تسبب موجات الحر غير المسبوقة ونقص الطاقة في معظم أنحاء الشرق الأوسط إلى إغراق الكثير من المنازل والشركات من لبنان إلى إيران في الظلام وإثارة الاضطرابات والتي تزامنت مع ارتفاع درجة حرارة، والتي تجاوزت في العديد من دول الشرق الأوسط ( العراق وايران) هذا الصيف50 درجة مئوية.
كما تسبب انقطاع التيار الكهربائي في خلق الكثير من الأزمات للمستشفيات، وفي بعض المدن، بالكاد تعمل مصابيح الشوارع.
أدت عقود من الإهمال وقلة الاستثمار إلى عدم قدرة شبكات الطاقة على التكيف. كما أدى الجفاف إلى شل توليد الطاقة الكهرومائية. كما تسببت الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعديد من البلدان في خلق الكثير من الصعوبات بخصوص شراء الوقود اللازم لتوليد الطاقة.
وقالت في هذا السياق جيسيكا عبيد، الباحثة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن: ” تفاقمت أزمة الطاقة بسبب تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، لكن جذور ذلك تكمن في سوء التخطيط و الحوكمة الضعيفة والاستثمار المنخفض في قطاع الطاقة”.
وفي إيران، أثار انقطاع التيار الكهربائي احتجاجات في عدة مدن، وفي مدينة البصرة العراقية الغنية بالنفط، أغلق المتظاهرون الطرق السريعة وأحرقوا الإطارات، حيث انتقدوا نقص الكهرباء وضعف الخدمات العامة، كما فعل المتظاهرون الشيء نفسه في مظاهرات متفرقة في لبنان.
ومع تعثر شبكات الكهرباء الحكومية في جميع أنحاء المنطقة، بدأت وزارات الدولة وكذلك منازل المواطنين في اللجوء الى المولدات احتياطية التي يديرها القطاع الخاص، حيث يعمل جيش من المشغلين في مقطورات ساخنة ومظلمة على مدار الساعة لإبقائها مستمرة.
ويقول الخبراء إن هذه المولدات المنتشرة في كل مكان، والتي تعمل بوقود الديزل، تشكل مخاطر خاصة بها من خلال نشرها للغازات السامة، كما يضطر العملاء إلى دفع فواتير الكهرباء الباهظة لرجال الأعمال(مالكي المولدات) غير الخاضعين للمساءلة.
“الغاز في لبنان ينفد – بالمعنى الحرفي للكلمة“
وفي لبنان، اعتاد الناس منذ فترة طويلة على انقطاع التيار الكهربائي لمدة ثلاث ساعات يوميًا – لم يكن لدى البلاد إمدادات على مدار 24 ساعة منذ انتهاء الحرب الأهلية في عام 1990 – وكان هناك أيضًا تطبيق لإعلام السكان بموعد انقطاع التيار الكهربائي.
لكن مع الانهيار الاقتصادي الدراماتيكي في لبنان في الأشهر الأخيرة، لم يعد هناك الوقود الكافي لتوفير الكهرباء لمعظم ساعات اليوم، لدرجة انه حتى الدولة تعمل بأكملها على المولدات.
كما أثر نقص الكهرباء على جميع أنحاء العراق بعد أن تخلفت عن سداد مدفوعات لإيران المجاورة مقابل الكمية الكبيرة من الكهرباء عبر الحدود التي تقدمها تقليديا، مما تسبب في قطع إيران للإمداد. أظهرت مراجعة أجرتها وكالة أسوشيتد برس في حزيران أن كمية الكهرباء المتدفقة من أربعة خطوط تمر من إيران إلى العراق قد انخفضت إلى الصفر.
“بدون كهرباء يموت هذا المكان”
في سوريا، يعاني معظم البلاد من نقص الوقود. يلاحظ بعض السوريين أن انقطاع التيار الكهربائي يبدو أقل تواترًا في العاصمة دمشق ومحيطها، وكذلك في المناطق الساحلية المكتظة بالسكان من قبل أنصار الرئيس بشار الأسد، بينما تعاني بقية البلاد. في مناطق في شمال دمشق، اشتكى السكان عبر الإنترنت منذ شهور من أن التخفيضات وصلت إلى 20 ساعة في اليوم. وفي حلب، ذكرت صحيفة الوطن الموالية للحكومة، أن الانقطاعات في بعض الأحيان تستمر لمدة ثماني ساعات متواصلة مقابل وصل الكهرباء لمدة ساعة ونصف فقط.
يطالب المسؤولون في جميع أنحاء المنطقة المواطنين بتقليل الاستهلاك، خاصة بين الظهيرة والغروب. في إيران، نشرت السلطات جداول زمنية لانقطاع التيار الكهربائي، على الرغم من أن البعض قال إن شركات الكهرباء لم تلتزم بالجداول.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، توفي رجل إيراني يبلغ من العمر 62 عامًا كان يعاني من مرض متعلق بالرئة يتطلب جهازًا للتنفس الصناعي أثناء انقطاع التيار الكهربائي لمدة سبع ساعات في ضواحي طهران، على حد قول ابنته في مقابلة. قالت الابنة التي تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها خوفا من انتقام الحكومة، بحلول الوقت الذي وصل فيه الطبيب، كان الأوان قد فات.
وفي مقطع فيديو انتشر هذا الشهر، ادعى طبيب في وحدة العناية المركزة في طهران أن المرضى في وحدة العناية المركزة ماتوا عندما انقطعت الكهرباء عن أجهزة التنفس الصناعي نتيجة انقطاع التيار الكهربائي. وكتب الطبيب محمد رضا هاشميان في أحد مواقع التواصل الاجتماعي نقلته وسائل الإعلام الإيرانية: “لقد واجهنا مثل هذه المشاهد مرات عديدة”.
ويقول الباحثون إن نقص الطاقة في المنطقة قد تفاقم بسبب الفساد المستشري، كما أن سلسلة من الهجمات على أبراج الكهرباء التابعة للحكومة العراقية الشهر الماضي، على سبيل المثال، كانت جزئيًا نتيجة مصالح تجارية خاصة أرادت ضمان استخدام مولداتها، وفقًا للعديد من السياسيين ورجال الأعمال.
“الغازات المنبعثة من المولدات تقتلنا”
قدر فريق من الكيميائيين في الجامعة الأمريكية في بيروت، بقيادة نجاة صليبا، هذا الشهر أن اعتماد لبنان على مدار 24 ساعة تقريبًا على المولدات يتسبب في تسمم الهواء بثماني مرات أسرع مما كانت عليه عندما كانت بيروت تشغل المولدات في المتوسط عدة ساعات فقط يوميًا.
وقالوا إن هذا قد تسبب بـ 550 حالة سرطان إضافية كل عام، بالإضافة إلى 3000 تشخيص جديد لأمراض القلب والأوعية الدموية. وكتبوا في صحيفة النهار اللبنانية: “سيؤدي هذا إلى عواقب صحية هائلة وفاتورة باهظة تصل إلى 8 ملايين دولار سنويًا”.
قد تمتد العواقب الصحية لانقطاع التيار الكهربائي إلى أبعد من ذلك بكثير. في إيران، وصف محمد محبي، 40 عامًا، وهو مهندس كهربائي يعمل مستشارًا لصناعة الطاقة الإيرانية، تأثير التخفيضات على صحة الناس وعافيتهم العقلية بأنه “مدمر”.
المصدر: صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية
ترجمة: أوغاريت بوست