القاتل في العراق لا يصلح لنجدة مقتول في فلسطين ولا يصلح لمقاتلة القاتل نتنياهو. فهل تستمع حماس وتتوب وهل يتقي الله في دماء الفلسطينيين قادتها الغارقون في العسل الإيراني المسموم؟
انتفاضة شعبية ضد الحرب التدميرية
حكاية الفلسطينيين في العراق حكاية طويلة ومريرة. فلمن لا يعرف نقول إن العراق يكاد يكون الدولة العربية والأجنبية الوحيدة التي ألغت تسمية “لاجئ فلسطيني”، وأصدرت قانونا بذلك فتجعله مواطنا ضيفا على الشعب العراقي باسم “فلسطيني”، ولم تمنحه حق الإقامة الدائمة، فقط، والدراسة والعمل والحرية الكاملة في التحرك والتنقل والتملك، بل أجازت له استقدام من يخصه من الأقارب، بموجب قانون لمّ الشمل، مع راتب وسكن.
وكان أكثر الحكام العراقيين رعاية لهم هو الزعيم عبدالكريم قاسم، ثم تحسنت وسائل العناية بهم في زمن الرئيس عبدالسلام عارف، وبلغت أحسن أحوالها في أيام الرئيس أحمد حسن البكر ثم صدام حسين.
لا يوجد عراقي واحد شريف وأصيل يعترض على وضع جميع الطاقات والإمكانات العراقية للدفاع عن الحق العربي الفلسطيني المغتصب في مواجهة العنجهية العنصرية الصهيونية
حتى أن بعضهم استحق درجة متقدمة في الوزارات والمؤسسات العراقية، كما برز منهم مفكرون وأدباء وشعراء، ومنهم الشاعر والناقد البارز جبرا إبراهيم جبرا، والشاعر والناقد المهم خالد علي مصطفى، والمبدع الموسيقي ومربي الأجيال العراقية الفنان روحي الخماش، وناصيف عواد وأديب ناصر وحسن طوالبة، وآخرون.
والخلاصة هنا هي أن أحدا من العراقيين لم يكن يعتبرهم أجانب، كما كان حالهم في بلدان عربية عديدة. ولولا قرار جامعة الدول العربية القاضي بمنع منحهم الجنسية انتظارا لعودتهم إلى ديارهم في قادم الأيام لكانوا قد أصبحوا عراقيين من زمن بعيد.
ويُعتقد بأن حوالي 34 ألف فلسطيني كانوا يعيشون في العراق.
ولكن حين حدث الغزو الأميركي للعراق، ودخلت الميليشيات العراقية قادمة من إيران بدأ الفلسطينيون في العراق يتعرضون إلى أسوأ أنواع القهر والاضطهاد والظلم والترويع، إما بقوانين الحكومة وإجراءاتها التعسّفية أو بممارسات الجماعات المسلحة الشيعية التي اعتبرت المعاملة التفضيلية التي تلقوها في أيام صدام حسين دليلا على كونهم صدّاميين. فقُتل منهم من قتل، واعتقل من اعتقل، وخاف كثيرون آخرون فأخذوا أطفالهم ونساءهم وشيوخهم هربا من العراق.
وما زالت عائلات فلسطينية عراقية عديدة تعيش في مخيّمات على الحدود، بعد أن رفض الأردن وسوريا دخولهم.
ليس هناك غرابة في أن يخرج الشعب العراقي، عن بكرة أبيه، من جميع الطوائف والقوميات والأديان والمناطق، منطلقا من عمق الروابط الصادقة النزيهة التي ربطته بشقيقه الفلسطيني، من العام 1948 وحتى النفس الأخير
وبالعودة إلى الانتفاضة الشعبية التي عمّت فلسطين في الأيام الأخيرة من الضفة وغزة إلى جميع مدن الداخل الفلسطيني المحتل منذ العام 1948، وما ترتكبه عصابات المستوطنين العنصريين بحق المدنيين الفلسطينيين، والحرب التدميرية الشاملة المستمرة التي يشنها القاتل بنيامين نتنياهو على غزة، وغاراته الجوية والبحرية والبرية التي قتلت ودفنت تحت الأنقاض أطفالا ونساء وشيوخا ومدنيين بالآلاف لم نجد غرابة في أن يخرج الشعب العراقي غير المنتمي إلى الميليشيات، عن بكرة أبيه، من جميع الطوائف والقوميات والأديان والمناطق، منطلقا من عمق الروابط الصادقة النزيهة التي ربطته بشقيقه الفلسطيني، من العام 1948 وحتى النفس الأخير.
ولكن الغريب والعجيب هو أن قتلة الفلسطينيين بالأمس يزايدون اليوم على المتظاهرين الآخرين، ويبالغون في البكاء على فلسطين، ويطالبون بالنفير العام لتحرير الأرض السليبة، وهم كاذبون ومنافقون.
مع العلم أن حروب حماس، كلّها، من أولها إلى آخرها، هي حروب النظام الإيراني، مئة في المئة، لأغراضه وأهدافه السياسية الخاصة به التي لا علاقة لها بفلسطين.
ففي تصريح، يبدو أنه الأول من نوعه، تحدّث النائب المتشدد في البرلمان الإيراني والقائد السابق في الحرس الثوري جواد كريمي قدوسي في مقر لقوات الباسيج في طهران، فقال “إنّ كتائب القسام، وهي الذراع العسكرية لحركة حماس، ليست تحت إمرة إسماعيل هنية أو خالد مشعل، إنما هذه القوات تتحرك بأوامر إيرانية، لأنه في حال باعت قيادة حماس نفسها للدول الأخرى تبقى كتائب القسام بأيدينا”.
كما كشف مسؤول عسكري إيراني آخر أن بلاده نقلت تقنية صواريخ فجر- 5 إلى قطاع غزة، حيث قصفت بها الفصائل الفلسطينية بلدات إسرائيلية، خلال حربها الأخيرة.
ثم خطب هنية، من الدوحة، وهو على بعد أمتار عن المبنى الذي يرفرف عليهِ العلم الإسرائيلي، وعلى بعد أمتار أيضا، عن قاعدة العديد العسكرية الأميركية، فوجه شكره الخاص إلى إيران على الدعم الذي تلقته كتائب القسام.
إن قضايا الشعوب لا تتجزأ. فلا يمكن لمن يمارس القهر والظلم والتهجير والتدمير ضد شعبٍ، هنا، أن يكون صادقا في دفاعه عن حقوق شعب آخر، هناك.
والذي فعلته ميليشيات النظام الإيراني بالعراقيين أمس، وما فعلته وما تفعله اليوم، بالشعب العراقي والسوري واليمني واللبناني والذي زاد أضعافا على فعله ويفعله اليهود الإسرائيليون بالفلسطينيين، لا يمكن أن يجعل المواطن الفلسطيني، قبل غيره، يصدّق أنها لن تفعل به الشيء نفسَه، لو تحقق هدف النظام الإيراني وتمكن من فرض هيمنته على غزة، من خلال حماس وكتائب القسام والجهاد الإسلامي في يوم من الأيام.
العراق يكاد يكون الدولة العربية والأجنبية الوحيدة التي ألغت تسمية “لاجئ فلسطيني”، وأصدرت قانونا بذلك فتجعله مواطنا ضيفا على الشعب العراقي باسم “فلسطيني”
نعم لا يوجد عراقي واحد شريف وأصيل يعترض على وضع جميع الطاقات والإمكانات العراقية للدفاع عن الحق العربي الفلسطيني المغتصب في مواجهة العنجهية العنصرية الصهيونية وصلافة المستوطنين الذين لا يتوقفون عن استفزاز المواطن العربي الفلسطيني ومحاصرته وابتزازه وإجباره على ترك منزله بالقوة.
ولكنْ، وهذا ما تريد إثباته هذه المقالة، هل يمكن اعتبار الهتافات وحرق الأعلام الإسرائيلية وشتم الحكومات العربية المتخاذلة، المخاصمة للنظام الإيراني، دليلا على صدق الميليشيات الوقحة في نصرة غزة والقدس وفلسطين؟ فالإرهابي، هنا، لا يمكن أن يكون عدوا حقيقيا لإرهابي آخر هناك.
وبعبارة أقصر، إن القاتل في العراق لا يصلح لنجدة مقتول في فلسطين، ولا يصلح لمقاتلة القاتل نتنياهو. فهل تستمع حماس، وتتّعظ وتتوب؟ وهل يتقي الله في دماء الفلسطينيين وكراماتهم وأوطانهم قادتُها الغارقون في العسل الإيراني المسموم؟
إبراهيم الزبيدي – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة