أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – بعد 9 سنوات من الحرب السورية المدمرة، ورغم انحسار جغرافية المعارك في البلاد، إلا أن تداخل أجندات القوى الإقليمية والدولية التي توزع نفوذ السيطرة فيما بينها، خلقت عائقاً إضافياً لأي توافق بين القوى المحلية المتصارعة، ومصير مجهول للحلول السياسية، دون وصول القوى الكبرى لصيغة توافق فيما بينها.
في مقابل ذلك برزت رسائل روسية جديدة تجدها الأوساط السياسية تغييراً في موقفها من التمسك برئيس البلاد بشار الأسد، وأنه أصبح عبئاً ثقيلاً عليها. تزامن ذلك مع تصريحات للمبعوث الأمريكي لسوريا، جيمس جيفري، حول خروج كافة القوات الأجنبية؛ بما فيها الأمريكية والتركية، من الأراضي السورية، الأمر الذي اعتبره متابعون للشأن السوري، تناغم مع الرسائل الروسية، وبالتالي البدء بالحل السياسي وفق مسار جنيف.
الأزمة السورية ومنطقتي إدلب و”شرق الفرات” المتوترتين، والمواقف الروسية والأمريكية الأخيرة، كانت محور حديث شبكة “أوغاريت بوست” الإخبارية، مع الرئيس السباق للمجلس الوطني السوري، جورج صبرا، الذي استبعد اقتحام القوات الحكومية لإدلب، وكذلك إشعال حرب فعلية في شرق الفرات، ورأى أن الرسائل الروسية الأخيرة، منبعه إدراك موسكو بعدم أهلية الحكومة السورية للاستمرار.
وفيما يلي نص الحوار الكامل مع الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري، جورج صبرا:
* بعد 9 سنوات من الأزمة في البلاد .. كيف تقيمون الأوضاع في سوريا بشكل عام لا سيما بعد انحسار العمليات العسكرية ؟
أنها ليست أزمة هي ثورة شعب طال صبره على بغي السلطة وجرائمها، وبعد 9 سنوات من صراع متعدد الأشكال مع النظام وحلفائه مازال الشعب مصمماً على تحقيق اهداف ثورته، بوصول إلى الحرية والكرامة للشعب السوري، سوريا اليوم بلد محتل من عديد من الجيوش الأجنبية، والميليشيات الطائفية، والدولة السورية ومؤسساتها ما زالت محتلة من قبل نظام القتل مع داعميه الإقليميين والدوليين، وتهتك النظام وبوادر تفجره وانهياره أصبحت معلومة، وعلى كل لسان، وعجز القوة الروسية عن إعادة تأهيله يعلنه الروس أنفسهم هذه الأيام، فإذا أضفنا إدانته وتجريمه باستخدام السلاح الكيماوي من قبل اللجان الدولية المختصة، وقانون سيزر الذي سيطبق بدأً من الشهر القادم، وقبل هذا وذاك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصراع داخل طغمة الحكم، يتضح للمراقب أن النظام لم يعد له حياة ودخل خطوات في بداية النهاية، غير أن الغائب الأكبر يبقى الصوت السوري المستقل المعبر عن الشعب، والذي يحمل المشروع الوطني الذي يوحد جهود السوريين، ويكون محل آمالهم ودعمهم وتمثيل إرادتهم، وفي الوقت نفسه يكون شريكاً في تقرير مصير سوريا.
* ما هي قراءتكم للمعطيات الجديدة في إدلب خاصة بعد الخلافات الأخيرة بين القوات التركية وهيئة تحرير الشام (النصرة) وكيف سينعكس ذلك على الواقع الميداني ؟
من الواضح أن المعطيات الإقليمية والدولية لن تسمح للنظام باقتحام إدلب، كي تبقى العملية السياسية ممكنة ومتوجبة، إضافة إلى أهمية تركيا في مسار آستانا ـ سوتشي، وموقعها في السياسة الأمريكية كحليف مهم في الحلف الأطلسي، لا يمكن إدارة الظهر لها، غير أنها ستبقى موضع الضغط الروسي كي تنفذ اتفاق سوتشي، ولا تمضي بعيداً مع السياسة الأمريكية واستراتيجيتها في المنطقة، والدور التركي في إدلب يلقى تفهماً وترحيباً من قبل السوريين الذين يعيشون هناك بأوضاع صعبة، وعلى حافة الخطر، واستناداً لرفض السوريين في المنطقة لهيئة تحرير الشام وسياساتها وتصرفاتها، تبدو الأمور ماضية باتجاه عزم تركي يضع حداً لعبثها، ولإيجاد حل لتحكمها وسيطرتها على الأرض، تنفيذاً لاتفاقها مع الروس وتلبية لإرادة السوريين، ويبدو أن فشل هيئة تحرير الشام في فرض المعبر مؤخراً، والخلافات التي ظهرت على السطح بين مكوناتها وأطرافها مؤشرات على ذلك.
* أوساط سياسية وإعلامية روسية تتحدث عن سيناريوهات محتملة لمستقبل سوريا كيف تقرأ ذلك ؟
هي تعبير عن اكتشاف الروس لعدم أهلية النظام للاستمرار، رغم كل أشكال الدعم الذي تلقاه منها عسكرياً على الأرض وسياسياً في المحافل الدولية ومجلس الأمن، لأنها لا تريد التورط أكثر في عداء السوريين دون طائل، أي أن تكرر ورطة أفغانستان أخرى، وليس بمقدورها إنجاز حل سياسي بعيداً عن التوافق الدولي، بدأت بإرسال إشارات غير مباشرة متعددة الاتجاهات، تحمل رسالة واضحة مفادها إعلان استعدادها للمساومة على مصير النظام، لفتح الباب أمام الحل السياسي، خاصة وأن أرضية الحل متوفرة في القرارات الدولية التي صنعتها إرادة الفاعلين الدوليين ووافق عليها السوريون، وإعاقة الحل لم تعد ممكنة ولا مفيدة لها أيضاً، لكن السؤال يبقى على مدى قدرة روسيا على استدراج هذه المشاركة الدولية ودفع الثمن في هذه الظروف.
* في تصريحات أخيرة للمبعوث الأمريكي إلى سوريا “جيمس جيفري” تحدث عن ضرورة خروج كافة القوات الأجنبية من سوريا بما فيها الأمريكية .. هل يمكن اعتبار ذلك تغيير في الموقف الأمريكي وكيف تفسر هذه التصريحات ؟
إنها إشارة واضحة، بل تعبير قوي عن السياسة الأمريكية ومحور الجهد الرئيس فيها، وهو العمل على مواجهة إيران في المنطقة من أجل لملمة نفوذها وردع استطالاتها الأمنية والميليشياوية التي تكبح إرادة الشعوب في العديد من الدول العربية في العراق، لبنان، اليمن وسوريا وغيرها، وأرى أن فيها تجاوب مبطن مع الرسائل الروسية بشأن النظام ومصيره، والعملية السياسية واستحقاقاتها، لأن الحل السياسي المنشود وفق مسار جنيف يستدعي توفير السلطة لهيئة الحكم الانتقالي، وهو ما يفرض ويفترض خروج جميع الجيوش الأجنبية والميليشيات من الأرض السورية، وهو في الوقت نفسه إشارة لضرورة التغيير وفتح الباب أمام العملية السياسية.
* إدلب وشرق الفرات منطقتي توتر وحرب محملة .. كيف يمكن حل هذه المعضلة وما مصير المحادثات التي كانت تجري بين الحكومة والإدارة الذاتية ؟
العلاقات بين النظام والإدارة الذاتية وحزب الاتحاد الديمقراطي لم تنقطع منذ بداية الثورة، كانت تمر بفترات من التوافق والتعاون وأخرى من التنافس والجفاء، ومثلما حالت الضغوط الأمريكية دون استعادة النظام لمقعده بجامعة الدول العربية، وكبحت اندفاعة بعض الدول العربية للتطبيع معه، فهي تكبح سعي الإدارة الذاتية للتطبيع مع النظام والمصالحة معه، لأن القرار في شرق الفرات أمريكي بامتياز، وهو ما يبرز أيضاً في العلاقة التصالحية التي ظهرت مؤخراً بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ينعكس على الأرض في هذه المنطقة، وهذا أيضاً يخدم السياسة التركية في إدلب وشرق الفرات على حد سواء، من هنا لا أرى فرصة لإشعال حرب فعلية في المنطقتين دون أن يخلو ذلك من تدافع ميداني بين الدول ووكلائهم على الأرض دون أن يصل إلى درجة الانفجار، فالأوضاع الدولية والإقليمية، لا تستدعي ذلك، بل لا تسمح به أيضاً.
حوار: رزان الأيوبي