ليس من الواضح بعد ما إذا كانت الإدارة الأميركية القادمة مستعدة لتصديق خطاب أنقرة من أجل الشراكة الوهمية مع حلف شمال الأطلسي وتجاهل أطنان من الأخطاء في كل شراكة تربط تركيا والغرب.
لا يمكن إصلاح الأنظمة الشمولية على عكس ما يصدّق الساذج ويروّج الخبيث. يصدّق الأول، للحفاظ على أمل يروّج له، أما الثاني للتلاعب وإساءة استخدام خطاب الإصلاح لتحقيق مصالحه الخاصة.
مرة أخرى، يركّز الحديث الأخير في تركيا عن “الإصلاح” في الاقتصاد أو في القضاء. فهذا ما أعلنته أبواق النظام منذ أسابيع قليلة وبعد أن أصبح فوز بايدن أمراً لا مفر منه لدوائر السلطة في أنقرة.
لا تسألوا عن مضمون الإصلاحات، فهم يقولون إنهم يعملون عليها. ويمكنك أن تكون متأكدا من أن التصريحات المنمقة لن تؤدي إلى أي مكان، إذ لا يمكن إصلاح الأنظمة الشمولية، مثل تلك التي تحكم تركيا. ولا تتحول إلى ديمقراطيات أبدا. ومصيرها أن تندثر لتفتح طريقا نحو الديمقراطية إذا سمحت الظروف بذلك.
تبقى الأنظمة الشمولية مشبعة بانتهاكات في الداخل وفي الخارج. ويُقدّر للإصلاحات، إذا كانت جادة، الكشف عن ذلك. وبالتالي، فهي غير قابلة للتطبيق بحكم تعريفها.
ومن الحتمي أن تعكس الإصلاحات الجادة والمتعمقة الوضع الحالي في عدد لا يحصى من الأمور التي تتراوح من الأحكام القضائية إلى عمل المؤسسات العامة الكبرى. ولا توجد إرادة سياسية للاعتراف بمثل هذا، إذ نشهد اليوم تفاقم الحالة السائدة. ويكمن شرط البقاء في السلطة في زيادة الضغط وليس تقليصه من خلال الإصلاحات.
كما أنّ النظام بعيد عن كونه متجانسا. إذ يشمل فصائل سياسية تتسابق لتصعيد مستوى سيطرتها الاجتماعية للتأكد من قاعدة سلطتها. وبالنسبة إلى هؤلاء الفاعلين السياسيين، تعتبر كلمة “إصلاح” خطيئة.
ولا يوجد في خدمة النظام مهنيون أكفاء لتنفيذ ما يسمى بالإصلاحات. وهذا سبب جزئي وراء الخطاب الفارغ الصادر دون أي مقترحات ملموسة. ففي حقيقة الأمر، تهدف التصريحات إلى إقناع السامعين أكثر مما تتعلق بالإصلاحات نفسها. وغالبا ما يكون الخطاب موجها إلى الأجانب. إذ أن هناك حاجة ماسة لجذب الحلفاء السابقين في الغرب، ولاسيما إدارة بايدن/هاريس القادمة. كما أن هناك حاجة ملحة لوقف تراجع الليرة التركية.
وكانت هناك مجموعة من الأجانب الأكثر حماسا لما يسمى بالإصلاحات، وهم المتداولون في الأسواق المالية. فقد كانوا سعداء لرؤية ارتفاع سعر الفائدة إلى حوالي 20 في المئة ويرون فرصة مثيرة في استغلال الوضع الراهن. وجاء مدحهم لرفع أسعار الفائدة كدليل على الثقة في الأسواق التركية التي تدفع سلطاتها ثمنا باهظا للسياسات الاقتصادية الكارثية التي اتخذتها في السنوات الأخيرة.
على الصعيد السياسي والاستراتيجي، ليس من الواضح بعد ما إذا كانت الإدارة الأميركية القادمة مستعدة لتصديق خطاب أنقرة الفارغ، من أجل الشراكة الوهمية مع حلف شمال الأطلسي، وتجاهل أطنان من الأخطاء والأعمال العدائية في كل شراكة تربط تركيا والغرب. ويبدو هذا السيناريو غير محتمل.
لاقت تصريحات أنقرة الرسمية لطي الصفحة الموجهة إلى صانعي السياسة الغربيين مرحبين في أوروبا، وخاصة بين أولئك المستعدين لتصديق كلمات الدكتاتور التركي. كما أن هناك تحالفا من صانعي السياسة بقيادة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ويظهرون رغبة لا يمكن كبتها في التعامل مع تركيا غير الديمقراطية.
ويشكل صانعو السياسة البلغار والهنغاريون والإيطاليون والمالطيون والبولنديون والإسبان جزءا من هذا التحالف، إلى جانب منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، المُكلف باقتراح تقرير بحلول مارس، حول كيفية التعامل مع تركيا، بما في ذلك عبر “أجندة إيجابية”. وفي الواقع، يترابط “حديث الإصلاح” في تركيا و”الحديث عن الأجندة الإيجابية” في أوروبا.
كتبت عن خمس مجموعات رئيسية من الأسباب التي تدفع الأوروبيين لاسترضاء أنقرة. فهم يخشون خسارة “تركيا الشريكة في الناتو” لصالح روسيا، ومن تعريض مصالحهم الاقتصادية فيها للخطر، والمخاطرة بصفقة حماية اللاجئين مع أنقرة، واستعداء الشتات التركي في دول أوروبا الغربية، ومن تسريع الانفجار الداخلي في تركيا. وعلى مدى السنوات، أصبحت هذه المخاوف أسس سياسة استرضاء خطيرة وغير مثمرة.
لا تحل سياسة الاسترضاء المشاكل مع تركيا، مثلما لم تحلّها مع المجر وبولندا. فهي تفاقمها وتجعلها غير قابلة للحل كما نشهد يوميا. وقد جعل سخاء المستشارة ميركل مع الحكام المجريين والبولنديين اتفاقهم مشروطا بشكل متزايد. وأوصي بقراءة مقال لماثيو كارنيتشنيغ في بوليتيكو لأنه تعمّق في هذه النقطة.
قلت لكم من قبل إنه كلما رأينا استرضاء الغرب بقيادة ميركل، كلما زادت انتهاكات رجب طيب أردوغان. وينطبق الأمر نفسه على فلاديمير بوتين ومن يشبهه. ولا يمكن حل المشاكل التي أحدثها نظام أنقرة بالإصلاحات بل بزوال هذا النظام! وينطوي استرضاء أردوغان على مخاطر التواطؤ مع نظامه، كما نشهد كل يوم.
في الختام، اسمحوا لي بأن أوصي بقراءة كتاب عن العواقب الوخيمة لسياسة الاسترضاء البريطانية تجاه هتلر، بعنوان “استرضاء هتلر” من تأليف تيم بوفيري.
جنكيز أكتار – كاتب في موقع أحوال تركية – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة