أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – قال المعارض السوري د. برهان غليون، إن المشهد في سوريا مأساوي لأن البلاد تحولت إلى مسرح لتصفية الحسابات بين الدول الاقليمية والعالمية، وإعادة تقاسم النفوذ والمكاسب فيه، مشيراً إلى أن المستفيد من الأزمة السورية “جميع الدول المشاركة في هذه المذبحة المنظمة لسورية الدولة والوطن والشعب”.
وأجرت شبكة أوغاريت بوست حواراً خاصاً مع الأكاديمي والمعارض السوري د. برهان غليون الرئيس الأول للمجلس الوطني السوري، عبر شبكة الانترنت بخصوص التطورات الاخيرة التي تشهدها سوريا، والمراحل التي مرت بها ودور المعارضة السورية والدول المتدخلة في الأزمة.
وأكد برهان غليون أنه “لم توجد معارضة سياسية منظمة وحية تستحق هذا الاسم في سورية، لا قبل الثورة ولا بعدها”، كما تطرق إلى “إخراج دولتي إيران وتركيا من القسمة أو إضعاف موقفهما أكثر ما يمكن لحساب روسيا وأمريكا وإسرائيل”.
وأوضح أن الاتفاقات بين واشنطن وأنقرة بخصوص شمال وشرق سوريا وكذلك اتفاقات إدلب بين اسطنبول وروسيا عبارة عن “ترضيات وتسويات تكتيكية في انتظار الحسم في مرحلة قادمة”، مؤكداً أن موسكو ستستمر في “قضم المواقع التي تحتلها المعارضة، بتطبيق سياسة الأرض المحروقة، لفرض إرادتها وإجبار السوريين على القبول بتأهيل النظام القائم، بوجود الأسد أو من دونه.
وفيما يلي نص الحوار الكامل الذي أجرته شبكة أوغاريت بوست الإخبارية مع د. برهان غليون:
1- كيف تصفون المشهد في سوريا بعد ثمان سنوات من الأزمة والصراع، وماذا حقق الشعب السوري خلال هذه السنوات ؟
مأساوي بالمعنى الحرفي للكلمة لأن البلاد تحولت إلى مسرح لتصفية الحسابات بين الدول الاقليمية والعالمية الطامحة إلى السيطرة على الشرق الاوسط، وإعادة تقاسم النفوذ والمكاسب فيه.
أما خسائر الشعب السوري فهي لا تحصى، ربما أكثر من مليون شهيد، وضعف ذلك من الجرحى والمعطوبين ومئات الألوف من المختطفين المخفيين، و13 مليون من النازحين واللاجئين الذين هجروا من مدنهم وقراهم ولا يزالوا يهجرون حتى اليوم، ويعيشون في شروط لا إنسانية تحت تهديد العنصرية والابعاد من بلاد اللجوء أو في العراء تحت أشجار الزيتون في الشمال السوري، ودولة مفلسة سياسياً واقتصادياً ومعنوياً، واقتصاد مافيوي قوامه سلب المواطنين ما تبقى لهم من أرزاق ونهب موارد البلاد وتهريب المخدرات والأسلحة وسوق الأعضاء البشرية.
2- كيف تقيمون دور الدول المتدخلة في الأزمة السورية، ومن هو المستفيد من استمرار أزمة الشعب السوري ؟
ماذا يمكن للتدخل الاجنبي أن يفعل في بلد مستقل سوى نزع سيادته عنه وتقرير مصيره في مكان شعبه، وهذا ما لا يمكن أن يقبله شعب حر. أما المستفيد من ذلك فهو جميع الدول المشاركة في هذه المذبحة المنظمة لسورية الدولة والوطن والشعب.
3- أين هي المعارضة السورية بجميع تشكيلاتها السياسية والعسكرية في المعادلة السورية اليوم ؟
متى وجدت المعارضات بالمعنى الحقيقي للكلمة في الأنظمة الشمولية، التي تقتل على الشك وتشن حرباً استباقية على المجتمع كي تطهره يومياً من عناصر “الشغب” والاحتجاج، بل تمنع عليه حق التعبير البسيط ليس عن الاختلاف في الرأي مع الحكم فحسب وإنما تعدد الرأي داخل مؤيدي الحكم ذاتهم؟ لم توجد معارضة سياسية منظمة وحية تستحق هذا الاسم في سورية، لا قبل الثورة ولا بعدها.
كانت هناك شخصيات ومجموعات صغيرة تجمعها عقيدة أو رؤية واحدة لكنها معزولة تماما ومقطوعة عن الشعب بالعنف اليومي والملاحقة والاغتيال والاعتقال والترويع، والخضوع لدين واحد هو دين عبادة الشخصية وتقديس الرئيس كما لو كان رباً وليس انساناً طبيعياً.
وقد أنتجت الثورة بعض المؤسسات التي ولدت من رد الفعل على العنف العاري والهمجي للنظام، وهي المجموعات المسلحة التي ظهرت بصورة عفوية في مناطق متعددة للدفاع عن أحيائها وقراها وأسرها في البداية، وما كان هناك أي تواصل فيما بينها، ولم تخضع وما كان من الممكن ان تخضع لقيادة سياسية موحدة، ولم توجد مثل هذه القيادة إلا كمحاولة يتيمة خلال تأسيس المجلس الوطني السوري. وعندما ولد كانت الدول قد تلقفت العديد منها واستخدمتها لتحارب المجلس الوطني الذي أراد ان يمثل قيادة سياسية مركزية أو موحدة للثورة. ومنذ ذلك الوقت لم تعد هناك مؤسسة معارضة سورية مستقلة لديها نفوذ أو سلطة على الفصائل أو حتى على الجمهور الثائر.
4- ماذا قدمت الجنيفات والآستانات وبقية المنصات والمسارات للشعب السوري ؟
لا شيء للسوريين لأن هدفها ووظيفتها لم يكونا مساعدة السوريين على الخروج من المحنة وإنما استثمارها من قبل الدول المتنافسة المتعددة لتحقيق أجنداتها الخاصة. أما الأمم المتحدة التي رعت مشروع جنيف فقد حيدت تماماً. وهذا ما لم يخفه يوما الأمين العام للأمم المتحدة، والذي جسده التعطيل الدائم لقرارات مجلس الأمن من قبل هذه الدول أو أكثرها. ولا تزال هذه وظيفة المؤتمرات في جنيف وآستانا وسوتشي وخارجها أيضا. وهي لا تمت بصلة لمسألة الانتقال السياسي الذي نصت عليه هذه القرارات والمنظمات التابعة لها.
5- إدلب وشرق الفرات هي أكثر المناطق الساخنة في سوريا الآن، كيف تقرأون مستقبل هاتين المنطقتين ؟
كما ذكرت في حديث سابق ما تهدف إليه المعارك التي تستعر في هذه المرحلة من تطور الصراع على سورية، والتي يدفع ثمنها الشعب السوري من دم أبنائه وخراب عمرانه، هو إخراج دولتي إيران وتركيا من القسمة أو إضعاف موقفهما أكثر ما يمكن لحساب روسيا وأمريكا وإسرائيل.
والاتفاقات الجانبية في شمال وشرق سورية بين الأمريكيين والترك وفِي ادلب بين اسطنبول وروسيا عبارة عن ترضيات وتسويات تكتيكية في انتظار الحسم في مرحلة قادمة.
6- هل تعتقدون أن مساعي روسيا وتركيا وإيران في تشكيل اللجنة الدستورية ستنجح، وسوف تؤتي بثمار أم أن الحل يجب أن يكون عبر جنيف والأمم المتحدة؟
في اعتقادي، لن يخرج من المداولات الدولية أي حل يحقق الحد الأدنى من تطلعات الشعب الذي ما يزال يضحي منذ ما يقارب العقد من السنوات من دون حساب. لن يقبل الروس أي حل تفاوضي يفضي إلى فتح ثغرة تهدد بقاء نظام الاستبداد والقمع الشمولي القائم، وتحمل إمكانية خروج سورية والسوريين عن السيطرة. وسوف تستمر موسكو في قضم المواقع التي تحتلها المعارضة، بتطبيق سياسة الأرض المحروقة، لفرض إرادتها وإجبار السوريين على القبول بتأهيل النظام القائم، بوجود الأسد أو من دونه. ولن يتجاوز المجتمع الدولي والغرب الديمقراطي في موقفه من موسكو سقف العقوبات والضغوط الاقتصادية والدبلوماسية، كما أعاد تذكيرنا بذلك منذ أيام المبعوث الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط جيمس جيفري في حديثه الأخير للصحافة (الشرق الأوسط 22 آب 2019). وأكثر ما يمكن توقعه من هذا المسار السياسي الذي لم يعد يعرف رأسه من ذنبه، هو قيادة البلاد نحو ما يسمى بـ “انتخابات نزيهة” تحت إشراف الامم المتحدة، لن ينتج عنها سوى التجديد الكاريكاتوري لشرعية الحكم الديكتاتوري وسلطته الزائفة، ولربما وضع بديل للأسد أكثر انقياداً وتبعية للقوى المحتلة.
7- أين يكمن حل المعضلة السورية ؟ وما هو شكل نظام الحكم المناسب لسوريا المستقبل برأيكم ؟
لن تنتهي المعضلة السورية كما تقول إلا من خلال تشكيل قوة سورية مستقلة تحمل على عاتقها الدفاع عن قضية الشعب امام الدول المحتلة وفي المحافل الدولية وفي الميدان، على الأرض السورية. وحتى تكون على قدر كبير من الصدقية والفاعلية ينبغي أن تحظى أولا بدعم قطاعات كبيرة من الرأي العام السوري، وتظهر شعوراً عميقاً بالمسؤولية تجاه شعبها وتجاه المسائل الإقليمية والدولية. أما ما تعلق بنظام الحكم فلم يعد موضوع نقاش لا في سورية ولا في أي بلد من البلدان العربية، بل من بلاد العالم، بعد سلسلة الثورات السياسية وانتفاضات الربيع العربي التي لا تزال ريحها تعصف حتى اليوم، وبعد الانتقالات السياسية الناجحة في تونس والسودان. بل لم يعد هناك اختيار لأحد في هذا الموضوع إذ لن يستطيع أحد بعد اليوم أن يقنع شعباً بأن من الأصلح له والأفضل البقاء تحت وصاية أسرة ملكية مطلقة الصلاحيات أو ديكتاتورية دموية أو حكومة إبادة جماعية على الطريقة الأسدية.
حوار: بهاء عبد الرحمن