أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، مقتطفات من كتاب أميركي بعنوان “خط أحمر”، يتحدث عن دور عالم سوري في تسريب أسرار البرنامج الكيميائي السوري للمخابرات الأميركية، وكيف انتهى بالكشف عن نفسه.
وقالت الصحيفة، إن وكالة المخابرات الأمريكية كانت تشير إلى الباحث السوري بلقب “الكيميائي”، وإنه لا يعرفه إلا القليل من الناس فهو أستاذ جامعي موهوب ويصلح لمهمة الجاسوس ويضيف أن الجاسوس “الكيميائي” قضى جزءا من شبابه في الولايات المتحدة، حيث درس في مدارسها ولعب الرياضة، وانضم إلى فرق الكشافة، قبل أن يعود إلى بلاده فيصبح خبيرا في صناعة الأسلحة الكيميائية، وكان فخورا بعمله لدرجة أنه أثار الشكوك حول نفسه.
بداية القصة بحسب تقرير الـ “واشنطن بوست” كانت في العاصمة دمشق عام 1988، وكانت أول محاولاته للتواصل مع الأميركيين في مؤتمر علمي عُقد في أوروبا، حيث طلب من صديق له أن يمرر رسالة إلى السفارة الأميركية القريبة ومرت أشهر عدة قبل أن تتصل به “سي آي إيه”، ولكنه لم يُفاجأ عندما اقترب منه شخص بعد محاضرة له في جامعة دمشق كان ذلك الشخص مسؤولا في “سي آي إيه”، قال له الجاسوس الذي لم يكن يتجاوز الـ20 من عمره “كنت بانتظارك، نادني باسم أيمن”، ولم يذكر الكتاب اسم عائلة “الكيميائي” حتى لا يثير انتباه الحكومة وينتقم من أفراد العائلة.
وعندما اندلعت الحرب السورية في 2011، شعرت المخابرات الأميركية بالخوف من فقدان سوريا السيطرة على سلاحها الكيميائي، وخاصة غاز السارين وغازات الأعصاب القاتلة الأخرى حيث تعززت هذه المخاوف وفقا للكتاب بتعاون استمر 14 عاما مع “الكيميائي”.
وكانت المخابرات الأميركية تعرف حجم الأسلحة الكيميائية التي تملكها سوريا، بالإضافة إلى علمها بمخابئه وبمركز الدراسات والأبحاث المقام على تلة تطل على العاصمة دمشق لتوفير الدراسات الهندسية من أجل إنتاج صواريخ متوسطة المدى كي تستخدم ضد إسرائيل وفي داخل المركز كانت هناك وحدة سرية تعرف بـ”معهد 3000″، وكان أيمن واحدا من المسؤولين البارزين والقادة فيها حيث كان عمله هو إنتاج مواد سامة قاتلة كي توضع في رؤوس الصواريخ، وقد أطلق العلماء على هذا المشروع اسم “الشاكوش”.
ونظرا لمشاركة أيمن، فقد حقق “معهد 3000” تقدما في برنامج الأسلحة الكيميائية الذي بدأ بغاز السارين المستخدم في خنادق الحرب العالمية الأولى في أوروبا، ولكنه انتقل إلى مراحل أعلى بالتركيز على غازات الأعصاب التي بدأ المعهد بإنتاجها في مصنع خارج العاصمة واستمع عميل “سي آي إيه” بتركيز لما قاله السوري، فقد كانت المخابرات الأميركية على علم باهتمام السوريين بالأسلحة الكيميائية.
وفي الثمانينيات من القرن الماضي، ألمح السوريون إلى “ردع” ضد إسرائيل مقابل سلاحها النووي، فهل كان هذا هو السلاح المقصود؟ معادلة تفردت بها سوريا ولأن إنتاج السارين بشكل واسع مثلما كان يتم في أميركا وروسيا أثناء الحرب الباردة يُعدّ أمرا صعبا على بلد صغير، وعادة ما يفقد فاعليته مع طول الوقت، فقد طوّر العالِم السوري طريقة ذكية يُنتج من خلالها “سارينًا ثنائيا” يتم تخزينه بطريقة منفصلة ولا يُمزج إلا في اللحظة الأخيرة.
أسهم أيمن في اكتشاف مواد سائلة مثل كحول “إيزوبروبيل” العادية ومادة “دي إف” القاتلة التي تحتوي على عناصر مختلفة، ومواد إضافية، وهي مواد أسهمت في الحفاظ على قوة السارين بين فترتي المزج ولم تقم دولة غير سوريا بإنتاج السارين، عبر تطوير بمثل هذه المعادلة ونقل العميل الأميركي ما جرى من حديث مع العالم السوري في برقية سرية أرسلها إلى مقر وكالة المخابرات الأميركية، وتم تحليل ما ورد فيها، وثبت أنها حقيقية وأكثر من مهمة وأصبح العالم السوري يتلقى راتبا ينقل إلى حساب خاص له في ملجأ آمن.
كما ورد في تقرير الصحيفة الأمريكية أنه مع بداية القرن الحالي توسّع مجمع المختبرات السوري بشكل مضطرد إلى شبكة من المختبرات ومراكز ومجمعات الإنتاج والمخازن و40 خندق تخزين في عدد من المواقع من دمشق حتى حلب في الشمال وظل الباحثون يجربون منتجات جديدة، لكن مخزون السارين الثنائي زاد إلى ما بين 1.3 طن و1.5 طن ولأن سوريا كانت في وضع مستقر، فلم تدع الحاجة إلى إنتاج مواد إضافية.
وبذلك كبر حساب الجاسوس السوري في الخارج من الأموال والعمولات التي حصل عليها من المشترين، وأصبح في الـ50 من عمره، ولكن حدث أمر لم يكن جيدا، حيث جاء أفراد من الأمن إلى مركز الدراسات والأبحاث في نهاية 2001 للحديث معه، وطلبوا منه مرافقتهم، وشعر أيمن بالفزع.
وبدأ التحقيق بمقر المخابرات السورية، حيث استمع مدير المخابرات آصف شوكت وهو صهر الرئيس السوري بشار الأسد إلى ما قاله أيمن بنوعٍ من الدهشة، وقرر أن يسأله عن العمولات التي يتلقاها من الشركات الأجنبية، فقد كان جشعه هو السبب الذي دفع المخابرات للتحقيق معه، ولم تكن تعرف أي شيء عن نشاطاته التجسسية وانتهى التحقيق بقول شوكت “لقد ثبتت خيانتك”.
وقال للعالِم الخائف إن الحكومة كانت تعرف عن نشاطاته السرية كلها، ومن الأفضل الاعتراف وطلب العفو بناء على الخدمات التي قدمها للجمهورية واعترف أيمن بكل شيء، وأخبر المخابرات السورية بلقاءاته مع “سي آي إيه” والمعلومات التي نقلها للأميركيين والحسابات المالية في الأماكن الآمنة وقال إنه لم يكن أحد يعرف بنشاطاته، بما في ذلك رفاقه في البحث وزوجتاه الاثنتان، بل عمل على هذا بنفسه.
ووجدت المحكمة أيمن مذنبا بالخيانة العظمى في محاكمة سرية لم يُعلم عنها شيء، ولكن تم وصفها للموظفين في مركز الدراسات والأبحاث لتلقينهم درسا ومُنح أيمن معاملة خاصة، فهو خائن وبطل قومي في الوقت نفسه، وسُمح لزوجتيه وأولاده بمغادرة سوريا إلى الخارج وبداية حياة جديدة أما هو فنُقل إلى سجن عدرا، حيث تم إيقاظه في أحد صباحات أبريل / نيسان 2002 ونُقل معصوب العينين إلى ساحة السجن وأعدم هناك.
المصدر: واشنطن بوست