فشلت تركيا في حشد الدعم الروسي والإيراني لتدخل عسكري جديد ضد القوات الكردية السورية في اجتماع منصة أستانا هذا الأسبوع.
حضر دبلوماسيون كبار من تركيا وروسيا وإيران، الضامنين الثلاثة للمنصة، بالإضافة إلى ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة، اجتماع 15-16 حزيران في عاصمة كازاخستان نور سلطان، المعروفة سابقًا باسم أستانا. وبينما اشتملت الأجندة الرسمية على موضوعات مثل عودة اللاجئين السوريين، والوضع الإنساني والاقتصادي في سوريا، وعمل اللجنة الدستورية في جنيف، وإجراءات تعزيز الثقة نحو تسوية سياسية، كان الموضوع الأساسي هو التهديدات التركية بشن هجوم جديد للسيطرة على مزيد من الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا.
حدد الرئيس رجب طيب علناً تل رفعت ومنبج كأهداف، متعهداً بتخليصهما من “الإرهابيين” كجزء من خطة لإنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً على طول الحدود التركية.
وفي حديثه للصحفيين قبل الاجتماع، وصف الكسندر لافرنتييف، المبعوث الخاص للكرملين إلى سوريا ورئيس الوفد الروسي، خطة التدخل التركية بأنها احتمال “غير منطقي وغير عقلاني” يهدد “بتصعيد التوتر ومواجهة عسكرية جديدة في تلك المناطق، بحسب وسائل إعلام سورية. ونفى التكهنات بأن روسيا قد تغض الطرف في مقابل قيام تركيا بمنع انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو. وقال “لا يوجد شيء من هذا القبيل. نحن لا نفاوض. نحن لا نتنازل عن حلفائنا في المنطقة”.
وأكد علي أصغر خاجي رئيس الوفد الإيراني، في لقاء مع الوفد التركي، أن وحدة أراضي سوريا وسيادتها لا يمكن المساس بها، بحسب وزارة الخارجية الإيرانية.
في غضون ذلك، حث نائب وزير الخارجية السوري أيمن سوسان، الذي ترأس الوفد السوري، الأمم المتحدة على “كبح سياسات [أردوغان] العدوانية” في اجتماع مع مسؤولي الأمم المتحدة، حسبما ذكرت وسائل إعلام سورية. ورداً على ذلك، استشهد مسؤولو الأمم المتحدة بتصريحات المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة الداعمة لسيادة سوريا وضد التحركات التصعيدية الجديدة في البلاد.
وفي محادثات منفصلة مع الروس، رفضت سوسان ذرائع تركيا لشن هجمات على الأراضي السورية، متهمةً أنها تهدف إلى “تحقيق مُثلها التوسعية” وأن “الشعب السوري مصمم على الدفاع عن بلاده و مقاومة الاحتلال”. من جانبه، تعهد لافرنتييف بأن تبذل روسيا قصارى جهدها لمنع المزيد من التصعيد في سوريا.
في البيان الختامي، نددت الأطراف بـ “الأجندات الانفصالية” في سوريا في إشارة إلى مخاوف تركيا الأمنية وتوبيخًا للجماعات الكردية التي تقود الحكم الذاتي الفعلي في الشمال. كما أعادوا التأكيد على الالتزام بسيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها وتسوية سياسية للنزاع، كما فعلوا في جميع البيانات السابقة في السنوات الست الماضية. من وجهة نظر تركيا، سيطرتها على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية لا تتعارض مع هذا الالتزام.
كما تعهد الطرفان بالعمل معا “لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره”.
وأشارت النقطة السادسة من البيان إلى المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سوريا، قائلة إن الأمن والاستقرار الدائمين في المنطقة لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال الحفاظ على سيادة سوريا وسلامة أراضيها. تطابق الصياغة الحجج التي قدمتها روسيا ضد محاولات تركيا توسيع سيطرتها في شمال سوريا. ببساطة، تقول موسكو إن أفضل طريقة لمعالجة مخاوف أنقرة الأمنية هي ضمان عودة الجيش السوري على طول الحدود السورية التركية ومناقشة الإجراءات المشتركة بموجب اتفاقية أضنة لعام 1998 بشأن التعاون الأمني بين البلدين، ويشير البيان إلى أن أنقرة قد اتبعت خط موسكو، على الورق على الأقل.
وفي الفقرة نفسها، أقر البيان بمخاوف تركيا، قائلا إن الطرفين يرفضان “كل المحاولات لخلق حقائق جديدة على الأرض، بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة بذريعة مكافحة الإرهاب”.
وفي إشارة إلى الولايات المتحدة، ندد البيان بـ “الاستيلاء غير المشروع على عائدات النفط”.
وتعهدًا بمواصلة التعاون للقضاء على جبهة النصرة والقاعدة وداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية المصنفة من قبل الأمم المتحدة، وأعرب البيان عن “القلق الشديد” من هيئة تحرير الشام، التي تسيطر على إدلب والتي تعاونت معها تركيا ضمنيًا على الأرض. كما شدد على ضرورة تسهيل عودة اللاجئين ودعم عملية صياغة دستور جديد لسوريا برعاية الأمم المتحدة.
لم يذكر النص، الذي نشره مضيفو الاجتماع في كازاخستان، بشكل صريح وحدات حماية الشعب أو حزب العمال الكردستاني، لكن وكالة أنباء الأناضول التركية التي تديرها الدولة قالت إن البيان الختامي أكد عزم تركيا على “محاربة منظمة حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب” وسن ” أي إجراءات لحماية حدودنا ومنع الهجمات على شعبنا وقوات الأمن والمدنيين السوريين الأبرياء”.
إن إدانة روسيا “للأجندات الانفصالية” – في إشارة إلى حملة الحكم الذاتي للأكراد وشراكتهم مع الولايات المتحدة – تشير إلى أنها تتحول إلى موقف أكثر إرضاءً لتركيا. كان هذا الاتجاه ملموسًا في تصريحات أخرى في الآونة الأخيرة. يبدو أن سياسة موسكو المعتدلة تجاه الأكراد تتلاشى وسط التوترات الروسية الأمريكية المتزايدة بشأن أوكرانيا، مما يفتح المجال لأنقرة للمناورة.
وبحسب تقارير إعلامية عن المحادثات، أصر الجانب التركي على أن إخراج وحدات حماية الشعب من تل رفعت ومنبج كان التزامًا فشلت روسيا في الوفاء به بموجب اتفاق سوتشي لعام 2019، في حين أشار الروس إلى فشل تركيا بالقضاء على الجماعات الإرهابية في إدلب وإعادة فتح الطريق السريع M4. تكررت مثل هذه التبادلات بين تركيا وروسيا مرارًا وتكرارًا كتكتيك لتحقيق التوازن أو كبح جماح بعضهما البعض.
كانت المحادثات في نور سلطان مهمة من حيث توضيح موقف موسكو من تهديدات أنقرة، لأن ردود أفعالها الأولية كانت أكثر ليونة وأكثر تناقضًا مقارنة بالتوترات المماثلة في الماضي، على عكس اعتراضات طهران الشديدة. حتى أن بعض التصريحات الروسية سعت إلى تبرير مخاوف تركيا الأمنية، مما أثار التكهنات بأن المساومة التركية الروسية بشأن القضايا المتعلقة بحلف شمال الأطلسي وأوكرانيا قد تمتد إلى الصراع في سوريا. ومع ذلك، كان هناك فرق ملحوظ بين خطاب روسيا وأفعالها على الأرض.
اتخذت روسيا عددًا من الخطوات في إشارة إلى التضامن مع الجيش السوري، بما في ذلك مناورات عسكرية مشتركة في جنوب إدلب في 10 حزيران، حيث نشر دبابات ومدرعات وأسلحة مضادة للطائرات وصواريخ في قاعدة أبكر في المنطقة نفسها، وأرسلت ثماني طائرات عمودية إلى قاعدة أبو الظهور شرقي إدلب. وانتشرت الطائرات والمروحيات الروسية في سماء المدن الشمالية الشرقية مثل القامشلي وتل تمر وعامودا والدرباسية ورأس العين بشكل كثيف.
في غضون ذلك، نشر الإيرانيون تعزيزات في محيط تل رفعت ونقلوا المليشيات الشيعية من دير الزور إلى قاعدة النيرب شرق حلب.
بعبارة أخرى، ترفض روسيا وإيران التدخل التركي بأفعالهما على الأرض، وأي توقع بتراجعهما في محادثات نور سلطان يعتبر بعيدا عن الواقع. على الرغم من أن البيان الختامي قد تطرق بشكل بارز إلى مخاوف تركيا، إلا أن مسار التسوية الذي حدده يرفض التدخل العسكري.
المصدر : موقع المونيتور الأمريكي
ترجمة: أوغاريت بوست