بعد بداية واعدة في عهد جو بايدن، تقترب المحادثات بين إيران والولايات المتحدة وخمس قوى عالمية أخرى لإحياء اتفاق ضبط النفس النووي التاريخي الذي توصلوا إليه في عام 2015، والذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب من جانب واحد في عام 2018، من لحظة الحقيقة.
إذا تم تعديل الصفقة، فستكون هناك سلسلة أخرى من اللحظات الصعبة حيث تسعى القوى الإقليمية والعالمية للحد من تدخل إيران عبر الشرق الأوسط: استخدامها الناجح للميليشيات العربية لبناء ممر شيعي من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى الخليج مرورا باليمن وصولا الى البحرين.
بالنسبة للولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث الموقعة على اتفاق 2015، فإن هذين الهدفين مرتبطان. ولكن بالنسبة لإيران، التي يمكن أن تعتمد بشكل عام على دعم روسيا والصين، فهما منفصلتان.
وتنظر طهران إلى الأجندة الإقليمية على أنها شيء يمكن التفاوض عليه مع جيرانها، مثل خصمها اللدود المملكة العربية السعودية والقوى سنية أخرى. ومع ذلك، في ألعاب الشطرنج ثلاثية الأبعاد هذه، يستخدم المفاوضون الإيرانيون المهرة مجموعة الصراعات بالوكالة بين الشيعة والسنة كبيادق على رقعة الشطرنج الجيوسياسية التي يواجهون عليها الولايات المتحدة والغرب.
أصرت إدارة باراك أوباما – حيث كان بايدن نائباً للرئيس – على التعامل مع القضية النووية بشكل منفصل عن سلوك إيران الإقليمي، حيث كانت تخشى واشنطن حينها من أن تبدأ طهران، في المتاجرة بالعدد المسموح به من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم مقابل تحكم(طهران) بصعود وهبوط العمليات الشبه عسكرية.
إدارة بايدن حذرة
يبدو حتى الآن بأن ادارة بايدن تتعامل مع برنامج إيران النووي والسلوك الإقليمي بشكل منفصل، كما فعل أوباما. لكن بعض المسؤولين يقولون إن هذه القضيتين غير منفصلتين، ولكن هي عبارة عن جملة واحدة تفصلها الفاصلة فقط.
تريد إيران ضمانات ضد عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية التي ردعت المستثمرين الأجانب، على الرغم من الاتفاق النووي. كما تريد (طهران) شطب الحرس الثوري الإيراني من قوائم الارهاب الأمريكية، وهذا بحد ذاته يمثل إشكالية طالما أن قادة الحرس الثوري الإيراني لا يقودون العمليات شبه العسكرية في الشرق الأوسط فحسب، بل يديرون قمة الهرم الاقتصادي في ايران.
قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إن “مئات العقوبات ستبقى سارية حتى مع التوصل إلى اتفاق نووي، ما لم يتغير سلوك إيران”.
ومع ذلك، فإن إيران، بمتطلباتها الاستثمارية الهائلة التي لم تتم تلبيتها، بحاجة ماسة إلى المال. حتى أن الأمر بدا كما لو أن الحكام المحيطين بآية الله علي خامنئي، يريدون اتفاقًا نوويًا سريعًا حتى يتم إلقاء اللوم على حسن روحاني، الرئيس المحافظ المنتهية ولايته، الذي أبرم صفقة عام 2015، في حين أن الأموال الجديدة التي تم منحها ستتدفق إلى حكومة متشددة.
يكاد يكون من المؤكد أن يكون إبراهيم رئيسي، القاضي المتشدد، رئيسا بعد انتخابات 18 حزيران حيث تم استبعاد المرشحين المحافظين والإصلاحيين القادرين على المنافسة.
قادة مثل خامنئي ورئيسي لا مبالين ومتصلبين، ومع ذلك، فهم عرضة للتمرد المنتظم في الداخل، ويكافحون في الخارج للسيطرة على ما هو أقل محور قوة من مجموعة من الدول المنهارة.
فقد الإيرانيون السيطرة على ميليشياتهم العراقية، التي استمرت في استفزاز القوات الأمريكية، بينما تستأنف الاحتجاجات الجماهيرية (الشيعية بشكل أساسي) في العراق. تحت أنقاض سوريا، لا يستطيع وكيل ايران (بشار الأسد) إطعام الموالين، ناهيك عن التوفيق بين اللاجئين والنازحين داخليًا. في لبنان، حيث يحتل حزب الله مركز الصدارة، قال البنك الدولي حديثا، إن أزمته (لبنان) المالية والاقتصادية مجتمعة يمكن أن تكون ثالث أسوأ أزمة على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
في حين أن روسيا والصين، على الرغم من اهتمامهما الشديد بالحصول على الأصول المتعثرة، لن تحصل بعد على فاتورة إعادة الإعمار في إيران ومجال نفوذها الذي قد يتجاوز تريليون دولار. يضيف البعض أن إعادة إحياء الاتفاق النووي يحتاج إلى فتح وفاق إقليمي جديد وبنية أمنية جديدة، يليها إعادة إعمار ضخمة يمكن للجهات الفاعلة الخليجية العربية الاستفادة منها أثناء تنويعها بعيدًا عن النفط.
المصدر: صحيفة الفاينانشال تايمز البريطانية
ترجمة: أوغاريت بوست