أوغاريت بوست (مركز الأخبار)- سجلت الليرة السورية خلال الشهر الجاري انخفاضاً متدهوراً في سعر الصرف مقابل الدولار ، متأثرة بجملة من العوامل الاقتصادية وأخرى سياسية وأمنية أنهكت البلاد. وأرجعت أوساط اقتصادية التدهور الأخير لليرة السورية لعدة أسباب أبرزها العقوبات المفروضة على الحكومة السورية، وتراجع الليرة في لبنان المجاور فضلاً عن انهيار البنية الاقتصادية خلال سنوات الحرب.
واجهت الليرة السورية أزمات متداخلة نتيجة انهيار جزء من البنية الاقتصادية متأثرة بالحرب
واجهت الليرة السورية منذ اندلاع الحرب في البلاد قبل سنوات أزمات متداخلة جراء انهيار جزء كبير من البنية الاقتصادية في البلاد نتيجة الحرب، وعقب تحسن في سعر الصرف منذ العام 2017، عاد ليتدهور سريعاً منذ مطلع العام 2019 متأثراً بعدة عوامل.
وشكّلت الاحتجاجات ضد الحكومة في آذار / مارس 2011 علامة فارقة في تاريخ قيمة الليرة السورية، فبينما كانت تعادل نحو 50 ليرة لكل دولار قبل ذلك، وصل سعر الصرف أمام الدولار إلى أكثر من 600 ليرة في عام 2016
خبراء: أسباب اقتصادية وأخرى سياسية وأمنية فضلاً عن العقوبات الغربية ساهمت في تدهور الليرة
ويرجع خبراء تدهور قيمة الليرة خلال السنوات الماضية إلى عدة أسباب، منها اقتصادية وأخرى غير ذلك. وتتعلق الأسباب الاقتصادية بشكل أساسي بارتفاع معدل التضخم والعجز في ميزان المدفوعات، وتدهور الاحتياطات الأجنبية لدى المصرف المركزي وتراجع الناتج المحلي الإجمالي، أما الأسباب الأخرى فتتعلق بالشق السياسي والأمني المرتبط بالأزمة بحد ذاتها، واستمرارها دون أفق للحل، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا إقليمياً ودولياً
الليرة السورية سجلت أدنى مستوى له مقابل الدولار في تاريخ البلاد خلال الشهر الجاري
وكانت أدنى قيمة وصلت إليها الليرة السورية على الإطلاق في أيار/مايو 2016، حين بلغ سعر الدولار الواحد 645 ليرة، ومنذ ذلك الوقت بدأت تتحسّن قيمة الليرة مقابل الدولار حتى وصلت إلى 420 ليرة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017، ثم عادت لتفقد قيمتها تدريجياً ببطء، إلى أن وصل سعر صرف الدولار إلى 500 ليرة مطلع العام الحالي، لتبدأ بعدها عملية تراجع سريع في قيمة الليرة السورية حتى وصلت في سبتمبر 2019 إلى 685 في السوق السوداء. فيما بقي المصرف المركزي السوري ثابتاً بتحديد القيمة الرسمية لسعر صرف الدولار بـ 434 ليرة.
تراجع الليرة في لبنان وتوقف الخط الائتماني الإيراني إضافة للعقوبات عطلت قدرة الحكومة على تحصيل القطع الأجنبي
ومن بين العوامل الأخرى لانخفاض قيمة الليرة مؤخرا هو تأثير ارتفاع الطلب على الدولار في لبنان المجاور؛ على خلفية تراجع التصنيف الائتماني للبنان من قبل وكالات التصنيف العالمية (ستاندرد آند بورز، فيتش، موديز)، وذلك كونه يعد سوقا أساسية للدولار بالنسبة للمستوردين السوريين الذين يستخدمون النظام المصرفي اللبناني للقيام بعملياتهم التجارية
فيما ذكرت نشرات اقتصادية في وقت سابق من هذا الشهر أن عامل الشائعات قد تكون لعب دوراً سلبياً وتتعلق بوجود توترات بين الرئيس السوري بشار الأسد وقريبه رجل الأعمال رامي مخلوف، أحد أكثر المستثمرين نفوذا في البلاد.
ويأتي تراجع قيمة الليرة الأخير بعد أزمة وقود حادة شهدتها مناطق سيطرة القوات الحكومية خلال الصيف، وقد فاقمتها العقوبات الأميركية على إيران، بعدما توقف لأشهر عدة خط ائتماني يربطها بإيران لتأمين النفط بشكل رئيسي.
وتشير الكثير من التحليلات والآراء التي يتم نشرها في مواقع مقرّبة من الحكومة أن السوق السوداء التي نشطت بشكلٍ كبير خلال الحرب تعتبر الأكثر إضراراً بقيمة الليرة، وذلك في مقابل عجز المصرف المركزي عن ضبطها، وعجزه عن اتخاذ إجراءاتٍ من شأنها تعزيز الثقة بالليرة أو تأمين كميات من القطع الأجنبي من خلال أسعار الصرف التي يعتمدها في تعاملاته، والتي لم تتغير منذ تشرين الثاني 2017.
ويبدو بحسب وتيرة تراجع قيمة صرف الليرة على النحو المتسارع الذي شهدتها خلال الشهر الجاري، أنّ مسار التراجع هذا لن يقف عند هذه الحدود، بل هو مرشّح لتسجيل أرقام جديدة أكثر سوءاً، مما سيؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية لعموم السوريين، المنخفضة أصلاً.
ولعل أبرز ما يدفع للاعتقاد بأن أزمة الليرة السورية متجهةٌ للتعمّق، هو أنّ الحكومة استهلكت كل ما كان تحت يدها من قطع أجنبي خلال سنوات الحرب الماضية، علاوةً على ذلك، بات شبه محروم من دخول تحويلات المغتربين واللاجئين السوريين من الخارج إلى خزينته مباشرة، وذلك بسبب التفاوت الكبير جداً بين سعر صرف السوق السوداء وسعر المصرف المركزي، مما جعل معظم السوريين يتجنبون بشكلٍ كبيرٍ جداً التحويلات النظامية، ويلجؤون عوضاً عن ذلك إلى التحويل عن طريق السوق السوداء ومكاتب التحويل غير النظامية، حيث صار الفرق بين السعرين أكثر من مئتين ليرة.
كذلك يأتي توقف الخط الائتماني الإيراني والعجز عن تأمين بديلٍ عنه ليكون واحداً من أسباب تدهور الليرة، لا سيما أنّ هذا الخط كان يُعفي النظام من تأمين كميات كبيرة من القطع الأجنبي مقابل حصوله على المحروقات. وإلى جانب هذه الأسباب كلها، يأتي تأثير العقوبات الأمريكية ـ الغربية، على الحكومة ليساهم في تعطيل قدرتها على تحصيل القطع الأجنبي.
مراقبون: اجراءات المصرف المركزي قصيرة المدى ولن تحل أزمة الليرة السورية
وبحسب خبراء اقتصاد أنه لا يمكن بحالٍ من الأحوال تحديد أو إجمال الأسباب التي أوصلت الليرة السورية إلى هذا الانخفاض المُرّشح لمزيد من التدهور، لكن ما يمكن قوله هو أنه ليس بوسع المصرف المركزي اتخاذ أيّ إجراءاتٍ من شأنها حل أزمة الليرة سوى على المدى القصير جداً، لأنّه لا يمتلك الأدوات الكفيلة بذلك، مع انهيار اقتصاد البلاد بشكل عام بعد نحو 9 سنوات من الحرب المستمرة حتى اللحظة.
إعداد: سمير الحمصي