“فعليا يستقوي الوزير قرداحي بمن اختاره في الحكومة، ويستقوي من اختاره بالنظام السوري، وأما النظام فيستقوي لبنانيا بحزب الله”
تتحمل الطبقة السياسية اللبنانية جزءا كبيرا من الأزمة التي تسببت بها تصريحات الوزير جورج قرداحي، لكن أزمة قرداحي هي نتيجة لأعوام من التغاضي الخارجي عن التحولات الداخلية اللبنانية التي جرت تحت غطاء الحفاظ على الاستقرار، وضرورة إبعاد لبنان عن أتون الحرب على ثورة الشعب السوري، إلا إن معادلة استقرار لبنان لم تنجح في منع ارتباطه بالمسألة السورية التي باتت تمثل جزءا من النتيجة التي وصلت إليها الحالة السياسية اللبنانية.
فعليا يستقوي الوزير قرداحي بمن اختاره في الحكومة، ويستقوي من اختاره بالنظام السوري، وأما النظام فيستقوي لبنانيا بحزب الله، إذ أعطى الأخير مساحة للنظام لكي يساعده في إعادة تعويم نفسه من البوابة اللبنانية، ولكن في الفترة الأخيرة لم يعد يستند فقط على البوابة اللبنانية بل إن هناك بوابات عربية قد فتحت للأسد تحت ذريعة إعادة الحضور العربي إلى دمشق.
ففي لحظة صعبة لبنانية بدأ هذا الحضور مفيدا، خصوصا بعد أزمة الطاقة التي يمر بها لبنان، حين جاء الحل الأردني المصري لأزمتي الغاز والكهرباء عبر الأراضي السورية، وذلك عبر سماح أميركي بعدما وافقت واشنطن على استثناءات خاصة من عقوبات قيصر، لكن زائرا أميركيا كبيرا من إدارة جو بايدن نبّه من التقاهم من مسؤولين لبنانيين قبل شهرين تقريبا أن الغاز والكهرباء من الأردن ومصر يمران عبر الأراضي السورية وليس عبر دمشق، وهي رسالة في عدة اتجاهات أبرزها أن قانون قيصر رسم حدود التطبيع مع الأسد، وأن من في بيروت لا يمكنه استغلال السماح الأميركي في مشروع إعادة تعويمه.
عمليا الحضور العربي في دمشق يفتقد إلى أدوات القوة والضغط، وحضوره يستند فقط على المساحة الروسية المحدودة التي تتعامل معه تكتيكيا، فيما تستثمر استراتيجيا في شراكتها مع طهران، وهي شراكة جيوسياسية فرضت على موسكو الشراكة مع طهران كأحد أهم الشروط للوصول إلى المياه الدافئة، وهي علاقة إستراتيجية مستمرة منذ أكثر من خمسة قرون لا تؤثر عليها لا الغارات الإسرائيلية على أهداف إيرانية في سوريا ولا محاولات عربية للتدخل في الشأن السوري عبر موسكو.
المفارقة أن الدول العربية التي تروج لفكرة الحضور العربي في سوريا والتطبيع مع الأسد، هي ذاتها تقود مشروع السلام مع إسرائيل، وهذا ما يدفع إلى الاستهجان، وإن طهران تتقاطع مع من تصفهم بمحور التطبيع مع إسرائيل حول الأسد، وإن هذه الدول التي تريد عودة الحضور العربي إلى دمشق غير منزعجة من أن رأس النظام السوري تحميه دبابات إيرانية.
وبناء عليه فإن مشروع التطبيع العربي مع الأسد أوهام لا تستفيد منها إلا طهران وذراعها الإقليمي الأقوى حزب الله، الذي يتصرف مع لبنان دولة وشعبا من موقع الغلبة السورية التي أتاحت له هندسة السلطة اللبنانية سنة 2016، وتحديد خياراتها وتموضعها وفقا لنظام مصالحه وسياقاته العقائدية، وذلك كونه المنتصر الأبرز في سوريا.
لذلك يستكمل حزب الله فرض انتصاره السوري ليس فقط على الشعبين السوري واللبناني، بل هو يستثمر ما يحدث في سوريا ولبنان في مواجهة أي طرف يقف بوجه مشروع النفوذ الإيراني في المنطقة الذي تشكل سوريا فيه مركز الثقل الإقليمي لهذا المشروع، وأي مشروع للتواصل مع دمشق تعتبره طهران مكسبا سياسيا لها، حتى لو جاء من خصومها أو أعدائها. لذلك فقد كان البعض في بيروت ودمشق ينتظر أن تبادر الرياض مباشرة أو عبر وسطاء إلى الحديث مع نظام الأسد من أجل حل أزمة الوزير قرداحي باعتباره خيارا سوريا في الحكومة اللبنانية، ولكن ما لم يصل إلى آذان هؤلاء تصريح وزير الخارجية السعودي الذي أكد رفض بلاده التطبيع مع نظام الأسد.
في النهاية عروبة لبنان من عروبة سوريا، ومن أفرغ موقع لبنان العربي لن يسمح بدور عربي في سوريا، وما يحدث من غلبة في بيروت بدأ أولا في دمشق.
مصطفى فحص – كاتب وصحفي – الحرة
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والموقع