دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

آلية إدخال المساعدات .. صراع روسي أمريكي أم بوابة لتفاهمات أكبر

أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – بعد مرور ثمان سنوات على إنشاء أول آلية لإيصال المساعدات الانسانية إلى سوريا من خلال قرار مجلس الأمن رقم 2165 لعام ٤١٠٢، يزداد تأزم الأوضاع الإنسانية في سوريا اليوم مع تناقص المساعدات المنقذة، بالإضافة لتأثير جائحة كورونا. وبحسب تقديرات برنامج الأغذية العالمي، يعاني ٠٦ بالمائة من السوريين من انعدام الأمن الغذائي، بينما يرزح 1.8 مليون منهم في دائرة الخطر. سوء الأوضاع الاقتصادية وانهيار قيمة الليرة بالإضافة لانعدام الأمن الغذائي بات يدفع البلاد إلى شفير المجاعة، وسيتفاقم الوضع سوءاً إذما انتهى العمل بقرار مجلس الأمن القاضي بتمديد إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا.

على الرغم من تأكيد جميع الأطراف التزامهم بالمبادئ الإنسانية الاساسية وتحسين العمل الإنساني في سوريا. إلا أن النقاش حول كيفية تنفيذ إيصال المساعدات يتأثر دوماً من جهة بمخاوف روسية من استغلال ذريعة المساعدات واحتمال تحويل مسارها من قبل  هيئة تحرير الشام / جبهة النصرة ومن جهة ثانية يتأثر هذا الموضوع بموقف الولايات المتحدة والدول الأوربية المشكك وتخوفها من تحوّل المساعدات إلى أداة في يد الحكومة السورية واحتمال تحويل مسارها من قبل الأخيرة.

تطورات قرار مجلس الأمن لإدخال المساعدات الإنسانية

جاء قرار مجلس الأمن رقم 2139 لعام 2014 كتدبير استثنائي لتأسيس أول آلية عبر الحدود لإيصال المساعدات استجابةً للأوضاع السيئة في سوريا، فسمح العمل في ٤ معابر على الحدود مع الأردن والعراق وتركيا.

في العام 2020، استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد عدة مسودات قرار بشأن الآليات عبر الحدود معتبرة آن الوقت لتعليق العمل بهذه الآلية المؤقتة من أجل اعتماد المساعدات الإنسانية عبر الخطوط من مناطق الحكومة السورية إلى الشمال الغربي والشمال الشرقي من سوريا. خفض مجلس الأمن عدد المعابر من ٤ إلى اثنين فقط في كانون الثاني / يناير لعام 2020 وفق القرار 2504 وإلى معبر واحد فقط في تموز / يوليو من العام نفسه وفق القرار 2253 ومن ثم تمديد سماح العمل بالمعبر الوحيد المتبقي من تركيا إلى سوريا وهو معبر باب الهوى في تموز 2021، وبعد توافق روسي أمريكي أصدر مجلس الأمن الدولي قرار يقضي بتمديد عمل معبر “باب الهوى” الحدودي لمدة ٦ أشهر، أي حتى 10 كانون الثاني/يناير 2022″ مع تمديد ٦ أشهر أخرى، أي حتى 10 تموز/يوليو 2022، على أن يتم إصدار تقرير تفصيلي من الأمين العام للأمم المتحدة، يؤكد على شفافية “العمليات عبر للحدود والتقدم في ضمان إيصال المساعدات الإنسانية عبر خطوط الاتصال لتلبية الاحتياجات الإنسانية للسوريين”.

استثمار المساعدات الإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية

ان يظل معبر باب الهوى مفتوحاً، ليس أمراً مضموناً. فبقدر ما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي إظهار الاهتمام بالبعد الإنساني لفتح المعابر تحاول موسكو استخدام المساعدات عبر الحدود كفرصة للضغط السياسي.

في السابق حاولت روسيا من دون جدوى دفع الولايات المتحدة وحلفائها لتخفيف العقوبات على سوريا، ولكن الأمر انتهى ببناء تحالف في مجلس الأمن تفوق على روسيا ٦ مرات إلّا أن موسكو نجحت في إغلاق ٣ من المعابر الحدودية الأربعة، مما كان له تأثير كبير على وصول المساعدات.

ومن خلال الاجتماعات الرفيعة المستوى بين الطرفين الروسي والأمريكي والتصريحات العلنية، تستثمر الإدارة الأمريكية رأس مال سياسي كبير لجذب انتباه الكرملين، وأحد افتراضات المسؤولين الأمريكيين هو أنه بينما ستحاول روسيا استغلال قضية معبر باب الهوى لتحقيق مكاسب سياسية، فإنها في الوقت نفسه لا تريد في الواقع إغلاق الحدود.

وتعتقد إدارة بايدن إن موسكو تعرف إنه إذا تم إغلاق الحدود سيؤدي تفجر الأوضاع وفشل حالة الاستقرار في إدلب، ومثل هذا السيناريو لا ترغب به كل من روسيا والحكومة السورية.

ولدى واشنطن خيارات قليلة لإجبار موسكو على ذلك، وقد تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية موقفاً عدوانياً باستخدام نفوذها في حالة معارضة روسيا لرغبتها في استمرار آلية إدخال المساعدات روسيا، من خلال زيادة العقوبات على الحكومة السورية أو الضغط على “قوات سوريا الديمقراطية”، لتقليص تعاونهم مع القوات الروسية في شمال شرقي سوريا.

تريد روسيا الحفاظ على شراكتها مع تركيا، وتريد تركيا إصلاح علاقتها المشحونة مع الولايات المتحدة الأميركية، كما لا ترغب موسكو في خلق موجة أخرى من اللاجئين إلى تركيا، في وقت تحاول فيه أنقرة وواشنطن إصلاح العلاقات بينهما لاحتواء النفوذ الروسي، ما يجعل هذه الديناميكية حاسمة للتعاون الإنساني المشترك.

وإذا دعمت تركيا جهود الولايات المتحدة لاستمرار سماح العمل بمعبر باب الهوى، فمن المرجح أن تطلب موسكو أمرين من أنقرة: الأول أن تنفذ التزاماتها في النسخة الأخيرة من وقف إطلاق النار في إدلب، بما في ذلك الدوريات المشتركة التي أعاقتها الهجمات التي تعرضت لها، والثاني أن تسحب قواتها جنوب الطريق الرئيسي إلى المدينة، الأمر الذي يعتبر بمنزلة تنازل كبير في المنطقة

فالهدف الأساسي لروسيا هو إعادة تعويم الحكومة السورية دولياً، والإقرار بأن الصراع السوري قد انتهى، وبالإضافة إلى ذلك، تريد روسيا رفع العقوبات المفروضة على سوريا للسماح بتمويل إعادة الإعمار من أوروبا والخليج والولايات المتحدة.

تلويح روسي بعدم تمديد سماح العمل بمعبر باب الهوى

في تصريح لوكالة تاس الروسية هدد مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألسكندر لافرنتييف بأن بلاده لن تمدد آلية المساعدات عبر الحدود إلى سوريا، ” في حال لم يتم إحراز تقدم في حل المشاكل الإنسانية” على حد تعبيره.

وجدد المبعوث الروسي موقف بلاده من أن “آلية العبور غير شرعية”، مشيراً إلى أن هذه الآلية “غير كفؤة وتتجاوز إطار القانون الدولي” لأنه لم يسبق وأن تم تطبيقها في العالم قبل سوريا، بحسب تصريحه.

ووفق هذا الموقف الروسي المتكرر بشأن آلية المساعدات عبر الحدود، تطالب موسكو أن تصل جميع المساعدات الأممية إلى دمشق، حيث يتم إدارة توزيعها من هناك.

دعم أمريكي لاستمرار المساعدات

قال ريتشارد ميلز نائب الممثل الأميركي لدى الأمم المتحدة، خلال كلمة في اجتماع مجلس الأمن الدولي حول سوريا إن واشنطن تدعم وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين عبر معابر الشمال السوري، وهو أمر لا يمكن الاستغناء عنه لتخفيف المعاناة عن سكان تلك البلاد.

وأوضح ريتشارد ميلز أن “الولايات المتحدة تدعم استخدام جميع الأساليب لتقديم المساعدة في سوريا”، وأشار المسؤول الأميركي إلى أن واشنطن “تؤيد التطوير والتنفيذ الكامل للخطة التشغيلية المقترحة للعمليات المنتظمة المشتركة بين وكالات الأمم المتحدة عبر الخطوط خلال الأشهر الستة المقبلة، وخطط التوزيع الجديدة لتلك المساعدة عبر الخطوط في سوريا”.

وكان غوتيرش قد قدم غوتيرش تقريرا لمجلس الأمن قال فيه إن إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى شمال غربي سوريا من دون موافقة نظام الأسد ما زال ضروريا. وأوضح “في هذه المرحلة، لم تبلغ القوافل عبر خطوط الجبهة وحتى المنتشرة بشكل منتظم، مستوى المساعدة الذي حققته العملية العابرة للحدود”.

ونشرت وكالة “فرانس برس” هذا التقرير السري، حيث قال غوتيريش فيه: “في هذه المرحلة، لم تبلغ القوافل عبر خطوط الجبهة وحتى المنتشرة بشكل منتظم، مستوى المساعدة الذي حققته العملية العابرة للحدود” عند معبر باب الهوى بين سوريا وتركيا.

كما قال وكيل أمين عام الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، في وقت سابق، أن “العمليات الإنسانية العابرة للحدود التي يتم إجراؤها من تركيا، تعتبر الأكثر كفاءة وتوقعا للوصول إلى ملايين الأشخاص المحتاجين في سوريا”.

ويذكر أن مسؤولا أمميا قد صرح في جلسة لمجلس الأمن الدولي في وقت سابق من هذا العام، حول تطورات الأزمة الإنسانية في سوريا، وقال أن “الاحتياجات الإنسانية في هذا البلد أكبر مما كانت عليه في أي وقت مضى منذ بدء الحرب في عام 2011”.