أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – فشل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال الأشهر الماضية من أخذ الموافقة الدولية لشن هجوم جديد على مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية” رغم المحاولات الكثيرة منها السفر إلى الدول العربية والولايات المتحدة وروسيا وإيران والصين وإسرائيل، لكن دون جدوى.
الرفض الدولي لم تمنع أنقرة من مواصلة الجهود للحرب
الرفض الدولي لهذه العملية دفع بالرئيس التركي لإيقافها، لكن مع استمرار التصريحات التهديدية التي تراجعت نبرتها من تلقاء نفسها، وبعدها جاء الحديث عن إعادة تطبيع العلاقات بين حكومة الرئيس التركي أردوغان والحكومة السورية في دمشق، وقيل حينها أن الهدف الأساسي من ذلك هو “محاربة قوات قسد” كون إضعاف هذه القوات أو القضاء عليها هو هدف مشترك روسي تركي إيراني وللحكومة السورية.
تبديل بالجهات المسيطرة على خطوط التماس
تركيا ومع غياب التهديدات لهذه المنطقة من الشمال السوري، كانت تعمل بشكل حثيث لتهيئة الأجواء لشن عملية عسكرية ضدها، تكون كدعاية انتخابية للرئيس التركي ترفع من شعبيته المنهارة قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو 2023، وتجلت هذه المساعي بداية بتبديل الجهات المسيطرة على خطوط التماس مع قسد، من حيث نقل “هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة” و “حراس الدين” و “أحرار الشام” وهي منظمات مرتبطة بالقاعدة، وتسليمهم خطوط النار التي كانت تسيطر عليها فصائل “الجيش الوطني”.
وخلال عشرات التقارير أكدت قوات “قسد” ان “النصرة وحراس الدين وأحرار الشام” تسلموا المناطق التي تعتبر كخطوط تماس في أرياف عفرين وعين العرب وريف حلب الشمالي ورأس العين وتل أبيض ، وباتوا على خط النار مع قواتها، ورجحت قسد بأن تكون الخطوات الأخيرة في الشمال السوري هو لاستخدام تلك الجهات بشن أي هجوم عليها، عبر الادعاء بأنهم “معارضة معتدلة”، وهو الأمر الذي حذرت منه روسيا قبل شهر تقريباً.
“انفجار اسطنبول” هل تكون حجة الحرب على قسد ؟
وبما أن الميدان أصبح جاهزاً، فكان لا بد من إيجاد ذريعة أو حجة يتخذها الرئيس التركي لشن هجوم جديد على الأراضي السورية، فجاء تفجير اسطنبول، الذي حصل يوم الأحد، في منطقة التقسيم بقلب الولاية التركية، والذي قتل فيه 8 أشخاص وجرح العشرات، جراء تفجير عبوة ناسفة قيل أن فتاة من “الجنسية السورية” زرعتها وتلقت تدريباتها على يد “قوات سوريا الديمقراطية”.
تناقضات بالرواية التركية.. وقسد تنفي صلتها
تساؤلات عدة ظهرت حيال الرواية التركية، التي سرعان ما اتهمت فتاة “سورية الجنسية” وأنها جاءت من مدينة عين العرب “كوباني” ودخلت عفرين التي تسيطر عليها القوات التركية وفصائل المعارضة ومن ثم دخلت تركيا بطريقة غير شرعية ومن ثم تمكنت من السفر إلى اسطنبول والمكوث هناك لأيام قبل تنفيذ العملية.
محللين سياسيين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي لم يقتنعوا كثيراً بالرواية الرسمية التركية، مشيرين إلى أن فيها الكثير من التناقضات، منها “الفتاة.. ملامحها لا تشبه ملامح المجتمع السوري وهي أقرب للملامح الأفريقية والصومالية”، وكيف لمنفذة تفجير أن تمكث في شقة ومكان مكشوف وكأنها تنتظر الاعتقال.
كما لو تم الافتراض بأن الرواية التركية صحيحة، فكيف لم يتمكن الأمن والاستخبارات التركية من كشف هذا المخطط، الذي قد يدل على “الفساد أو ضعف الإمكانات بالنسبة لدولة بحجم تركيا”.
الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية بدورهما نددا بالتفجير الذي حصل في أسطنبول، واصفين إياه “بالإرهابي”، مطالبين بلجنة تقصي حقائق دولية للكشف عن الحقائق للرأي العام التركي والعالمي، كما أشاروا إلى أن تركيا تريد أخذ هذا التفجير الذي يحمل بصمات الاستخبارات التركية نفسها كذريعة لشن هجمات جديدة على الشمال السوري. خاصة وأن الرئيس التركي بعد الانفجار بساعات سافر للمشاركة في قمة العشرين في إندونيسيا، حيث جعل من هذا الملف محل نقاش مع قادة العالم.
أردوغان حمل ملف تفجير اسطنبول لقمة العشرين
ومن المؤكد أن الرئيس التركي سيحاول إقناع قادة العالم وخاصة رئيس الولايات المتحدة المشارك في القمة، باتخاذ إجراءات عسكرية ضد الشمال السوري، كون هذه المناطق تهدد الأمن القومي التركي بحسب ما تعتبره وتقوله تركيا.
يشار إلى أن حزب العمال الكردستاني بدوره نفى أي صلة له بالتفجير في اسطنبول، وأوضح الحزب أن عملياته العسكرية دائماً تتركز على المواقع العسكرية والأمنية.
من المستفيد ؟
وبالنظر إلى مجمل الأحداث التي حصلت ولسرعة كشف الأمن التركي لملابسات التفجير واعتقال العشرات من بينهم المنفذة والعقل المدبر، فإنه يتضح بأن التحالف الحاكم في تركيا “حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية” هما المستفيدان من التفجير، فمن جهة يتم صرف النظر عن المشاكل والأزمات التي يعاني منها المجتمع التركي.
كما أن إلصاق التهمة بالسوريين قد يؤدي فيما بعد لتسريع عمليات الترحيل للاجئين السوريين على أراضيها، إضافة لامكانية أخذ الضوء الأخضر في شن أي عملية عسكرية جديدة على الأراضي السورية يتخذها هذا التحالف الحاكم كدعاية إعلانية لتقوية شعبيتهم أمام المعارضة التركية التي من الممكن أن تظفر بالحكم.
هل التفجير جاء نتيجة خلافات سياسية ؟
وكان للبعض من المتابعين والمحللين السياسيين رأي آخر، رجحوا خلاله بأن يكون هذا الانفجار في مدينة مثل اسطنبول ذات الكثافة السكانية، هي نتيجة منافسة سياسية بين الحزب الحاكم و الأحزاب المعارضة، خاصة بعدما شهدته اسطنبول من منافسة شرسة على رئاسة بلديتها خلال انتخابات البلديات في 2019.
وجاء التفجير بعد يومين من طلب القضاء التركي، بسجن رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو لمدة عام و3 أشهر على الأقل بعد محاكمة بتهمة “إهانة” أعضاء المجلس الأعلى للانتخابات، سبق ذلك اتهام المرشح المحتمل للرئاسة التركية كمال كليشدار أوغلو بنشر أخبار كاذبة.
إعداد: ربى نجار