تعكس المحادثات الروسية التركية الفاشلة والاتفاق الجديد في مجموعة العشرين عالماً متزايد التعقيد
ورغم تحقيق تقدم كبير في قمة مجموعة العشرين في نيودلهي، فقد أثبت الأسبوع الماضي أنه كان مليئاً بالتحديات لكل من روسيا وتركيا.
استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الاثنين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي لإجراء محادثات لإعادة تعويم صفقة الحبوب الملغاة المتعلقة بأوكرانيا. لكن الرئسين فشلا في التوصل إلى اتفاق كان من شأنه أن يسمح باستئناف شحنات الحبوب الأوكرانية وخفض أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم.
إن تأثير هذه الانتكاسة على الحرب في أوكرانيا والصراع المجمد في سوريا غير مؤكد حتى الآن.
إن إيقاع التحالفات اليوم يتبع وتيرة الحرب في أوروبا الشرقية، والتي يبدو أنها أزاحت روسيا من صفوف القوى الكبرى التي تضم أيضاً الولايات المتحدة والصين.
وضاعفت واشنطن جهودها لدفع موسكو إلى الهامش، وكان آخر مثال على ذلك إعلانها عن حزمة مساعدات بقيمة 600 مليون دولار لأوكرانيا لتعزيز هجومها المضاد.
وفي الوقت نفسه، فهي تشارك بنشاط في الجهود الدبلوماسية مع الدول الآسيوية الرئيسية، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام، كجزء من محاولاتها لمواجهة نفوذ الصين في القارة. وصل الرئيس الأمريكي جو بايدن، الأحد، إلى هانوي للقاء الزعيم الفيتنامي نجوين فو ترونج، في محاولته تعزيز العلاقات مع الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا.
وكما هي الحال في قمة البريكس التي اختتمت مؤخرا في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، اضطر بوتين إلى عدم حضور قمة مجموعة العشرين في الهند. ومع اختيار زعيم عالمي آخر، الرئيس الصيني شي جين بينغ، الابتعاد عن نيودلهي، احتل بايدن مركز الصدارة في القمة، مما ساعد في التوصل إلى اتفاق تاريخي يوم السبت.
تم الإعلان عن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا بمليارات الدولارات، والذي يشمل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والهند والأردن وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن يعزز التواصل والتكامل بين الدول المشاركة. وفي الأسابيع والأشهر المقبلة، سيتم الانتهاء من التفاصيل المتعلقة بإنشاء شبكة سكك حديدية تربط الهند بالطرق البحرية في الشرق الأوسط، وكذلك ربط دول الخليج العربي وبلاد الشام.
وشكر بايدن على وجه التحديد الرئيس الشيخ محمد على دوره الرئيسي في تأمين الصفقة. وقال خلال فعالية للكشف عن المبادرة: “أريد أن أقول شكراً، شكراً، شكراً”. “لا أعتقد أننا سنكون هنا بدونك”.
مثل هذه الاختراقات المهمة والرائدة، هي ما سعت نيودلهي إلى الكشف عنه في القمة، حيث من المتوقع أن تتفاقم الخلافات بسبب اختلاف المواقف بين الغرب ودول البريكس التي تميل أكثر نحو “عدم الانحياز” بين الولايات المتحدة والصين وبين الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي وروسيا.
لقد حاولت تركيا أن تلعب دوراً مميزاً داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي هي عضو فيه، والذي ترى نفسها فيه تتمتع بمكانة فريدة كدولة شرق أوسطية وأوروبية.
ونجح أردوغان في الآونة الأخيرة في ترسيخ أهمية أنقرة في حلف شمال الأطلسي، وعمل كوسيط بين روسيا وأوكرانيا وحصل على صفقة الحبوب العام الماضي، إلى أن قررت روسيا عدم تجديدها ما لم تقدم الدول الغربية ضمانات مالية.
ولسوء الحظ، لم يتمكن أي من الطرفين من تأمين الصفقة القديمة، أو صفقة جديدة، يوم الاثنين.
وكانت هناك شكوك بين البلدين في الأشهر الأخيرة. على سبيل المثال، كانت هناك خيبة أمل في موسكو في نيسان عندما أبرمت أنقرة اتفاقاً مع كييف لتزويدها بطائرات بدون طيار مسلحة من طراز “بيرقدار تي بي 2”. كما أن إعادة اصطفاف تركيا داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) لم تروق للكرملين.
ولذلك، كان من الصعب التوصل إلى اتفاقات بشأن قضايا أخرى في سوتشي. وشملت هذه المشاريع مشاريع خطوط أنابيب النفط، التي كان المقصود منها في البداية أن تحل إلى حد ما محل “نورد ستريم 2” الألماني، ومشروع المفاعل النووي الممول من روسيا في تركيا، والصراع في سوريا.
وقد شعرت موسكو بالانزعاج من دعم أنقرة لأوكرانيا، مع استمرار الحكومة التركية في عدم الاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم. كما سعى الكرملين إلى تطبيع أنقرة العلاقات والتعامل مع نظام الأسد بهدف حل أزمة اللاجئين السوريين وقضايا أخرى.
هناك عدة أسباب وراء الشعور بالقلق في الدبلوماسية الروسية اليوم، وخاصة وسط سلسلة من القمم المخيبة للآمال بالنسبة لروسيا، الأمر الذي يهدد بتفاقم عزلتها الدولية. والمحطة التالية للقيادة في موسكو هي الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت لاحق من هذا الشهر، حيث تعتزم اختبار ولاء العديد من أصدقائها القدامى، وليس تركيا فقط.
أما أنقرة، فهي تواجه تحديات على الجبهة الداخلية. إن انهيار قيمة الليرة التركية أمر مثير للقلق، وكذلك أزمة ما يقرب من أربعة ملايين لاجئ سوري لا يزالون يعيشون في البلاد. إن عدم توصل المحادثات في سوتشي إلى النتائج المرجوة سيضيف إلى قائمة المشاكل التي يتعين على القيادة في تركيا أن تتعامل معها.
وستكون سوريا ساحة هامة تعكس عواقب سوتشي. كيف سينتهي هذا الأمر على وجه التحديد، الوقت وحده هو الذي سيخبرنا بذلك.
المصدر: صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية
ترجمة: أوغاريت بوست