أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – تسعى روسيا بكل جهدها لإعادة تطبيع العلاقات بين الحكومة السورية وتركيا وذلك لاعتبرات سياسية وعسكرية خاصة بموسكو، وتعمل على إزالة كل العقبات أمام عودة العلاقات بعد قطيعة سياسية دامت لأكثر من 10 سنوات، ودعم لا محدود من تركيا للمعارضة السورية التي كادت تطيح بالنظام الحاكم لولا التدخل العسكري الإيراني والروسي الذي أوقف تقدم المعارضة وتقلص مناطق نفوذها فيما بعد.
الأكراد.. أجبروا تركيا على إعادة العلاقات مع دمشق
وخلال الأشهر الماضية تهدد تركيا بشن عملية عسكرية على الأراضي السورية، ضمن مناطق نفوذ الإدارة الذاتية، كون تركيا تعتبر هذه المناطق “خطراً على أمنها القومي بسبب الوجود الكردي”، حيث بين الأكراد والأتراك تاريخ طويل من العداء والمواجهات تمتد لعقود مضت.
وقالها الرئيس التركي صراحة في تصريح سابق “لو كان للكرد خيمة في أفريقيا ستقوم تركيا بهدمها”، وهذا التصريح قد يكشف بعضاً من الأسباب التي وضعت تركيا كل ثقلها لعدم وجود أي كيان سياسي كردي في شمال شرق سوريا، وهو ما أجبر أنقرة على إعادة العلاقات مع دمشق بعد كل سنوات العداء التي مرت.
بوتين يقترح تعديل “اتفاقية أضنة” فما هي ؟
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اقترح على الرئيس التركي “تعديل اتفاقية أضنة” كحل يمكن اتباعه من قبل تركيا للتراجع عن عمليتها العسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا، الأمر الذي يبدو أن الرئيس التركي وافق عليه، خصوصاً وأنه لا موافقة دولية على هذه العملية من قبل أي طرف من الأطراف الدولية والمتدخلة في الأزمة السورية.
واتفاقية أضنة، هي اتفاقية أمنية وقعتها سوريا وتركيا في الـ20 من تشرين الأول/أكتوبر من عام 1980، وذلك بسبب دعم سوريا لحزب العمال الكردستاني وتواجد رئيسه عبدالله اوجلان على الأراضي السورية لأكثر من 20 عاماً.
وفي طلع عام 1996 في عهد الرئيس التركي سليمان دميرل ورئيس الوزراء مسعود يلماز، أرسلت أنقرة تحذيرات جدية لسوريا في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد بضرورة التوقف المباشر عن دعم حزب العمال الكردستاني، وهددت باجتياح البلاد، وعملت على حشد قواتها على الحدود. والحجة هي ذاتها التي تتذرع بها تركيا بعد مرور 21 عاماً وهي “الأمن القومي”.
هذه الاتفاقية تدخلت فيها الجامعة العربية ومصر وإيران لوقف التوتر الحاصل، والتوصل لحل سياسي يقتضي بحل الأزمة بين البلدين، نتج عن ذلك فيما بعد عقد اتفاقية “أضنة” أو “الاتفاق الأمني” الذي تنازلت سوريا بموجبه رسمياً عن المطالبة بلواء اسكندرون، التي ضمتها تركيا في الثلاثينيات.
بعد عقدين.. قد نشهد “أضنة معدلة”
وبعد مرور 21 عاماً يبدو أن تركيا تريد تعديل هذه الاتفاقية وهو ما اقترحته روسيا، حيث أن الاتفاقية تسمح للقوات التركية التوغل لمسافة 5 كيلومتر “لمحاربة الإرهاب”، وتشير التقارير الإعلامية أن تركيا طالبت بـ 35 كيلومتراً للتوغل فيها لمحاربة الإرهاب، وهي المسافة نفسها التي تطالب تركيا بإقامة “منطقة آمنة” عليها.
كما أن الموافقة على تعديل هذه الاتفاقية يزيل عن تركيا “صفة الدولة المحتلة”، وبالتالي فإن التواجد التركي على الأراضي السورية يصبح “قانونياً” و بالاتفاق مع الحكومة السورية، لكن كل ذلك أيضاً يضع الأراضي السورية التي تسيطر عليها تركيا – بحسب متابعين – تحت الخطر وامكانية أن تضمها تركيا إلى أراضيها على غرار ما حصل في لواء اسكندرون.
“أضنة جديدة لمحاربة قسد”
وتأتي هذه الاتفاقية بالدرجة الأولى، لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية، كما أن هذه القوات والإدارة الذاتية هي أحد الأسباب الرئيسية التي أدت بتركيا للتراجع عن موقفها من حكومة دمشق والعمل على إعادة العلاقات معها.
مسد: تم تعديل اتفاق أضنة بين أطراف آستانا
وحول ذلك تحدثت “رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد”، أن العمليات العسكرية التركية التي تمتد لتصل إلى أكثر من 42 كيلومتراً داخل الأراضي السورية يشير إلى أن هناك اتفاق بين دول مسار آستانا على تعديل “اتفاقية أضنة”، واعتبرت أن تركيا بذلك لم تترك أي سيادة للأراضي السورية.
ولفتت إلى أن تعديل هذه الاتفاقية هو بالأساس لمحاربة قوات قسد، وهذا لن يفيد السوريين، وشددت على ضرورة الحل السياسي في سوريا للوصول إلى حلول مستدامة، وطالبت الحكومة السورية بالاعتراف بالإدارة الذاتية ككيان سياسي في شمال شرقي سوريا ضمن دستور سوري.
الفرق بين “اتفاقية أضنة” و “مسار آستانا”
وتقلل الأوساط السياسية والشعبية في شمال شرقي سوريا من شأن عودة العلاقات بين الحكومة السورية وتركيا، معتبرين أن ما سيجري في حال عادت العلاقات هو ما يجري منذ 2017 (تاريخ بدء مسار آستانا)، حيث أن العلاقات بين الطرفين لم تنقطع وهذا ما يقران به، إلا أن هذه المرة ستكون العلاقات والتنسيق فيما بينهم بشكل مباشر.
وكان “مسار آستانا” السبب في تحول الصراع في سوريا رأساً على عقب، من حيث تقليص مساحة نفوذ المعارضة وإرجاع ثلثي البلاد تحت سيطرة الحكومة السورية، إضافة إلى صفقات استلام وتسليم المناطق مثلاً “الغوطة مقابل عفرين” – “خان شيخون ومعرة النعمان مقابل رأس العين وتل أبيض” وغيرها من الاتفاقات التي جرت بين الثلاثي “روسيا وتركيا وإيران”.
إعداد: ربى نجار