“حماس” في كل حروبها لا تستند إلى مرجعية وطنية أو إجماع وطني. تفتعل حروبها متى تريد ولأسباب خاصة بها ولا تأخذ بعين الاعتبار أيّ طرف فلسطيني آخر حتى لو كان ذلك الطرف معترفا به من قبل المجتمع الدولي كونه ممثلا للشعب الفلسطيني.
الفلسطينيون يدفعون ثمن تهور حماس
هناك مسألتان ينبغي التوقف أمامهما قبل التعليق على العدوان الوحشي الذي يتعرض له الفلسطينيون في غزة. المسألة الأولى تتعلق بالوضع القانوني لغزة. فهل هي دولة أم محافظة أم كيان مستقل يتمتع بالحكم الذاتي؟ كل ذلك يقود إلى التساؤل عن المرجعية القانونية التي لا تقع على عاتق السلطة الفلسطينية بل إن هناك دولا مثل تركيا وإيران وقطر يمكن أن تشكل ممرا إلى دويلة حماس.
أما المسألة الثانية فإنها تتعلق بحركة حماس فهل هي جماعة دينية أم حركة تحرر وطني أم ميليشيا مسلحة فالتة يتم استئجارها من قبل هذا الطرف أو ذاك لتحقيق أهداف لا تمتّ إلى نضال الشعب الفلسطيني بصلة؟ فـ”حماس” في كل حروبها لا تستند إلى مرجعية وطنية أو إجماع وطني. تفتعل حروبها متى تريد ولأسباب خاصة بها ولا تأخذ بعين الاعتبار أيّ طرف فلسطيني آخر حتى لو كان ذلك الطرف معترفا به من قبل المجتمع الدولي كونه ممثلا للشعب الفلسطيني.
في ضوء هاتين المسألتين يمكن النظر إلى ما سببته وتسببه حركة حماس من دمار ضرب ولا يزال يضرب البشر والحجر في غزة في سياقه الشاذ المعزول كليا عن النضال الوطني الفلسطيني المتعثر أصلا والذي يشهد منذ حوالي ربع قرن تراجعا ملحوظا على مستوى الأهداف والوسائل والإمكانيات بحيث تحولت السلطة الفلسطينية التي يُفترض أنها كانت ثمرة لمسيرة شاقة من النضال إلى عبء على كاهل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج على حد سواء.
وكما أنهت السلطة منظمة التحرير الفلسطينية فإن حماس أطلقت رصاصة الرحمة على السلطة. فصار الشعب الفلسطيني يواجه عدوّه من غير غطاء سياسي متحصنا بالقانون وبإرادة صلبة في الدفاع عن حقوقه التاريخية المشروعة في أرضه وذلك بالضبط ما جرى أثناء أزمة العدوان الاستيطاني على حي الشيخ جراح بالقدس التي اضطر العالم كله إلى الوقوف فيها إلى جانب الشعب الفلسطيني.
كان الموقف الشعبي الفلسطيني درسا لإسرائيل جعلها على يقين من أن كل ما بذلته وبذله العالم معها من جهود عبر الربع قرن الماضي من أجل تمييع الحق الفلسطيني وبث روح اليأس في الأجيال الفلسطينية الجديدة إنما هو هواء في شبك وأن الشعب هو فعلا مصدر القرار في ما يتعلق بالثوابت التاريخية بغض النظر عن المناورات التي تحاول من خلالها المؤسسة الفلسطينية الرسمية المعترف بها دوليا أن تعبئ تلك الثوابت في قنان إسرائيلية.
فمن المؤكد أن السلطة الفلسطينية في رام الله قد فشلت في إدارة ملفاتها مع إسرائيل حين تخلت عن تلك الثوابت غير أنها أخفقت أيضا في فرض فشلها على الشعب الفلسطيني كونه الخيار الممكن الوحيد.
لذلك انتصر الشعب الفلسطيني في القدس غير أن حماس قررت أن تلحق به الهزيمة في غزة. ما معنى ذلك العبث؟
كان قرار الحرب الذي اتخذته حماس صادما وبالأخص على مستوى التوقيت. لقد ساءها أن ينتصر فلسطينيو القدس بتضامن العالم بأسره معهم بالرغم من أنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة ولم يرموا حجرا ولم يطعنوا مستوطنا بسكين. كانت وسائل دفاعهم عن النفس والحق سلمية ولم يتخلوا عنها في أسوأ لحظات الصدام مع المستوطنين الأشرار. فكانت تلك لحظة مشرقة في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني عز مثيلها. لا أعرف ما الذي فعلته سلطة رام الله في الثناء عليها غير أنني أعرف أن حركة حماس قد أفسدتها.
ليس من الإنصاف أن يدفع أهل غزة ثمن نصر حققه إخوتهم في القدس.
سيُقال في ما بعد إن حماس قد تهورت واندفعت وراء طيشها في مغامرة خاسرة شبيهة بمغامرة حزب الله عام 2006. تلك مقاربة صحيحة في جزء منها غير أنها ليست صحيحة إذا ما تعلق الأمر بالدوافع. كان حزب الله عام 2006 يلهو بغباء فقاد لبنان إلى الخراب أما حماس فإنها فعلت ما فعلته وهي في كامل الوعي لما يمكن أن تقود إليه مغامرتها. ستخرج إسرائيل من مأزقها في القدس ويفسد طعم النصر الفلسطيني هناك فيما تندفع آلة الهلاك في اتجاه غزة لتحصد أرواح أهلها.
ولكن من المستحيل أن تكون تلك الخدمة مجانية.
من المؤكد أن حماس تمني نفسها في أن تكون بديلا عن القيادة الفلسطينية لتأخذ زمام المبادرة في التفاوض مع إسرائيل ومن خلالها مع العالم. ذلك ما سبقها إليه حزب الله وهو يدعو العالم إلى التفاوض معه إذا ما أراد إنقاذ لبنان. فهل تحقق إسرائيل رغبة حماس؟
فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة