أعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن قرار انسحابها النهائي من أفغانستان. ومما لا شك فيه أن القرار فيه الكثير من المنطق خاصة بعد 20 عاماً من الصراع المسلح في المنطقة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ماذا يعني هذا القرار وما هي احتمال تداعياته المختلفة؟
وبنظرة متعمقة قليلاً نستطيع أن نرى أبعاد هذا القرار واحتمالات تداعياته. ومن الهام إدراك هذه التداعيات حتى يمكننا وضع استراتيجيات لمواجهة هذه الاحتمالات – إن حدثت.
أولاً، انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان يشير إلى إقرار واضح أن الحرب على الإرهاب لا يمكن أن تكون فقط على الصعيد العسكري. بل لابد أن يصاحبها حرب أيدلوجية ضد أيديولوجية الجماعات المتطرفة.
فها هي منظمة طالبان بأيدولوجيتها البشعة تعود الآن لتحاول السيطرة مرة أخرى على أفغانستان. وليس عندي شك – للأسف الشديد – في قدرتها على ذلك نظراً لاستخدامها وسائل مرعبة لإرعاب الناس وإخضاعهم. فمسلحي طالبان قد لا يترددون عن ذبح من يخالفهم وقتلهم علناً في الشوارع وتعليق جثثهم على الأعمدة حتى يخاف الآخرون من إبداء أي مقاومة لهم. ولن أتعجب إن أحرقوا وجوه بعض الفتيات بماء النار – كما فعل المتشددون الدينيون كثيرا ً- حتى يجبروا نساء أفغانستان على ارتداء النقاب مرة أخرى. فنحن هنا نتعامل مع نظام لا نهاية لقسوته وتطرفه.
أما الأمر الثاني، فإن سيطرة طالبان على مناطق عديدة من أفغانستان قد تعيد مرة أخرى تجارة الأفيون والحشيش إلى ذروتها وتصبح أفغانستان مرة أخرى مصدراً وبؤرة لتجارة وتصدير المخدرات المحرمة للعالم أجمع.
وبالإضافة إلى هذا، فإن سيطرة طالبان مرة أخرة على أفغانستان سيتيح لها دعم قوى التطرف الأخرى في الشرق الأوسط. ولذا وجب التنويه إلى أن دول الشرق الأوسط ولاسيما الدول الإسلامية عليها أن تعد نفسها لهذا الاحتمال بدعم الفكر التنويري بكل الوسائل من الآن، حتى لا تعطي فرصة أخرى للفكر المتشدد أن ينموا ويترعرع على أراضيها.
وبالإضافة إلى ماسبق، فإن سيطرة طالبان مرة أخرى على أفغانستان قد يكون هو قبلة الحياة لمشروع مد أنابيب الغاز من روسيا عبر البحر الأسود ليصل إلى الهند من خلال أراضي تركامستان ثم أفغانستان. وهذا المشروع العملاق قد يغير من خريطة الطاقة في العالم مما قد يؤثر وبشدة على أسعار الطاقة في جميع أنحاء العالم. والخطورة هنا تكمن في قدرة طالبان إن مرت الأنابيب عبر أراضيها أن تتحكم في أسعار الطاقة العالمية لدرجة ما، وأن تستغل ذلك من خلال التلاعب ببورصات النفط لصالحها ولمصلحة أيدولوجية التطرف التي تنتهجها.
فنحن هنا بصدد مواجهة فكر متطرف سيحاول بكل الوسائل الشرعية وغير الشرعية أن يفرض سيطرته. وعلينا أن ندرك ذلك.
ولا يمكننا أن نتغافل في هذا المضمار عن أن منظمة طالبان لن تتردد في احتواء العديد من الجماعات الإسلامية المتطرفة، ويكفي ما أعلنته شبكات “سي.إن.إن” قريباً أن مقاتلين – في الأغلب – أجانب ينتمون لحركة طالبان قد قاموا بقتل جنود أفغان بعد أن استسلموا بالفعل لهم، وهو عمل همجي بكل المقاييس العالمية والمتحضرة في قواعد الحروب.
وككلمة حق فإن القرار الأميركي بالانسحاب من أفغانستان هو قرار ضروري ومنطقي كما ذكرنا، ولكن من الحكمة أن ندرك كل الاحتمالات المذكورة أعلاه حتى يتمكن العالم الحر من منع طالبان من مد نفوذها ومخاطرها.
وقد يقتضي الأمر دعم الجهود المخابراتية بقوة حتى يتم اختراق منظمة طالبان، ومن ثم إحباط قدرتها في مرحلة مبكرة.
وللحديث بقية!
د. توفيق حميد – باحث ومفكر في الإسلام السياسي – الحرة
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والموقع