أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – قال الخبير الاستراتيجي الروسي أندريه أونتيكوف أنه هناك جمود في بعض ملفات الأزمة السورية، مشيراً إلى ضرورة انسحاب القوات الأمريكية من سوريا بالتوافق مع روسيا، مؤكداً أن روسيا تحترم المصالح الأمريكية والأكراد، وأضاف أن الحوار بين الأكراد ودمشق شرط لحل الأزمة السورية، ولا بد من إجراء تغيير في نظام الحكم في سوريا المستقبل.
واعتبر أندريه أونتيكوف خلال حوار مطول مع شبكة “أوغاريت بوست” أن “الجمود في بعض الملفات بالأزمة مرتبط بالدول المتدخلة والتوافق فيما بينهم ولا يستطيع أي طرف تقديم تنازلات لإيجاد حل للأزمة، لافتاً إلى أن “روسيا تتفهم المصالح الامريكية والتركية ولكنها تتصرف بموجب القوانين الدولية التي تنص على ضرورة الحفاظ على سيادة الدول ووحدة أراضيها”.
ومن جهة أخرى اعتبر أونتيكوف أن “أي توافق أمريكي روسي يمكن أن يكون مبنياً على الطلبات الروسية وهو إعادة السلطة السورية إلى كامل الأراضي التي تتواجد فيها حالياً واشنطن أي مناطق شرق الفرات والتنف”، مؤكداً أن “روسيا مستعدة لاحترام المصالح الأمريكية وحلفائها الأكراد”.
وشدد الخبير الاستراتيجي الروسي على ضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية من سوريا بما فيها الإيرانية والروسية، لكن بظروف وشروط محددة، واستثنى قاعدتي حميميم وطرطوس من أية عمليات انسحاب مستقبلية.
كما أكد أن “الحوار بين دمشق والأكراد هو أحد الشروط الرئيسية لحل الأزمة السورية، وهناك أكثر من مجال لنجاح هذا الحوار”، لافتاً إلى أن “التوافق الداخلي هو شرط لحل الأزمة السورية، إلى جانب احترام مصالح الدول الأجنبية المعنية بالأزمة السورية، وهذا ما تقوله روسيا دائماً”.
وذكر بأنه “لا يوجد بديل أو سيناريو إلا بعودة السلطة السورية إلى كل المناطق السورية، ولكن هناك حاجة لبعض التغيرات في نظام الحكم في البلاد، وسنشاهد بعض التغيرات في نظام الحكم في نهاية المطاف”.
وفيما يلي نص الحوار الكامل:
1- كيف تقيمون تطورات الأوضاع في سوريا في هذه المرحلة، لماذا هذا الجمود في تقديم حلول للأزمة ؟
شاهدنا مؤخراً تطورات مهمة في درعا، بشكل أو بآخر الأزمة السورية ليست متجمدة، نشاهد من وقت لآخر بعض التحركات والتغيرات، وأنا أتفق معكم جزئياً فقط، من جهة أخرى نعم هناك نوع من الجمود في تطورات الأحداث في شرق الفرات وإدلب، وبرأي الشخصي هذا الأمر متربط بضرورة إيجاد نقاط مشتركة بين الأطراف المعنية، بين روسيا وتركيا وأيضاً بين روسيا وأمريكا. أنا شخصياً لا أرى أن أي طرف من الأطراف حالياً يستطيع أن يقدم تنازلات لإيجاد حل للأزمة السورية بشكل عام.
أما بالنسبة لروسيا لا يمكن أن تقدم تنازلات، يمكنها أن تتفهم المصالح الأمريكية والتركية ولكن روسيا تتصرف وفقاً للقوانين الدولية والتي تنص بكل وضوح على ضرورة الحفاظ على سيادة الدول ووحدة أراضيها، فلذلك أنا أعتقد أن حل المسألة السورية مرتبطة بمسألة الوقت.
2- كثر الحديث عن توافقات روسية أمريكية بخصوص الملف السوري، ما المعلومات المتوفرة بخصوص ذلك، وهل يمكن أن يكون الحل السوري هو عبارة عن توافق روسي أمريكي ؟
بصراحة من وقت إلى آخر أسمع شائعات عن نوع من التوافقات أو الصفقات الروسية الأمريكية، ولكن الحقيقة هي أنه حتى الآن فقط هناك خط ساخن بين موسكو وواشنطن، وأفضل أن أقول بين العسكريين الروس والأمريكان وهذا الخط الساخن من أجل منع أي تصادم عسكري مباشر بين الطرفين.
في نفس الوقت أعتقد أنه إذا تحدثنا عن توافق أمريكي روسي فهذا التوافق يمكن أن يكون مبنياً فقط على الطلبات الروسية وهي إعادة السلطة السورية إلى كامل الأراضي التي تتواجد فيها حالياً واشنطن أي مناطق شرق الفرات والتنف، من جهتها روسيا مستعدة لاحترام المصالح الأمريكية وحلفائها الأكراد، وعندما نتحدث عن مصالح الأكراد فهذا يعني ربما تقديم الحقوق الثقافية الخاصة للأكراد وإنشاء كيان ثقافي بحيث يدرسون بلغتهم الكردية والتمسك بالتقاليد والثقافة الكردية. وفي نفس الوقت تجري أعمال صياغة دستور سوريا الجديد وهذا الدستور يجب أن يكون ملزماً لكل المناطق السورية دون استثناء وبطبيعة الحال أعتقد أنه في هذا الدستور الجديد سيكون هناك احترام لكل مكونات وطوائف وأديان والمكونات الإثنية للشعب السوري.
3- ما مصير القوات الأجنبية في سوريا وخاصة القوات التركية والإيرانية مع الحديث عن احتمال توافق روسي أمريكي بخصوص الأزمة ؟
عندما نتحدث عن القوات الأجنبية بشكل عام فتلك القوات يجب أن تنسحب مع حل الأزمة السورية، وقبل كل شيء يجب أن تنسحب من سوريا القوات المتواجدة هناك بشكل غير شرعي وهنا أتحدث عن القوات الأمريكية والتركية. أما بالنسبة للقوات الإيرانية فأيضاً يجب أن تنسحب مع نهاية الحرب ومكافحة الارهابيين، ونفس الشيء بالنسبة للقوات الروسية فعندما نشاهد حلاً نهائياً للأزمة السورية لن تكون هناك معنى لبقاء القوات الروسية في سوريا، باستثناء القاعدتين العسكريتين في حميميم وطرطوس، لذلك الشرطة العسكرية متواجدة حالياً في جنوب وشرق وكل المناطق السورية وروسيا تسعى لسحبها، ولكن قبل هذا الانسحاب يجب أن نشاهد هزيمة للإرهابيين وحل سياسي للأزمة السورية وانسحاب كل القوات العسكرية الأجنبية المتواجدة في سوريا.
4- بالنظر إلى الأزمة وسيطرة الحكومة السورية على مساحات واسعة من البلاد، هل تعتقد أن سوريا يمكن أن تعود كما كانت قبل عام 2011 أم هناك حاجة للتغيير في شكل نظام الحكم في البلاد ؟
لا يوجد بديل أو سيناريو إلا بعودة السلطة السورية إلى كل المناطق السورية، وروسيا تسعى من جانبها إلى ذلك، وروسيا تقول بأنه هناك حاجة للحفاظ على سيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها، لذا من جديد نعود إلى فكرة ضرورة انسحاب القوات الأجنبية الموجودة في سوريا بشكل غير شرعي لأن تلك القوات هي حجر عثرة رئيسي أمام سيطرة القوات السورية على كافة الأرضي السورية، هناك القوات التركية في إدلب وعفرين وفي شرق الفرات هناك القوات الأمريكية.
هناك حاجة لبعض التغيرات في نظام الحكم في البلاد، ولكن هذه التغيرات يجب أن تكون مبنية من جهة على قرار مجلس الأمن 2254، ومن جهة أخرى على السوريين أن يتخذوا القرارات بهذا الخصوص لذلك تم تشكيل اللجنة الدستورية، ولكن لا يوجد تقدم جذري في أعمال هذه اللجنة .. لذلك نحن سنشاهد بعض التغيرات في نظام الحكم في نهاية المطاف.
5- لماذا لا ينتج عن الحوار بين الحكومة السورية والمعارضة التابعة لتركيا حلول بخصوص الأزمة ؟
يمكن أن أقول بأن العملية السياسية في سوريا والحوار بين الحكومة والمعارضة هي مسألة ليست سارية، بطبيعة الحال أعلم أن الأزمة السورية استمرت 10 سنوات ولكن الكل يدرك تماماً أنه خلال هذه السنوات كان التركيز على العمليات القتالية وكان هناك انتشار لداعش وجبهة النصرة ولم تكن هناك فرصة أو وقت كافٍ للتعامل مع الملفات السياسية، وأود أن ذكر أن روسيا أجرت مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي في عام 2018، وهذا المؤتمر كان مقدمة لتشكيل اللجنة الدستورية، يعني بصراحة العملية السياسية مستمرة لكنها لم تستطيع أن تتقدم من جهة ومن جهة أخرى ولم يكن هناك وقتاً كافياً لذلك.
وبالعودة إلى سؤالكم حول الحوار بين المعارضة والحكومة، بشكل أو بآخر نحن نشاهد توافقات تم تشكيل اللجنة الدستورية وفي نفس الوقت هناك حاجة لتنازلات من قبل الطرفين وربما سنشاهد هذه التنازلات عاجلاً أم آجلاً.
6- الكثير من الأطراف تعول على الحوار بين السوريين في الداخل، أقصد الحوار بين (المعارضة الداخلية والحكومة السورية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا)، ما فرص نجاح هذه الحوارات إن حدثت مستقبلاً ؟
أنا أعتقد أن هذا الحوار هو أحد الشروط الرئيسية لحل الأزمة السورية، روسيا من جهتها دائماً تصر على بدء هذا الحوار خاصة بين الحكومة السورية والأكراد في شمال شرق سوريا، وفي نهاية المطاف هذا الحوار يجب أن يحدث للحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة السورية، برأي الشخصي هناك أكثر من مجال لنجاح هذا الحوار ولكن الشرط المهم لنجاح هذا الحوار هو على الأقل تقليص النفوذ الأمريكي على هذا الحوار بسبب أن أمريكا لا تهتم بالحفاظ على سوريا كدولة موحدة، نحن نعلم الطلبات الأمريكية وهي لا تزال مع تنحي السلطات السورية في دمشق والمشكلة الرئيسية في هذه الظروف هي أن البعض يمكن أن يفكر بأن أمريكا تحترم مصالح بعض مكونات الشعب السوري ولكنه تصور خاطئ ولأمريكا فقط مصالحها وفي حال تغيرت تلك المصالح فالسياسة الامريكية ستتغير، وهذا ما شاهدنا قبل بدء العملية التركية في “نبع السلام”، القوات الأمريكية ببساطة انسحبت من المناطق الحدودية وتركت الأكراد بيد تركيا، فلذلك يجب أن نعود إلى الحوار وروسيا دائماً تصر أن كل الأطراف المعنية بهذا الحوار يجب أن تعول فقط على مصالح الدولة السورية وليس مصالح الدول الأجنبية.
7- ما هي معوقات الحوار الداخلي بين السوريين ؟
أنا أعتقد أن العائق الرئيسي هي الولايات المتحدة الأمريكية، فكلما تراجعت أمريكا عن فكرة بقائها في سوريا والحفاظ على تواجدها العسكري في سوريا كلما كان الحوار بين الحكومة والمعارضة الداخلية بناءاً للغاية، لذلك هذا هو المعوق الرئيسي، ومن جديد أقول بأن المشاكل الرئيسية عندما نتحدث عن الأزمة السورية هي تتعلق بتواجد القوات الأجنبية المتواجدة بشكل غير شرعي.
8- التوافق الداخلي السوري كيف يمكن أن يؤثر على مسارات الحل السوري، وما الدور الذي يمكن أن تلعبه موسكو في إتمام المسار الداخلي السوري ؟
التوافق الداخلي هو شرط لحل الأزمة السورية، إلى جانب احترام مصالح الدول الأجنبية المعنية بالأزمة السورية، وهذا ما تقوله روسيا دائماً، وعندما نتحدث عن الحوار الداخلي فروسيا تحاول أن تلعب دوراً وسيطاً وتجمع الحكومة السورية والمعارضة الداخلية على طاولة الحوار، لأن روسيا تهتم كما قلت في السابق بوحدة الأراضي السورية وسيادتها، وعودة الاستقرار إلى سوريا لأن الأزمة السورية تؤثر سلبياً على منطقة الشرق الأوسط ككل وهذا لا يتوافق مع المصالح الروسية لأن روسيا مع عودة الاستقرار إلى المنطقة.
حوار: يعقوب سليمان