أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – في ظل ما تعيشه المناطق السورية التي تسيطر عليها القوات التركية وفصائل المعارضة الموالية لها في شمال سوريا من فوضى وفلتان أمني وتصاعد في الجرائم والسرقات والانتهاكات بحق المواطنين المدنيين، سلط تقرير لمنظمة دولية الضوء على الأوضاع الأمنية في هذه المناطق والتي أكدت أن المدنيين “يواجهون أوضاعاً مزرية في المنطقة الآمنة التي تحتلها تركيا”.
“المناطق التي تحتلها تركيا في سوريا غير آمنة”
وفي تقرير صدر يوم الخميس، 28 آذار 2024، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن ما تدعيها تركيا “المنطقة الآمنة” في شمال غرب سوريا تشهد ظروفاً مزرية، في الوقت الذي تقوم السلطات التركية بترحيل آلاف السوريين والضغط عليهم لمغادرة تركيا نحو منطقة تل أبيض التي تحتلها تركيا في ظل ظروف إنسانية مزرية.
وأشارت المنظمة في تقريرها، أنه ما بين كانون الثاني/يناير و حزيران/يونيو 2023، نشرت إدارة معبر تل أبيض الحدودي أرقاماً للعائدين من تركيا إلى سوريا، من اللاجئين السوريين، كما أن تركيا أكدت أن عمليات عودة اللاجئين السوريين من أراضيها تجري في إطار “العودة الطوعية”، بينما يتم اعتقال اللاجئين وترحيلهم بشكل قسري.
“عمليات الترحيل بحق السوريين في تركيا قسرية وخطيرة”
وجاء في التقرير، أن نائب مديرة الشرق الأوسط في المنظمة، آدم كوغل، قال أن السلطات التركية ترحل السوريين قسراً إلى ما تدعيها “المنطقة الآمنة” وهذه العودة محفوفة بالمخاطر، حيث أن تركيا تعهدت بإنشاء “منطقة آمنة” وهذا يبقى بلا معنى، حيث أن السوريين في تركيا باتوا مجبرين على القيام برحلات خطيرة هرباً من الظروف اللاإنسانية في تل أبيض.
ولفتت المنظمة إلى أنه في الفترة الممتدة ما بين كانون الثاني/يناير و كانون الأول/ديسمبر رحل 57.519 سورياً، منهم 16.652 شخصاً رحلوا عبر معبر تل أبيض، وأشارت المنظمة إلى أن الأرقام الحقيقية غير تلك التي هي موجودة في بيانات المعابر التي تسيطر عليها أنقرة، وذلك يعود للضغط التركي على موظفي المعابر لعدم نشر الأرقام الحقيقية.
“عمليات الترحيل القسرية تصاعدت في 2023”
ونوهت “رايتس ووتش” إنه خلال 2023، صعدت تركيا من عمليات الترحيل القسرية إلى مناطق يسيطر عليها “الجيش الوطني” إلى مناطق تمتد بين محافظتي الحسكة والرقة، فيما أجبرت العمليات العسكرية التركية على تهجير مئات الآلاف من المدنيين من منازلهم.
ووصف التقرير بناء تركيا للمنازل في ما تدعيها “منطقة آمنة” في “الأراضي المحتلة” لاستيعاب ما يصل لمليون سوري يعيشون في تركيا بأنه “انتهاك حقوقي خطير وجرائم حرب محتملة”، وهو ما ترتكبه جماعات محلية مسلحة مدعومة من أنقرة في هذه المناطق الخارجة عن القانون وغير الآمنة، وأشارت المنظمة إلى أن أفراد من القوات العسكرية التركية ومخابراتها متورطة في هذه الجرائم ومشرفة عليها.
“المرحلين قسراً أغلبهم يملكون أوراق الحماية المؤقتة سارية المفعول”
ونقلت “رايتس ووتش” بأنها قابلت 7 من المرحلين قسراً إلى تل أبيض، وباحثاً حقوقياً و مسؤولاً في معبر حدودي، ورئيس منظمة محلية في تل أبيض، وصحفيا، وأكدوا بأن المرحلين يحملون تصاريح حماية مؤقتة عندما كانوا يعيشون في تركيا، وهو ما يفترض أن يؤمن لهم الحماية من العودة القسرية، إلا أنهم أجبروا على تعبئة استمارات العودة قسراً، وأكدوا أنهم من مناطق سورية أخرى وليس لهم أي علاقة بتل أبيض.
كما تحدث أحد المرحلين عن اعتقاله من قبل الشرطة التركية بعد كارثة الزلزال الذي فقد فيها عائلته، والمعاملة السيئة التي كان يتعرض لها وإعادته قسراً على الرغم من وجود بطاقة حماية مؤقتة سارية المفعول لديه، فيما أكد جميع المرحلين الذين قابلتهم المنظمة أن عودتهم كانت قسرية، بينما انفصل البعض عن عائلاتهم الذين باتوا في ولايات تركية أخرى وهم تمت إعادتهم قسراً إلى سوريا.
ولفتت إلى أن هناك استغلال من قبل المهربين للمرحلين قسراً، حيث أنهم يحصلون على مبالغ مالية كبيرة لقاء إعادتهم إلى الأراضي التركية مرة أخرى.
“أوضاع مزرية للمرحلين قسراً في المناطق غير الآمنة”
وأكدت المنظمة الدولية بأن هناك أعداد كبيرة من المهجرين قسراً ينامون في ظروف مزرية لعدم وجود مساحات كافية في نقاط استقبالهم، وبعضهم ينامون في الشوارع، مع تعذر للكثيرين بالوصول إلى مناطق سورية أخرى بسبب المبالغ الكبيرة التي يطالبها المهربون لإدخالهم.
وكشف التقرير أن “وكالات أممية نظمت 3 بعثات إنسانية عبر خط التماس لمدة يوم واحد في منطقتي رأس العين وتل أبيض منذ تشرين الأول/أكتوبر 2022، وشارك في العملية وكالات أممية أخرى لتقديم المساعدات الإنسانية محدودة بشكل مباشر وإجراء تقييمات للاحتياجات الإنسانية.
“تركيا ملزمة كسلطة احتلال ووفق القانون بحماية المدنيين”
ووصفت منظمة “أطباء بلا حدود” الوضع الإنساني هناك بـ”المثير للقلق” في يونيو/حزيران 2023. قال عامل الإغاثة والعديد من المرحّلين الذين قابلناهم إنهم لم يحصلوا على أيّ مساعدات من تركيا أو السلطات المحليّة.
وأكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، بأن تركيا كونها “سلطة احتلال” فهي ملزمة بالحفاظ على القانون والنظام والحياة العامة، وحماية السوريين من العنف مهما كان مصدره، ويقع على عاتق تركيا التزامات بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان لضمان عدم ارتكاب مسؤوليها ومن هم تحت قيادتهم انتهاكات للقانون الدولي، والتحقيق في الانتهاكات المزعومة، وضمان معاقبة المتورطين فيها بشكل مناسب.
“تركيا ملزمة وفق القوانين بعدم ترحيل أي لاجئ قسراً”
كما أن تركيا ملزمة وفق “الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان”، و”العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، و”اتفاقية اللاجئين” لعام 1951. ووفقا للقانون العرفي الدولي، باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية – الذي يحظر إرجاع أي شخص إلى مكان قد يواجه فيه حقا خطر التعرض للاضطهاد أو التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو تكون فيه حياته مهدّدة.
ويمنح “القانون التركي رقم 6458 المتعلق بالأجانب والحماية الدولية”، الصادر في أبريل/نيسان 2013، السوريين “حماية مؤقتة في تركيا، مع ضمان عدم إعادتهم قسريا، وضمان بقائهم حتى يتحقق الأمان في بلدانهم الأصليّة”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقاريراً تسلط الضوء على انتهاكات وجرائم ترتكب بحق المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها في الشمال السوري، من بينها جرائم بدافع عنصري ضد المكون الكردي، تحت إشراف ومشاركة القوات العسكرية التركية، وهو ما يرتقي لجرائم حرب وضد الإنسانية.
إعداد: ربى نجار