يبدو أن تحالف أستانة، الذي تأسّس مطلع العام 2017، بات على المحكّ، أولا، بسبب معركة خان شيخون، والتي هي بحد ذاتها بمثابة معركة على آخر منطقة مما يسمى “مناطق خفض التصعيد” الأربع، التي كانت تضم مناطق درعا ودمشق وحمص وإدلب، إضافة إلى أنها، أيضا، آخر معركة لتمكين النظام السوري من استعادة سيطرته على المناطق التي كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة.
ثانيا، بسبب التوافقات الأميركية – التركية على ترتيبات المنطقة الآمنة، أو الحزام الآمن، أو ممر السلام في منطقة شرقي الفرات بمحاذاة الحدود التركية – السورية، بما يعنيه ذلك ربما، من ابتعاد تركيا عن روسيا، ما قد يفسر القلق الروسي مما يجري من ترتيبات أميركية – تركية في منطقة تشكل مساحتها ثلث سوريا.
ثالثا بسبب وصول الصراع السوري إلى مرحلة بات يتعذر فيها الصراع المسلح، لانتفاء أدواته، وأيضا بحكم تقاسم النفوذ في الجغرافيا السورية، بين الولايات المتحدة (شرقي الفرات) وتركيا على امتداد الحدود الشمالية لسوريا من جهة، وروسيا وإيران في الداخل والساحل السوري من جهة أخرى، الأمر الذي كان يحث على إيجاد وسائل وتوافقات ومنابر تفاوضية أخرى، لإيجاد حل لهذا الصراع الطويل والمعقد على الأرض السورية.
تركيا تعتبر منطقة إدلب وريفها بمثابة امتداد لمجالها الأمني، كما أنها تتحسب من احتمال تدفق موجات جديدة من اللاجئين السوريين إلى أراضيها
وللتذكير، فقد تأسّس تحالف أستانة لحلّ، وبالأصحّ لإدارة الصراع، في سوريا، قبل ثلاثة أعوام تقريبا، بين الدول الأكثر انخراطا في ذلك الصراع، وعلى الجبهتين، والتي عرفت في ما بعد، بالدول الضامنة لما سمي في حينه بـ”مناطق خفض التصعيد” الأربع، في الجنوب ودمشق وحمص وإدلب.
وربما يجدر التذكير هنا بأن النظام السوري استعاد المناطق التي كانت خارجة عن سيطرته في مدينة حلب، أواخر العام 2016، مقابل تمرير حملة “درع الفرات” التي شنّتها تركيا مع فصائل سورية معارضة انطلاقا من 24 أغسطس عام 2016، ومكنتها من السيطرة على ريف حلب الشمالي، وصولا إلى مدينة جرابلس السورية (على الضفة الغربية لنهر الفرات قرب الحدود التركية)، ما يعطينا فكرة عن تقلبات وتحولات الأطراف الفاعلة في الصراع السوري، واشتغالها بحسب أجنداتها الخاصة، ويأتي ضمن ذلك عدم فهم انخراط تركيا، الداعمة للمعارضة السورية، في هذا التحالف مع شريكي النظام روسيا وإيران.
ومعلوم أنه في غضون الأعوام الثلاثة الماضية اشتغل تحالف أستانة على ثلاث مسائل. المسألة الأولى، خلق مسار تفاوضي مواز للمسار التفاوضي لجنيف، وربما لفرضه كبديل عنه، بحيث عقد حتى الآن 13 جولة تفاوضية، من دون التوصل إلى نتائج ملموسة.
والثانية الاتفاق على إيجاد مناطق خفض تصعيد، وهي الأربع التي تحدثنا عنها، بما يتطلبه الأمر من وقف القصف والأعمال القتالية، وإتاحة المجال لتأمين الحاجات الإنسانية التموينية والطبية للسوريين، وهو ما لم يحصل إذ على العكس تم استئناف القصف والتهجير. وبالمحصلة، سقطت مناطق خفض التصعيد الثلاث واحدة تلو الأخرى بيد النظام بدعم عسكري مباشر من روسيا، عبر القصف الجوي، ونحن الآن إزاء الصراع على المنطقة الرابعة.
أما المسألة الثالثة في هذا السياق فهي السعي لتشكيل لجنة، أو إطار دستوري، لحل الصراع السوري، جرى تدشينه في مؤتمر سوتشي مطلع العام الماضي، من دون التوصل إلى أي نتيجة تذكر، ولا حتى على مستوى تشكيل اللجنة من أطراف ثلاث، النظام والمعارضة ومستقلين يمثلون المجتمع المدني.
على ذلك فإن المعركة الحاصلة في خان شيخون وفي منطقة إدلب عموما هي جزء من الصراع الدولي والإقليمي حول سوريا، وربما هو صراع يدشن المرحلة الأخيرة من النزاع المسلح فيها، سعيا من كل طرف لتعزيز مكانته التفاوضية من خلال الميدان، قبيل اجتماع القمة الثلاثية قريبا في العاصمة التركية أنقرة، المزمع عقده يوم 16 سبتمبر القادم، بين الرؤساء فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان وحسن روحاني.
معركة خان شيخون تعتبر آخر معركة لتمكين النظام السوري من استعادة سيطرته على المناطق التي كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة
أما بخصوص اختلاف أجندات المتصارعين، فإن تركيا تعتبر منطقة إدلب وريفها بمثابة امتداد لمجالها الأمني، كما أنها تتحسب من احتمال تدفق موجات جديدة من اللاجئين السوريين إلى أراضيها، في منطقة يعيش فيها حوالي أربعة ملايين من السوريين من سكانها ومن المشردين من مناطق أخرى، إضافة إلى أنها ترى أن وجودها في هذه المنطقة يعزز من مكانتها في التفاوض على المنطقة الآمنة مع الولايات المتحدة في شرقي الفرات، كما يعزز من مكانتها في تقرير مصير سوريا، إزاء الأطراف الآخرين.
أما بالنسبة لروسيا، وهي هنا تلعب دور الفاعل والمقرر، عن النظام وإيران، في مواجهة تركيا، فهي لا تريد وجودا قويا لتركيا في المنطقة، وحتى إن وافقتها على حساباتها الأمنية، إضافة إلى أن موسكو تريد الانتهاء من وجود المعارضة المسلحة في ريف حماة، ما يفضي إلى فتح الأوتوستراد الدولي بين دمشق وحلب، كما تريد التخلص نهائيا من جبهة النصرة، التي تؤاخذ تركيا على عدم الحسم معها، وربما استعمالها كورقة ضغط، علما أن تلك الجبهة لا تحسب نفسها على الثورة السورية، بل هي أضرت بشكل كبير بصورة تلك الثورة وبالسوريين.
على أي حال، فنحن إزاء احتمالين، فإما أن الأمور ستتم السيطرة عليها، وستتجه الأطراف المعنية، بعد لعبة عض الأصابع المتبادلة، إلى إيجاد توافقات تجدد تحالف أستانة، وإما توقفه عند حدوده بعد أن انتفى الغرض منه. وإما إنهاء التحالف مع ما يعنيه ذلك، من تموضع كل طرف في مواجهة الطرف الآخر، حيث الولايات المتحدة وتركيا في جهة، وروسيا وإيران في جهة أخرى، أما الشعب السوري، فهو وحده الذي يدفع الأثمان الباهظة نتيجة هذا الصراع الدولي والإقليمي الدائر في سوريا.
ماجد كيالي – كاتب سياسي فلسطيني – صحيفة العرب