لم يقتصر الأمر على رفض بوتين الاستجابة السريعة لطلبات الحصول على المزيد من الغاز فحسب، بل وزاد من مضايقاته لأوكرانيا بحشد 80 ألف جندي بالقرب من الحدود، وتعاون مع موكله في بيلاروسيا لتأجيج أزمة المهاجرين في بولندا ودول البلطيق.
قامت إدارة بايدن هذا الأسبوع بإظهار تضامن علني مع أوكرانيا، عندما استضاف وزير الخارجية أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا في واشنطن. لكنها ترفض فعل الشيء الوحيد الذي تعتقد الحكومة الأوكرانية والكونغرس أنه قد يحرم بوتين من استخدام سلاح آخر ضد شركاء أمريكا الأوروبيين: وقف استكمال خط أنابيب نورد ستريم 2.
قال كوليبا خلال زيارته لوزارة الخارجية: “ما يتكشف في أوروبا الآن هو أمر معقد للغاية به عناصر كثيرة”، مضيفًا أن “بوتين يستخدم الهجمات الإلكترونية وحملات التضليل لزعزعة استقرار أوروبا. في هذه اللعبة المعقدة، علينا أن نظل يقظين، علينا أن نكون مرنين”.
أصبحت الاعتداءات الروسية الأخيرة إشكالية للغاية، حيث أرسل الرئيس بايدن مدير وكالة المخابرات المركزية إلى موسكو الأسبوع الماضي لإبلاغ بوتين بمخاوف الحكومة الأمريكية شخصيًا. جزء من الرسالة كان تحذيرًا لروسيا من استخدام صادرات الطاقة كسلاح سياسي ضد أوروبا.
لا يحتاج بوتين إلى خط الأنابيب الجديد لبيع الغاز، إنه يريدها فقط كأداة أخرى للسيطرة على جيرانه، والعديد منهم من حلفاء الناتو.
في ظل هذه البيئة، لماذا تسمح إدارة بايدن بتشغيل خط أنابيب نورد ستريم 2؟ خلال جلسة الاستماع في كانون الثاني، شهد بلينكن أن إدارة بايدن كانت “مصممة على بذل كل ما في وسعنا لمنع هذا الإكمال”. منذ ذلك الحين، فشل فريق بايدن في تحقيق هذا الوعد.
في شباط، فرضت إدارة بايدن عقوبات على سفينة أنابيب واحدة ومالكها، على الرغم من أن كليهما قد عوقب بالفعل. بعد ذلك، في ايار، تنازلت الولايات المتحدة عن العقوبات المفروضة على الشركة المسؤولة عن المشروع، نورد ستريم 2 إيه جي، ورئيسها التنفيذي. دافع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان عن الإعفاءات على أساس أنها كانت “شركة سويسرية”، وهو ما وصفه مدققو الحقائق بأنه مضلل بالنظر إلى أنها مملوكة بالكامل لشركة غازبروم، مجموعة الطاقة الروسية المملوكة للدولة.
أفاد صحفيون في واشنطن بوست أن البيت الأبيض نقض بلينكن فيما يتعلق بالعقوبات. في حزيران، وصف بلينكن استكمال خط الأنابيب بأنه “أمر واقع”. في تموز، أصدرت الولايات المتحدة وألمانيا “بيانًا مشتركًا” وعدت فيه ألمانيا بمحاولة إقناع روسيا بعدم استخدام الطاقة الفائضة التي أنشأتها نورد ستريم 2 لخفض صادراتها عبر أوكرانيا – وهي خطوة يمكن أن تشل اقتصاد أوكرانيا.
قد يكون خط الأنابيب “أمرًا واقعًا” للبيت الأبيض، لكن المشرعين الأمريكيين لم يستسلموا لذلك. في أواخر ايلول، أقر مجلس النواب تعديلًا من الحزبين لقانون تفويض الدفاع الوطني من قبل النائبين مارسي كابتور ومايكل ماكول والذي يتطلب من إدارة بايدن معاقبة جميع الشركات المرتبطة بنورد ستريم.
ومن جهته قال السيناتور جين شاهين للصحيفة : “لطالما عارضت خط أنابيب نورد ستريم 2 وما زلت أعارضه اليوم. تعديلي من الحزبين لمشروع قانون الدفاع السنوي يتطلب الشفافية من الإدارة بشأن بيانها المشترك مع ألمانيا”.
لكن الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، على الرغم من معارضتهم لخط الأنابيب من حيث المبدأ، هم أقل استعدادًا لتقييد أيدي الإدارة.
تبدو الحجة ضد العقوبات منطقية من حيث الشكل. من نحن في الولايات المتحدة لنقول لألمانيا أنها لا تستطيع أن تمتلك خط أنابيب تريده؟ لكن هذا الموقف يتجاهل الآثار المترتبة من نورد ستريم 2 بالنسبة للعديد من الحلفاء الآخرين. إن أمل إدارة بايدن في ألا يستخدمها بوتين كسلاح ضد عدة دول، بما في ذلك ألمانيا، هو إما مخادع و ساذج.
يجب أن تتمثل استراتيجية الولايات المتحدة طويلة المدى في تعزيز أمن الطاقة الأوروبي من خلال زيادة صادرات الغاز الطبيعي الأمريكية هناك، مع العمل مع أوروبا للانتقال إلى اقتصاد ما بعد الوقود الأحفوري. ولكن في غضون ذلك، فإن السماح لبوتين بفرض مزيد من السيطرة على مصير أوروبا هو أمر خطير. الخبر السار هو أنه لا يزال هناك وقت لإيقاف لذلك.
المصدر: صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية
ترجمة: أوغاريت بوست