أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – رأى خبراء سوريون في مجال الاقتصاد، أن تدهور الليرة هو لعدم تدخل الحكومة في سوق الصرف للمحافظة على استقرارها، مشددين على أن سياسة “تعويم الليرة السورية” بدأتها الحكومة بتنفيذها منذ تموز 2019، وأشاروا إلى أن الحكومة تخلت عن واجباتها اتجاه شعبها وتركته لمصيره لمواجهة الأزمات الحادة في الاقتصاد.
وبحسب الخبراء الاقتصاديين، مع وصول الحزب الديمقراطي للبيت الأبيض، ستعود سياسة الرئيس باراك أوباما ، مما يعني المزيد من التعاون بين واشنطن وموسكو حول الملف السوري، ما قد يعني بعض النفع على الاقتصاد المحلي.
وعن التفسير وراء الانهيار الكبير لليرة السورية، و ماذا ينتظر السوريين خلال 2021، والتقارير التي تتحدث عن “تعويم الليرة السورية”، تحدثت شبكة “أوغاريت بوست” الإخبارية مع الكاتب والأكاديمي والخبير الاقتصادي، الدكتور مهيب صالحة.
وفيما يلي نص الحوار بين شبكة “أوغاريت بوست” مع الخبير الاقتصادي الدكتور مهيب صالحة:
– ما تفسير انهيار الاقتصاد السوري، وماذا ينتظر السوريين في العام الجديد ؟.. وكيف تقرأ التقارير التي تتحدث عن احتمالية تعويم الليرة السورية، هل الحكومة تواجه خطر الافلاس ؟
إن المزيد من تدهور الوضع الاقتصادي في سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية هو نتيجة منطقية لاستمرار السياسة النقدية والمالية وخاصة التوقف عن التدخل المباشر وغير المباشر في سوق الصرف للمحافظة على استقرار سعر صرف الليرة السورية، ويأتي اعتراف الحكومة بسعر السوق من خلال تحديد سعر صرف 2525 ليرة للدولار في البدلات النقدية في الوقت الذي لايزال سعر صرف الحوالات الخارجية لا يتجاوز نصف هذا المبلغ، وبالتالي فإن سعر البدلات وضع حداً أدنى مقبولاً من الحكومة لسعر صرف السوق .
في هذا السياق يمكن القول أن “سياسة تعويم الليرة” انطلقت تموز 2019 بشكل تدريجي، وترافق ذلك مع تغيير الإدارة الاقتصادية من رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري إلى أسماء الأسد زوجة الرئيس.
وإذا كان من مصلحة الإدارة السابقة تحويل مكاسبها الاقتصادية وهي تستحوذ على أكثر من 60% من الاقتصاد السوري إلى عملات أجنبية بسعر صرف ثابت لم يتجاوز إلا ما ندر 450 ليرة للدولار، فإن مصلحة الإدارة الجديدة تعويم سعر الصرف واتباع سياسة تعدد أسعار الصرف للاستحواذ من قبل البنك المركزي الذي تتحكم بإدارته على الفروقات الكبيرة بين الأسعار الإدارية وسعر السوق الاقتصادي، ومن ثم تسهيل بسط سيطرتها على المفاتيح الرئيسة للاقتصاد السوري التي كانت منذ زمن ليس بالبعيد في جيب رامي مخلوف.
ينطلق هذا التحليل من حالة التماهي الشديدة والعميقة بين الدولة والسلطة والقيادة السياسية والاقتصاد الوطني مما يشكل عقبة كأداء في سبيل انقاذ الاقتصاد السوري من كبوته، فإن لم تنفصل المؤسسات الاقتصادية وخاصة التي من مسؤوليتها قيادة وإدارة السياسات النقدية والمالية عن مصالح القيادة السياسية، فإن أية محاولة للخروج من عنق الزجاجة ستبوء بالفشل بسبب العراقيل التي تنصب في طريقها.
ومن جهة ثانية فإن ارتباط الحالة الاقتصادية بالحالة السياسية يعيق محاولات الخروج ويبدد آمال السوريين في العام الجديد، وربما يذهب الاقتصاد إلى مزيد من الاهتراء طالما أطراف الصراع الداخلية ترفض الحوار الوطني المنتج للتسويات حول آليات تنفيذ القرار 2254، الذي ترتبط به كل عملية إعادة الاعمار وعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم للمساهمة في عملية الاعمار وفتح قنوات التمويل الدولية من منح وهبات ومساعدات وقروض ولا سيما أن الولايات المتحدة الأمريكية وبيدها 99% من الحل وأيضاً الدول العربية الغنية وبيدها التمويل تصر على الربط بين إعادة الإعمار وتنفيذ القرار الأممي المذكور, وفي المقلب الآخر لم تتوصل الدولتين العظميين لاتفاق حول آليات تنفيذ القرار بالرغم من أنهما قادتا صياغته واصداره بالإجماع من قبل مجلس الأمن الدولي. وفي الحالتين فإن تأخير الحل السياسي يؤخر إنقاذ الاقتصاد من السقوط في الهاوية مما يلوح في الأفق استمرار سياسة التعويم والاستحواذ وتردي الوضع المعيشي للغالبية العظمي من السوريين الذي صار 90% منهم تحت خط الفقر.
– ماذا سيترتب على البلاد في حال حصل ذلك ؟
إن استمرار هذه السياسة قد يقرأ من زاوية تخلي الحكومة عن واجباتها والتزاماتها تجاه شعبها وتركه لمصيره بينما تعيش هي في أبراجها العاجية، وبالتالي هو افلاس متعمد وعن سابق تصور وترصد للشعب السوري الذي وحده تحمل ويتحمل من لحمه الحي ومن حياته أعباء الصراع وعواقبه, وإذا استمرت الحكومة في سياساتها ظناً منها أنها تنقذ نفسها فإنها تورط نفسها كما تورط البلد بكامله في صراع من نوع جديد لا يعرف معارضة ولا موالاة ولا قوى خارجية تدعم هذا الطرف أو ذاك وسيكون الجميع (تحت الدق), وقد يقرأ من زاوية إفلاس الحكومة والسلطة عموماً عن اجتراح الحلول التي من شأنها على الأقل وقف التدهور ريثما ينضج الحل السياسي المقبول من أطراف الصراع الداخليين والخارجيين .
– هل تعتقد أن الوضع الاقتصادي في سوريا يمكن أن يتحسن مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض ؟
إن هيمنة الديمقراطيين على البيت البيضاوي والكونغرس له دلالات سياسية وتأثيرات عملانية على المنطقة ومن ضمنها سوريا، لأن بعودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض تعود السياسة الخارجية التي رسمها من قبل الرئيس الأسبق أوباما بمعالمها الرئيسة وبخاصة إدارة الأزمات الدولية من خارجها، وبالتالي ربما يشهد المشهد السوري تعاون أكبر بين واشنطن وموسكو قد ينعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي، من حيث تخفيف العقوبات الاقتصادية والضغط على جميع الأطراف الداخلية لقبول آليات تنفيذ الحل السياسي المتفق عليه دولياً، ولكن لن تظهر آثار أي تفاهم روسي أمريكي إلا بعد انقضاء مائة يوم الأولى التي تكون الإدارة الجديدة منشغلة فيها بالقضايا الداخلية.
– ما الحلول الممكنة لتجاوز الأزمة الاقتصادية على الأقل، طالما أن الحلول السياسية يبدو بأنها بعيدة ؟
أخشى ما أخشاه أن تكون فرص الإنقاذ وتجاوز الكارثة الاقتصادية قد استنفذت قبل انطلاق العملية السياسية، لأن الذهنية التي يدار بها الاقتصاد الوطني هي ذاتها التي عملت ولاتزال تعمل على ترديه، بالرغم من وجود إمكانية لاتباع إجراءات إسعافية نقدية ومالية واقتصادية فيما لو تغيرت الذهنية وتحررت المؤسسات الاقتصادية من تبعيتها السياسية.
حوار: ربى نجار