لقد أظهر مناظرة الرئاسة الأمريكية الأسبوع الماضي بوضوح أن نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب ينظران إلى العالم بشكل مختلف – وبالتالي، فإن مقترحاتهما السياسية لا يمكن أن تكون أكثر اختلافًا عن بعضها البعض. هذا هو الحال بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية.
قال السيد ترامب إن هدفه هو إنهاء الحروب – وليس إدارتها. واتهم السيدة هاريس – وبالتالي الرئيس جو بايدن – بالضعف المتأصل الذي مكن، وفقًا له، من اندلاع حربي أوكرانيا وغزة في المقام الأول.
وأكدت السيدة هاريس انحيازها إلى سياسة السيد بايدن في تعزيز وحدة الناتو من خلال الحفاظ على الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا حتى هزيمة روسيا، بغض النظر عن التكلفة التي تتحملها الولايات المتحدة. باختصار، يتلخص نهجها في دعم استمرار حرب أوكرانيا حتى تحقيق النصر.
رفض السيد ترامب معادلة النصر والهزيمة، مدعيًا أنها لا تخدم مصالح الولايات المتحدة. وبدلاً من ذلك، دعا إلى إنهاء الحرب من خلال صفقة. قال إنه لا يريد أن تدفع الولايات المتحدة ثمن مشاكل الآخرين، وتنفق مليارات الدولارات التي يمكن استخدامها بشكل أفضل لمعالجة القضايا المحلية مثل التضخم. وهذا، بلا شك، سيجد صدى لدى الناخبين.
الاختلاف في مواقفهما بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يقل وضوحًا.
تدافع إدارة بايدن-هاريس عن العمل نحو “وقف إطلاق النار” كخطوة حاسمة في معالجة حرب غزة، بينما يعتقد السيد ترامب أن دعم إسرائيل في محاولتها “إنهاء المهمة” بتدمير حماس هو النهج الضروري. هذا التمييز هو المفتاح: وقف إطلاق النار يتماشى مع سياسة الاحتواء والتدرج، في حين يشير إنهاء الحرب إلى تأمين حل فوري، سواء من خلال الوسائل العسكرية أو صفقة مفروضة دون تنازلات مجزأة. ومع ذلك، قدم السيد ترامب القليل من التفاصيل.
إذا كان هناك شيء واحد يدعمه السيد ترامب وإدارة بايدن-هاريس، فهو صفقة كبرى بين إسرائيل والعالم العربي.
إن الفارق يكمن في اعتقاد السيد ترامب بأنه يمتلك الأدوات اللازمة لتحقيق هذه الصفقة من خلال تعزيز اتفاقيات إبراهيم، مع تهميش حرب غزة وعواقبها. وعلى النقيض من ذلك، يرى فريق بايدن-هاريس أن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة هو المفتاح لمثل هذه الصفقة الكبرى، مع تمهيد الطريق لحل الدولتين، الذي تعتبره القوى العربية الرئيسية ضروريًا لموافقتها على أي صفقة كبرى.
لقد تعهدت كلتا الحملتين بدعم ثابت لإسرائيل تحت راية “الحق في الدفاع عن النفس” وتعتبر حماس منظمة إرهابية. يرفض السيد ترامب التعامل مع المجموعة تحت أي ظرف من الظروف، في حين فوضت إدارة بايدن شركاء عربًا للتفاوض معها. يسعى السيد ترامب إلى القضاء على حماس ولن يضغط على إسرائيل لقبول أي بديل. من ناحية أخرى، يعتقد فريق بايدن أن القضاء على حماس أمر مستحيل.
ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بإيران، فإن الانقسام بين المرشحين أكثر وضوحًا. يرفض السيد ترامب التعامل مع طهران ما لم تستوف شروطه، معتمداً على مبدأ إفلاسها من أجل إضعاف قدرتها على دعم حماس وحزب الله والحوثيين وقوات الحشد الشعبي.
لكن إدارة بايدن تتعامل مع إيران من خلال الاسترضاء وتسعى إلى الدخول في صفقات مماثلة لتلك التي أبرمها الرئيس السابق باراك أوباما. تسمح هذه الاستراتيجية، وفقاً لمعسكر بايدن، باحتواء إيران ووكلائها من خلال الدبلوماسية بدلاً من الإفلاس من خلال العقوبات.
خلال المناظرة، منذ اللحظة التي صافحت فيها السيد ترامب، حرصت السيدة هاريس على تمييز نفسها عن السيد بايدن والرئيس السابق. وأكدت للناخبين أنها امرأة مستقلة، وليست مجرد تابعة للسيد بايدن، على الرغم من كونها نائبة الرئيس. كما سعت إلى نفي أي فكرة مفادها أنها ستواصل ببساطة سياسات رئيسها.
ولكن التحدي الذي يواجه إدارة بايدن-هاريس يتمثل في ضمان قدرتها على تأمين الفوز على الساحة العالمية، وخاصة في الشرق الأوسط، نظرا لقرب موعد الانتخابات. وهنا تتمتع هاريس بميزة: ففي نهاية المطاف، فإن السيد بايدن ــ وليس السيد ترامب ــ هو القادر على إحداث التغيير بحكم احتلاله للبيت الأبيض.
على سبيل المثال، تحاول الإدارة الحالية فصل لبنان عن غزة، في حين تعمل على إقناع إسرائيل بعدم تفعيل جبهتها الشمالية لأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى حرب إقليمية أوسع نطاقا. وهي تحاول أيضا إقناع إسرائيل بعدم تحويل الضفة الغربية إلى غزة أخرى، لأن هذا ليس في مصلحة إسرائيل أو الولايات المتحدة، مع العلم أن مثل هذه السياسة من شأنها أن تقوض صفقات السلام الأوسع نطاقا التي تسعى إليها القوى العربية الرئيسية. ومن وجهة نظر الإدارة، فإن هذه الصفقات هي التي من شأنها أن تضمن أمن إسرائيل، وليس العكس.
السؤال إذن هو ما إذا كانت هذه مجرد آمال، أم أن هناك في الواقع عناصر من الصفقات التي يجري التفاوض عليها بهدوء مع مختلف أصحاب المصلحة.
المصدر: صحيفة ذا ناشيونال
ترجمة: أوغاريت بوست