب التوجه المدني او المطالبين بالمواطنة المتساوية او الساعين لحكم عقلاني ومنتج للاستقرار والامن.
– هل رسائل “هيئة تحرير الشام” الموجهة للولايات المتحدة والدول الغربية باعتبار مشروعها بعيد عن التطرف، يتناقض مع هجرة المسيحيين من إدلب ؟
لا يوجد إمكانية ان يقوم تيار عسكري إيديولوجي بإنشاء مشروع بعيد عن التطرف، لأنه ينطلق اساساً من فكرة عدم الاعتراف بالآخر واقصاؤه من منطلق ديني او قومي او غير ذلك و”هيئة تحرير الشام” لم تنشأ بشكل طبيعي من المجتمع السوري فأهالي ادلب وهم بمعظمهم ممن قاوموا ورفضوا العودة لحكم الاستبداد يطمحون بمواطنة تضمن كرامتهم وحرياتهم الانسانية وتستطيع تأمين العيش الكريم لهم ولأبنائهم في حين ان مشروع “هتش” يكرس حالة قمعية تسخر الدين في السلطة وتستخدم المدنيين والضحايا وقوداً لاستمراريتها القائمة على وجود صراع مع اطراف اخرى لذلك لا امان للمدنيين في ظل حكومات مشابهة سواء كانوا مسيحيين أم من أديان أخرى فاستمرارية هذه المنظومة تتطلب منهج التشدد والتطرف.
– هل بقاء 200 مسيحي في إدلب من أصل 10000 شخص يعتبر تغيير ديمغرافي ممنهج ؟
نعم، التغيير الديمغرافي بما يتعلق بالمكون المسيحي ادى لهجرة ما يزيد عن ٩٠ بالمئة من هذا المكون السوري.. وفي ادلب يعتبر تغييراً ممنهجاً بهدف وضع منظور احادي للمنطقة وسيطرة جهات محددة عليها من هذا المنظور.
– لماذا لا يتحرك المجتمع الدولي لحماية الأقليات في سوريا، وخاصة في مناطق سيطرة المعارضة ؟
لكي يكون تحرك المجتمع الدولي ناجعاً يجب ان ينطلق من تغيير جذري في النظر للمنطقة، فسوريا تتسم بالتعدد الذي يشكل هويتها واي انحراف عن هذا المفهوم نحو أخر شمولي سيؤدي لاستمرارية الفشل بتحقيق الامن والاستقرار كما حصل منذ عقود ولازال الفشل مستمراً إلى يومنا هذا.