خلال 17 يومًا من الأسر، شاهدت ليلى محمد أحمد، بلا حول ولا قوة، 10 شابات ينتحرن بعد تعرضهن للاغتصاب من قبل أعضاء في لواء السلطان مراد المدعوم من تركيا.
ونقلت المرأة الكردية البالغة من العمر 63 عامًا من عفرين إلى المونيتور معاناة زميلاتها المعتقلات في مقابلة هاتفية “بعضهم استخدم أحزمة لشنق أنفسهم، أو عن طريق طعن حلوقهم ببعض الأقلام أو أدوات حادة أخرى. فيما لجأت فتيات أخريات الى ضرب رؤوسهن بالحائط حتى الموت”.
قصة ليلى أحمد ليست الوحيدة عبر الأراضي التي تحتلها تركيا، حيث نشأ نمط من العنف والإجرام. يتهم السكان جماعات المعارضة المدعومة من تركيا -التي كانت في السابق مكرسة لقضايا سياسية – بأنها عصابات إجرامية تختطف من أجل المال وتستغل موارد المواطنين لتحقيق مكاسب خاصة بهم.
ومع نزوح الجزء الأكبر من سكانها الاكراد قسراً وتحويلهم إلى أقلية، اصبحت عفرين شاهدا على قتامة المعارضة السورية والتي تحولت من الحماس الثوري إلى الجشع والإجرام، والتي أصبحت مختبر لتجارب تركيا في التغيير الديموغرافي والاستعمار الثقافي، وذلك لمنع أكراد سوريا من إقامة حكمهم الذاتي.
لعل العالم لم يلق بالا عند احتلال عفرين( على العكس من عملية نبع السلام)، حيث قالت الولايات المتحدة بأن هذه المدينة لم تكن ضمن اطار سيطرتها، مما جعل أمريكا عاجزة عن العمل. ربما تكون روسيا، التي تسيطر على الشمال الغربي، قد سمحت لتركيا بغزو عفرين لمعاقبة الأكراد على رفضهم قطع العلاقات مع الولايات المتحدة والخضوع لسلطة الرئيس السوري بشار الأسد.
وقال بسام الأحمد، وهو ناشط سوري في مجال حقوق الإنسان للمونيتور: “العالم أجمع كان ضد عملية نبع السلام، لكن مع عفرين ساد صمت كبير. ما يحدث الآن في عفرين هو تطهير عرقي عميق تستفيد منه تركيا والكتائب مالياً”.
كانت ليلى محمد أحمد محظوظة، حيث أطلق “السلطان مراد” سراحها بسبب كبر سنها و أعيدت إلى عفرين. منزلها في قرية ماتينا يسكنه الآن عربي سوري متزوج من زوجتين و لديه 10 أطفال. تم نقلهم في حافلات من مدينة حمص السورية كجزء من حملة تركيا لتطهير عفرين عرقياً من سكانها الأكراد.
وقالت: “منذ أسبوع تقريباً، عادت صديقة لي كانت محتجزة في الراعي وأخبرتني أن هناك عددًا كبيرًا من النساء والفتيات ما زلن في السجن”.
تتوافق روايتها مع مجموعة الانتهاكات الموثقة في عفرين والأراضي الأخرى التي تحتلها ألوية الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا، بما في ذلك الاغتصاب والخطف والتطهير العرقي وتجنيد الأطفال في غزوات تركيا في ليبيا وأذربيجان.
ترتبط الانتهاكات التي تمارسها هذه الكتائب – من النهب إلى فرض “ضرائب” على السكان الأكراد الأصليين أو الوافدين العرب الجدد إلى المناطق التي تحتلها تركيا – بشكل متزايد بدافع مشترك: الربح.
يستخدم قادة الألوية الأموال التي يتم جنيها من هذه الأنشطة غير المشروعة للاستثمار في العقارات وغيرها من المشاريع المربحة في كل من تركيا وشمال غرب سوريا الذي يسيطر عليه المتمردون.
تقول ميغان بوديت، وهي باحثة مقيمة في واشنطن ومؤسسة “مشروع نساء عفرين المفقودات” للمونيتور، إنها وثقت 135 حالة لنساء ما زلن في عداد المفقودين من أصل 228 حالة من إجمالي حالات الاختطاف المبلغ عنها. وقالت إنه ورد أنه تم الإفراج عن 91 امرأة، بينما قُتلت اثنتان في الحجز.
وقالت سينام محمد، ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في واشنطن وذلك في معرض ردها على تقرير نشرته النيويورك تايمز عن الأوضاع في عفرين “لقد شعرت بالضيق الشديد لأن النيويورك تايمز أعطت صورة جميلة عن الأوضاع في عفرين. انها صورة كاذبة”.
وقالت محمد لـ “المونيتور”: “أعرف ما يجري هناك. يوميا يرتكبون الانتهاكات. اغتصاب الفتيات. تعذيب الرجال حتى الموت. تغيير ديموغرافي”.
تقول الأمم المتحدة وجماعات حقوقية مختلفة إن الانتهاكات التي ارتكبتها الفصائل التابعة للجيش الوطني السوري ترقى إلى مستوى جرائم حرب. ومع ذلك، ووفقًا لأكثر من عشرة مصادر تركية وكردية وعربية سورية قابلها “المونيتور”، فإن النهب والسلب مستمران، وزادت ارباح أمراء الحرب، كما هناك معلومات أن الأتراك المرتبطين بحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا لديهم حصة في تلك الغنائم.
وقال بسام أحمد: “أنهم محميون من قبل تركيا ولولا ذلك لما أقدموا على فعل هذه الأشياء. يحمل معظم كبار قادة الألوية الجنسية التركية”.
لا تمييز
ليس الأكراد فقط هم المستهدفون – العرب السوريون الذين تم جلبهم إلى عفرين من الغوطة الشرقية بعد سقوطها تحت سيطرة النظام يتعرضون لبعض الانتهاكات نفسها. مواطن وصل إلى عفرين في ربيع 2018 يرسم صورة قاتمة للمدينة التي كانت هادئة في يوم من الأيام قال لـ “المونيتور”: “كنت أستأجر منزلاً من شخص كردي، لكن اللواء (أحرار الشرقية) المسيطر على المنطقة طردني”. وأوضح أن “هذا حدث لعشرات العائلات من الغوطة الشرقية الذين طردتهم أحرار الشرقية”.
أبو عمشة
محمد جاسم (ابو عمشة) هو قائد لواء السلطان سليمان شاه، ومقره في عفرين، فأبو عمشة كما هو معروف، هو مثال رئيسي على لعبة التربح من حرب شمال غرب سوريا. لواء سليمان شاه “العمشات”، متورط في انتهاكات حقوقية في عفرين، بما في ذلك عمليات الخطف والتطهير العرقي وإجبار مزارعي الزيتون على دفع حصة للواء من محصولهم.
وقال متشدد من السلطان سليمان شاه طلب عدم ذكر اسمه لـ “المونيتور”: “عندما سيطرت فصائل المعارضة على عفرين، سيطرت فرقة السلطان سليمان شاه على منطقة الشيخ حديد وأقامت مركز قيادتها هناك. قائد الفرقة، أبو عمشة، لا يتلقى أوامر من الجيش الوطني السوري أو وزارة الدفاع [الحكومة المؤقتة للمعارضة السورية ومقرها اسطنبول]، بل ينسق بشكل مباشر مع المخابرات التركية “.
وتؤكد جماعات حقوقية أن الفصائل ساعدت الأجهزة الأمنية التركية في نقل مئات السوريين العرب والأكراد بشكل غير قانوني من المناطق التي تحتلها تركيا إلى تركيا. تمارس الفصائل بشكل روتيني تهديد الناس هناك بالترحيل لكسب المال، حيث يتم تسليم أولئك الذين لا يستطيعون الدفع إلى تركيا.
وتأتي ثروة ابو عمشة المكتشف حديثًا من مصادر متعددة: السيطرة على نقاط التفتيش التي تفرض رسوم عبور للمركبات التجارية، كما أن زيت الزيتون هو مصدر ربح آخر. وأوضح المتشدد “في البداية عمل فصيل السلطان سليمان شاه في عفرين كغيره من الفصائل في المنطقة. قاموا بقطع وبيع أشجار الزيتون، لكنهم غيروا استراتيجيتها مؤخرًا. بدأ عناصر الفصيل بزراعة الزيتون في الأراضي المصادرة من المتهمين بالولاء لقوات سوريا الديمقراطية. ثم فرضوا ضريبة دخل تتراوح بين 25٪ و 50٪ على ملاك الأراضي”. وتابع المتشدد: “لكن قطع الأشجار لم يتوقف بعد حيث قطع أعضاء اللواء الأشجار وبيعها للاستفادة من سعرها. تسمح قيادة الفصيل للأعضاء بالاستفادة بشكل فردي من هامش ربح صغير من أجل ضمان ولائهم”.
وفي تركيا، تشتري تعاونية الائتمان الزراعي الحكومية زيت الزيتون من الكتائب عبر وسطاء ثم تبيعه إلى المنتجين الأتراك الذين يصدرون إلى أوروبا والولايات المتحدة.
وقال أحد مصدري الزيت يدعى علي نديم جوريلي لقناة دويتشه فيله الألمانية “لولا زيتون عفرين لما كنا لنحقق هذا المستوى من الصادرات. في الماضي، كان هذا المنتج يأتي بشكل غير قانوني من عفرين ويباع للمنتجين. الآن المبيعات تتم من قبل الدولة. الآن تأتي غالبية الإنتاج السنوي المقدر بـ 30 ألف طن من زيت الزيتون إلى تركيا. أصبح زيت زيتون عفرين منتجًا تركيًا”.
وبالعودة الى أبو عمشة، فقد استثمر الأخير بعض مكاسبه في أعمال تجارية في تركيا، بحسب مصادر اطلعت عليها المونيتور.
ويقال أنها تشمل العديد من المطاعم وتجار السيارات، قال أحمد رمضان، رئيس تحرير صحيفة الفرات بوست، وهو منفذ معارض سوري مقره اسطنبول، إن ابو عمشة “هو الرقم واحد من حيث الأعمال التجارية في المنطقة”. وقال رمضان، الذي حقق في الأنشطة التجارية للفصائل، لـ “المونيتور”: “العالم بأسره يعلم أنهم يسرقون، فهم يستغلون الحرب ويستفيدون من الأزمة. هم لا يخجلون من ذلك”.
وفي عام 2018، زعمت إسراء خليل، زوجة مقاتل في لواء السلطان مراد التابع للجيش الوطني السوري، في تسجيل فيديو أن ابو عمشة اغتصبها عدة مرات، بما في ذلك تحت تهديد السلاح.
وفي نيسان، نقلت شبكة سورية معارضة، اتهامات وجهت في شريط فيديو لمقاتلي الجيش الوطني السوري بأن ابو عمشة سرق الرواتب التي وعدوا بها للقتال في أذربيجان في حربها ضد أرمينيا.
وتصر سينم محمد على أن الولايات المتحدة يجب أن تصنف كتائب الجيش الوطني السوري التي ارتكبت جرائم حرب كفصائل إرهابية. قالت “إنها خطوة ضرورية. وإلا فلن يتوقفوا”.
لكن بسام أحمد قال إنه يعتقد أن هذا هدف غير واقعي، قائلاً: “أقصى ما يمكن أن نأمله هو أن يتم معاقبة بعض أمراء الحرب هؤلاء بشكل فردي على جرائمهم”.
وأضاف بسام أحمد “حان الوقت لأن تتحرك الولايات المتحدة ضد هذه الجماعات”.
قال متحدث باسم وزارة الخارجية، متحدثًا في هذا السياق، لـ “المونيتور”: “تشعر الإدارة بالقلق إزاء التقارير المستمرة التي تفيد بأن بعض عناصر الجيش الوطني السوري قد انتهكوا قانون النزاع المسلح و انتهكوا حقوق الإنسان في شمال سوريا. نواصل حث تركيا على الضغط على جماعات المعارضة المدعومة من تركيا لوقف انتهاكات حقوق الإنسان، ومحاسبة الجناة، واتخاذ خطوات لمنع أي انتهاكات من هذا القبيل في المستقبل”.
المصدر: موقع المونيتور الأمريكي
ترجمة: أوغاريت بوست