أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – مشروع جديد تسعى إليه روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين وهو عبارة عن إحياء مشروع بناء قناة مائية سوفياتية بين بحرين، والتي تربط تركيا بآسيا الوسطى.
حلم روسي
القصة بدأت في ثلاثينيات القرن الماضي حيث كان الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين قد فكّر في بناء قناة بين البحر الأسود وبحر قزوين لأن قناة الفولغا- الدون كانت تفتقر إلى العمق اللازم للتعامل مع السفن ذات السعة الكبيرة، لكن الحرب العالمية الثانية أجبرته على التوقف، ثم التخلي عن هذا الحلم.
حلم روسي قائم على الاعتماد على شركة مقرها في دبي، والتي ستقوم بإنشاء طريق مائي بين تركيا وآسيا الوسطى عبر الأراضي الروسية، وكذلك التفكير في تطوير نظام قناة جديد عبر شمال القوقاز، ولا يعد هذا النظام تقليل لأهمية التغييرات الجيوسياسية في جنوب القوقاز الناجمة عن الجولة الأخيرة من القتال الأرمني الأذربيجاني فحسب، ولكن أيضًا إلى زيادة دور روسيا كشريك في “مبادرة الحزام والطريق” الصينية لربط آسيا وأوروبا.
وقد أطلقت شركة دبي بالفعل مشروع الممر المائي الخاص بها حيث تتحرك سفنها الآن عبر الأنهار والقنوات الداخلية الروسية الموجودة مسبقًا لكن القناة الجديدة المقترحة تواجه عقبات هائلة ليس طبوغرافية فقط، وإنما سياسية وعرقية أيضاً ما يجعل من غير المرجح أن يتم تنفيذها في المستقبل القريب، ومع ذلك، فإن هذه التحركات الأخيرة على رقعة الشطرنج الجيوسياسية في القوقاز لها تأثير مسبق.
شركة “بي آند أو لوجستيك” ومقرها دبي والتي تمتلك حوالي 400 سفينة شحن، أعلنت الأسبوع الماضي عن افتتاح طريق جديد لشحن حاويات البضائع بين إسطنبول وآسيا الوسطى باستخدام الممرات المائية الداخلية في البحر الأسود وروسيا مثل قناة الفولغا- الدون، ثم عبر بحر قزوين إلى كازاخستان وتركمانستان. وقد رحب المسؤولون الروس والأتراك بهذا التطور ومع ذلك، فشلت دول أخرى في المنطقة المتأثرة بها، بما في ذلك أذربيجان وإيران حتى الآن في الرد علنًا، على الرغم من أن كلاً منهما قد تجد دورها الجيوسياسي محدودًا وقد يتم الآن نقل التجارة بين الشرق والغرب عبر الأراضي الأذربيجانية والإيرانية إلى الشمال.
اللعبة الحاسمة
يحدد إعلان الشركة أنها ستستخدم قناة الفولغا-الدون، لكنه لا يشير إلى كيفية تأثير ذلك على السرعة، وبالتالي على سعر مرور الحاويات على طول الطريق، وفي الوقت الحالي، لا يمكن للسفن التي تستخدم القناة بعمق كبير، وهو قيد من شأنه أن يمنع استخدام السفن الكبيرة لهذا الممر المائي. ومع ذلك، فإن الأمر الأكثر أهمية هو أن الطريق مفتوح الآن ولا يعتمد على إعادة فتح السكك الحديدية في جنوب القوقاز أو على بناء ممرات نقل جديدة. وعلاوة على ذلك، فإنه يعيد موسكو إلى اللعبة الحاسمة لحركة مرور الحاويات. وكانت روسيا قد ركزت، حتى الآن، على الشحنات السائبة، والتي تتراجع أهميتها.
ويرى مراقبون أن موسكو تفكر مرة أخرى بنشاط في بناء القناة عبر شمال القوقاز. وقد فكرت السلطات الروسية مثل هذا المشروع الضخم قبل 6 أعوام لكنها أجلته في ذلك الوقت. ولم تكن التكلفة حجر عثرة كبير فحسب، بل تمحورت مخاوف أخرى حول التوترات المتزايدة بين موضوعين اتحاديين جمهورية كالميك وداغستان، حول المسار والسيطرة على ميناء بحر قزوين في الطرف الشرقي للقناة المقترحة. وقد خفت حدة التوترات الآن، وتم التوصل إلى حل وسط وفقًا لآخر الخطط،
تطورات متعددة
إضافة إلى ذلك، يبدو أن 3 تطورات أكبر كانت وراء اهتمام موسكو المتجدد. أولاً، كانت روسيا تنقل سفن أسطول بحر قزوين ذهابًا وإيابًا بين القاعدة الرئيسية لتلك الوحدة البحرية وبحر آزوف/ البحر الأسود للضغط على أوكرانيا. وستسمح قناة جديدة أكبر لموسكو بإجراء عمليات إعادة الانتشار هذه بسرعة أكبر. ومن خلال جعل المشروع أولوية للأمن القومي، يمكن للكرملين تجنب أي اعتراضات محلية على التكلفة المتوقعة.
ثانيًا، تشعر روسيا بقلق متزايد بشأن الجهود الصينية والأذربيجانية والإيرانية لتعزيز التجارة بين الشرق والغرب، والتي تتجاوز الأراضي الروسية. وقد اكتسبت هذه الجهود أهمية لأن هذه الدول تعتمد بشكل أساسي على حركة الحاويات متزايدة الأهمية بدلاً من الشحنات السائبة التي ركزت عليها موسكو. ومن خلال فتح قناة جديدة، يمكن أن تصبح موسكو طريقًا رئيسيًا لحركة الحاويات عبر أوراسيا.
وثالثاً، استأنفت إيران المحادثات حول العمل مع روسيا لبناء قناة بين بحر قزوين والخليج العربي. وسيكون هذا المشروع أكثر جاذبية لموسكو إذا تم ربطه بقناة شرق-غرب روسية عبر شمال القوقاز. وأحد المؤشرات على العلاقة بين هذين المشروعين هو أن طهران تحدثت عن مثل هذه القناة قبل 5 سنوات، بينما كانت موسكو تناقش مشروع قناة عبر شمال القوقاز، لكنها تخلت عن الفكرة عندما بدا أن روسيا أوقفت خططها.
وبالنهاية فإن ترويج روسيا لقيامها بإنشاء قناة تربط تركيا مع أسيا الوسطى عبر أراضيها قائم على دلالات كثيرة باعتبار أن المشروع تم تأجيله مرارا وتكراراً لعدم جدواه أحياناً إلا ان ذلك قد يدفع موسكو لاتخاذ سياسة جديدة في رسم المعادلة القادمة القائمة على علاقاتها مع دول حليفة على حساب أخرى.
إعداد: يعقوب سليمان